الأربعاء، 17 مارس 2010

انحسار الأزمة الأميركية - الإسرائيلية وانحصارها بمحاولة لترميم المفاوضات

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انحسرت الازمة الاميركية - الاسرائيلية، وانحصرت في «رغبة» اميركية في ان تأخذ حكومة اسرائيل «خطوات» لتسهيل استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

وجاءت الليونة الاميركية مع اقتراب موعد وصول رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الى واشنطن، للمشاركة في مؤتمر لوبي «ايباك»، الموالي لتل ابيب، والذي يبدأ اعماله الاحد المقبل، ويستمر حتى الثلاثاء.

ورغم تعالي الاصوات الاميركية، مع نهاية الاسبوع الماضي، في ادانة اميركا اسرائيل اثر اعلانها خطة لبناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية، حصل ما كان متوقعا، اذ لم تمارس واشنطن اي ضغوط على تل ابيب، ولم تلوح بامكانية بتجميد المساعدات لاسرائيل.

وتبلغ قيمة المساعدات الاميركية السنوية المباشرة لاسرائيل 3 مليارات و150 مليون دولار، سنويا، يضاف اليها مبلغ 200 مليون دولار، تنفقها واشنطن على مشاريع «عسكرية مشتركة»، مثل تطوير انظمة الصواريخ الاسرائيلية.

وعزا معلقون الضعف الاميركي تجاه اسرائيل باقتراب انتخابات الكونغرس التي يرجح ان تكون قاسية، في نوفمبر المقبل، وهو ما يجعل الرئيس باراك اوباما والحزب الديموقراطي في حاجة الى نفوذ «ايباك»، فيما اعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مشاركتها

في مؤتمر «ايباك» والقائها كلمة فيه، قبل ساعات من انتشار خبر توجيهها الملامة لرئيس الحكومة الاسرائيلي، الجمعة الماضي. وتساءلت المعلقة السياسية لورا روزن في صحيفة «بوليتيكو»، امس، عن الذي «سيحصل بعدما خفت الصراخ» بين واشنطن وتل ابيب. ونقلت عن مصادر في الادارة قولهم: «نرغب في ان تأخذ حكومة اسرائيل خطوات لخلق اطار ايجابي للمفاوضات». وانبرى الخبراء الاميركيون الى تحليل الموقف الشائك بين البلدين، فكتب مدير مركز ابحاث «بروكنغز مارتن انديك» ان نتنياهو «يكرر ما ادى الى انهيار تحالفه في اواخر التسعينات، عندما قرر تحدي الرئيس السابق بيل كلينتون».

وروى انديك، في مقالته في «دايلي بيست»، انه اثناء خدمته سفيرا لبلاده في اسرائيل، اثارت تصرفات نتنياهو نحو السلام غضب وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت، التي طلبت من انديك ان يقول للمسؤول الاسرائيلي ان «عليه ان يتوقف عن القلق في شأن ائتلافه اليميني، وان يبدأ في القلق في شأن (علاقته مع) الولايات المتحدة».

وختم انديك ان على الاسرائيليين الاخذ بنصيحة اولبرايت، و«التوقف عن بناء المستوطنات واخلاء الفلسطينيين من بيوتهم وتدميرها».

بدوره، حاول وكيل وزيرة الخارجية جايمس ستاينبرغ، وهو الذي استدعى السفير الاسرائيلي مايكل اورن الجمعة الماضي وقرأ امامه رسالة اعتراض اميركية شديدة اللهجة، تفادي التعليق على توتر العلاقات مع اسرائيل.

وقال ستاينبرغ اثناء محاضرة له في مركز ابحاث «مجلس الاطلسي»، اول من امس، ان بلاده «ملتزمة السلام، ولكن الامر يعود الى الطرفين في العودة الى المفاوضات السلمية». ومع انحسار الازمة، سيحاول الديبلوماسيون الاميركيون ترميم ما تبقى من مفاوضات السلام، في وقت لا يتوقع اي من الديبلوماسيين التوصل الى انفراجات على هذا الصعيد، مما يجعل من العملية السلمية المقبلة مشروع «ترقيع»، وحفظ ماء الوجه للاطراف المختلفة.

العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل كانت وصلت الى ادنى مستوياتها، للمرة الثالثة في تاريخها، الاسبوع الماضي، اثر قرار اسرائيل بناء وحدات سكنية في القدس الشرقية، في نفس الوقت الذي كانت تنوي واشنطن اعادة اطلاق مفاوضات سلام غير مباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بارسالها نائب الرئيس جو بيدن الى المنطقة.

الا ان الازمة الاميركية - الاسرائيلية لم تصل الى حد التصعيد الذي بلغته في زمن الرئيس السابق جورج بوش الاب، الذي هدد، في العام 1991، بتجميد المساعدات الاميركية السنوية الى اسرائيل، في حال استمرت ببناء المستوطنات. الايام القليلة الماضية شهدت تصعيدا غير مسبوق بين اميركا واسرائيل، بعدما اعتبر بيدن اعلان اسرائيل بناء المستوطنات، اثناء وصوله، اهانة له ولبلاده.

لكن الناطق باسم الخارجية الاميركية فيليب كراولي قال، ليل اول من امس، ان اسرائيل «حليف استراتيجي وستبقى كذلك». واضاف انه رغم مسألة الاستيطان التي كانت وراء ازمة الثقة بين البلدين، ان «التزامنا امن اسرائيل يبقى قائما ولا يمكن ان يتزعزع»، في اشارة خصوصا الى الملف النووي الايراني.

وكان كراولي ابلغ الصحافيين، الجمعة، ان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اتصلت بنتنياهو.

وسرت في الاوساط الاميركية اخبار مفادها بان كلينتون طالبت نتنياهو، في اتصال دام اكثر من 45 دقيقة، باعلان التراجع عن قرار بناء الـ 1600 وحدة سكنية، والافراج عن فلسطينيين معتقلين في السجون الاسرائيلية كبادرة حسن نية، واعلان ان اسرائيل تنوي الخوض في مفاوضات تتضمن - الى ترسيم الحدود كما هو متفق عليه بين الطرفين - شؤون الحل النهائي مثل القدس ومصير اللاجئين. وقالت مصادر اميركية اخرى ان مبعوث السلام جورج ميتشل ومساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان امضيا عطلة نهاية الاسبوع «على التلفون»، واجريا خلالها مشاورات مع عدد من مسؤولي المنطقة العرب لتدارك الانهيار واعادة اطلاق «المحادثات غير المباشرة».

كما جدد دايفد اكسلرود، وهو كبير مستشاري الرئيس باراك اوباما، الاحد الماضي، وصف التصرفات الاسرائيلية بـ «الاهانة» بحق بلاده. وساهم كلام المستشار الاميركي، اثناء ظهوره على البرنامج الاكثر شعبية «ميت ذي برس»، في تأجيج الازمة.

في خضم التصعيد، اصدر كل من لوبي «ايباك» ومنافسه، الاضعف نفوذا، «جاي ستريت باك»، بيانات. تحدث اللوبي الاول عن «التحالف الاستراتيجي التاريخي بين اميركا واسرائيل»، ودعا الادارة الى «حل الازمة بعيدا عن الاعلام». كما شدد على ضرورة «ابتعاد واشنطن عن فرض تواريخ زمنية احادية الجانب على اسرائيل».

بدوره، اعرب «جاي ستريت باك» عن تأييده لموقف الادارة الاميركية في مواجهته مع الحكومة الاسرائيلية. «

ايباك» حاول عكس الاندفاعة المعادية لاسرائيل في العاصمة الاميركية، فطلب من نواب مؤيدين اصدار بيانات استنكار للهجة الادارة تجاه تل ابيب، على غرار ما فعل في وجه الرئيس الراحل غيرالد فورد، الذي هدد في العام 1975»باعادة تقييم العلاقات الاميركية - الاسرائيلية»، ليشهد انتفاضة من الكونغرس في وجهه كانت ستمنعه من تجميد المساعدات الاميركية، وربما ادى موقف فورد الى خسارته الانتخابات الرئاسية في العام التالي، تمام كما حصل لبوش الاب، الذي حاول تحدي اسرائيل بدوره، وخرج من الرئاسة بعد ولايته الاولى في العام 1994.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق