الأحد، 13 فبراير 2011

أحداث مصر تدفع دمشق إلى محاولة إعادة ما انقطع مع واشنطن

حسين عبد الحسين

جريد الراي

في خضم احداث مصر المندلعة منذ 25 يناير، كان مؤيدو نظام الرئيس السوري بشار الاسد، من الاميركيين، يعملون على وصل ما انقطع بين واشنطن ودمشق. سورية تسعى منذ فترة الى دفع عواصم العالم الى التخلي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

باريس ولندن تلقت رسائل من واشنطن، لا بضرورة رفض عروض الاسد للتخلي عن المحكمة مقابل «خدمات وامتيازات» يقدمها في المنطقة، بل طلبت اميركا من حليفتيها زيادة مساهمتهما في تمويل عمل المحكمة.

هكذا، ادركت سورية واصدقاؤها الاميركيون ان المحرك الرئيسي لاستمرار عمل العدالة الدولية لمحاسبة قتلة رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري، وعدد من اللبنانيين المنهاضين لسورية، يبدأ في واشنطن، وينتهي فيها.

توم داين، المدير السابق للوبي «ايباك» الداعم لاسرائيل، هو من يتولى الحملة لتحسين صورة سورية داخل واشنطن. يروي موظفون في وزراة الخارجية الاميركية لـ «الراي» ان داين دأب، منذ سنوات، على التردد الى مكاتب المسؤولين في الوزارة المعنيين بملفات الشرق الاوسط، وحاول الوقوف على ما يعرفونه عن عمل المحكمة.

«يسعى داين لمعرفة الى اي مستوى (في النظام السوري) تصل ادانات المحكمة الدولية»، يقول احد الموظفين الذي يؤكد انه لا يمانع «في ابلاغ داين او غيره» لو كان هو او اي من المسؤولين الاميركيين يعلمون اي شيء عن عمل المحكمة او قرارها الظني.

الا ان داين لا ينتظر «الى اين ستصل المحكمة»، بل يقوم بتنظيم زيارة وفد سوري مؤلف من مستشارين للحكومة السورية وللاسد، ويستخدم علاقاته لتنظيم لقاءات للوفد مع كبار المسؤولين في الادارة، كذلك ينجح في اقناع «مركز بروكنغز للابحاث»، وللاخير فرع في الدوحة ومصالح هناك، باستضافة اعضاء الوفد في جلسة نقاشية تهدف الى تحسين صورة الاسد ونظامه في العاصمة الاميركية. اضافة الى داين، تنشط مجموعة من الاميركيين على تنسيق وثيق بالسفير السوري في الولايات المتحدة عماد مصطفى. هذه المجموعة تتضمن الاكاديمي جوشوا لانديس والناشط روبرت مالي والصحافي سيمور هيرش، وآخرين. يكتب مالي وزميله بيتر هارلينغ، المقيم في دمشق، في «صحيفة واشنطن بوست» وفي دورية «شؤون خارجية» المرموقة، عن ضرورة تخلي اميركا عن حلفائها العرب الحاليين، واقامة تحالف مع «محور شمالي» في المنطقة قوامه ايران وسورية وتركيا والعراق ولبنان.

يحضر عماد مصطفى حفلات عشاء يقيمها يهود سوريون. وبايعاز من دمشق، يعمل مصطفى على ترتيب زيارة مالكوم هونيلين، نائب رئيس الجمعيات اليهودية الاميركية وصديق رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الى دمشق ولقائه الاسد. يعد الاسد هونيلين بترميم 10 من الكنس اليهودية في سورية، وتلتزم سورية بوعدها.

اخيرا وليس آخرا، يسعى السناتور الديموقراطي عن ولاية ماساتشوسيتس جون كيري، الى تحسين صورة الاسد كرجل غربي المظهر ونظامه «علماني»، وممكن التوصل الى اتفاقية سلام بينه وبين اسرائيل، تبعده بالتالي عن ايران و»حزب الله» وحركة حماس.

كيري، وهو يتمتع بعلاقة وثيقة جدا مع الرئيس باراك اوباما، هو الذي اقتنص تعيين روبرت فورد سفيرا للولايات المتحدة في سورية بمرسوم، في فترة غياب الكونغرس عن الانعقاد. اقنع كيري اوباما انه في ظل تعثر المسار الفلسطيني الاسرائيلي ممكن احداث اختراق على المسار السمي السوري الاسرائيلي، وهو ما اكده هونيلين الذي سمع من الاسد استعداد تاما للصداقة مع اسرائيل.

منذ 25 يناير، تاريخ اندلاع احداث مصر، كان داين يعمل على تنظيم زيارة جديدة لوفد سوري، موسع هذه المرة، الى واشنطن لتحسين صورة دمشق. دبّر داين عدد من اللقاءات للوفد مع مسؤولين في الادارة، وطلب من الباحثة منى يعقوبيان، وهي من المتحمسين «لمراعاة مصالح سورية في لبنان والمنطقة» وتعمل في «معهد الولايات المتحدة للسلام». ارسلت يعقوبيان عددا من الرسائل الالكترونية الى باحثين لحضور اللقاء مع الضيوف السوريين برعاية داين، ولكنها اشترطت السرية التامة للقاء.

في الوقت نفسه، كان كيري يستعد لزيارة دمشق لمتابعة التطورات اثر تعيين فورد سفيرا فيها.

الا ان تلميع صورة النظام السوري واعادة ترميم صداقته السابقة مع الولايات المتحدة، حينما كان مصطفى يزور البيت الابيض ويتم التقاط صور تذكارية له مع الرئيس السابق جورج بوش الابن، تبدو اصعب في وقت يتعاطف فيه الاميركيون بشكل تام مع المتظاهرين المصريين، ويؤيدون تغيير نظام الرئيس حسني مبارك لمصلحة اطلاق الحريات والوصول الى ديموقراطية في مصر مبنية على الانتخابات وتداول السلطة.

يقول مصدر اميركي رفيع المستوى، ان «حرية الادارة في السياسة الخارجية ليست مطلقة كما يعتقد البعض، اذ لا بد من ان تراعي الحكومة الاميركية شعور الشعب الاميركي، وهو متعاطف اليوم تماما مع المصريين ضد رئيسهم المتنحي بعد 30 عاما في الحكم».

فجأة، افاق الاميركيون على منطقة فيها رؤساء غير منتخبين وتعاني من نقص هائل في الحريات، وهو ما دفعهم الى الضغط على حكومتهم لتبني «المزيد من المبادئ على حساب المصالح». يختم المسؤول: «حتى لو ابقينا تبادل زيارة السوريين طي الكتمان، فان الاعلام سيعلم وسيجعل موقف واشنطن صعبا في التعامل مع او الترحيب بوفود مؤلفة ممن يؤيدون انظمة غير حرة في الشرق الاوسط». هكذا، قام داين بالغاء الزيارة المقررة للوفد السوري الى واشنطن، وتراجع كيري عن زيارته الى دمشق.

متى سينجح السوريون في استعادة صداقة مع الاميركيين يحتاجونها لايقاف العدالة الدولية الخاصة بلبنان؟ الاجابة تعتمد على المزاج الشعبي الاميركي وامكانية قبول واشنطن اعطاء المزيد من الفرص لبعض الانظمة الشرق اوسطية في وقت يتجه العالم بعيدا عن هكذا حكومات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق