الجمعة، 8 مايو 2009

لا مبرر لهذا الذعر...

الجمعة 08 أيار 2009 - السنة 76 - العدد 23689

بقلم حسين عبد الحسين – واشنطن

لا تفهم الاوساط المتابعة للشأن اللبناني في العاصمة الاميركية سر توتر قادة تحالف 14 آذار، في مواجهة تحالف 8 آذار والنظام السوري. ويقول احد المتابعين في مجالسه الخاصة ان النظام السوري وحلفاءه يلعبون الشطرنج بصبر، فيما يلعب معظم قادة الاستقلال اللبناني كرة الطاولة بكثير من الرعونة والتسرع.

لقد راهن النظام السوري على مصالحة سريعة مع ادارة الرئيس باراك اوباما فور انتخابه، فاذا بأوباما يلتزم الدفاع عن الاستقلال اللبناني وحلفاء اميركا اللبنانيين اكثر من سلفه جورج بوش. ومع ان النظام السوري يبدو متماسكا ومرتاحا اكثر من الماضي، الا ان الواقع عكس ذلك تماما، حيث تتعامل ادارة اوباما بحذر شديد مع دمشق، مما يزيد من قلق السوريين.

هكذا اصبحت الزيارة الثانية لفيلتمان – شابيرو الى دمشق مختلفة جدا، اذ على عكس المرة الاولى حينما ذهب المسؤولان الاميركيان الى العاصمة السورية لاستكشاف مساحات للمصالح المشتركة، يحمل فيلتمان ملفا مع دلائل على تورط سوري في اعمال العنف العراقية، وهذا حتما سيعيق اي انفتاح كان ممكنا قبل شهر او اكثر.

كل المؤشرات في هذا الاتجاه وما زال تحالف 14 آذار يبدو على وشك الانهيار، تارة فزعا من صفقة اميركية سورية متخيلة على حسابه، وطورا خوفا من "حزب الله".

الا ان لقوة السلاح حدود اذ ان "حزب الله" بحاجة لوجود تحالف 14 آذار كواجهة له امام العالم، والا يتحول لبنان الى كوبا او كوريا الشمالية او سوريا، وهو ما يجعل استمرارية "حزب الله" سياسيا وشعبيا داخل لبنان محفوفة بمخاطر، وقد يجبره الى زيادة الاعتماد على سلاحه داخليا في حال تسلمه الحكم، مما يحول لبنان الى دولة تحت حكم عسكري ويضعها في مواجهة العالم، ويضع "حزب الله" في مواجهة عدد اكبر من اللبنانيين.

ولسخرية القدر، فان سيناريو تسلم "حزب الله" لمعايير الحكم كاملة في لبنان هو اكثر ما يؤيده مناصرو دولة اسرائيل في العاصمة الاميركية، اذ يبدو ان تل ابيب تعتقد ان التعامل مع الطرف الاقوى عسكريا هو الانسب، وهو ما سيضع "حزب الله" امام مسؤولياته في مواجهة العالم، بدلا من الاختباء خلف حكومات 14 آذار صاحبة الوجه الحسن عالميا، كما في حرب تموز 2006. اما واشنطن، فتختلف تماما مع تل ابيب حول السيناريو اللبناني، والسوري كذلك، وتصر على حماية قادة الاستقلال اللبناني، لا لمصلحة اميركية ما، بل لان الاميركيين لم يسبق ان وجدوا حلفاء في دول المنطقة يتمتعون بتأييد شعبي كما وجدوا في لبنان.

ومع كل ذلك يبقى السؤال: لماذا يبدو تحالف 14 آذار ومناصروه مرتبكين وخائفين من الافراج عن الجنرالات الاربعة، او من وهم عدم جدوى العدالة الدولية، او من صفقة اميركية – سورية متخيلة؟

الجواب عن هذا السؤال ليس في واشنطن، بل في بيروت، حيث يتحول بعض الزعماء على مستوى الوطن، اثناء مواسم الانتخابات، الى قادة محليين يتناوشون على مقعد نيابي هنا او وزاري هناك، وهو ما يمكن تداركه سريعا والعودة الى الثقة بالنفس، وادراك ان اللعبة في المنطقة هي لعبة شطرنج، وتحتاج الى نفس طويل واناة، من الشعب ومن القادة، لا لعبة كرة طاولة مبنية على ردات فعل وبضعة اشواط سريعة.

(صحافي مقيم في واشنطن وزميل زائر في معهد "تشاتهام هاوس" البريطاني)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق