الأحد، 27 فبراير 2011

عندما يكتب تاريخ العرب سأقول اني عربي حر وفخور

حسين عبد الحسين

جريدة العالم

سأقول اني وغيري من العراقيين هللنا لاقتلاع الولايات المتحدة صدام حسين ونظامه الدموي. سأقول اننا لم نخش ان يتهمونا بمجاراة الامبريالية، واننا لم نتخل عن العراق لطغاته الجدد، واننا لم نتراجع امام حملات التكفير، ولم نرضخ للناطقين زورا باسم الخالق كي يتحكموا بمصير المخلوق.

عندما يُكتَب تاريخ العرب سأتباهى بأني ممن تحمسوا لنهاية الاستقرار التونسي، واني ممن لم يخشوا استبدال الاستقرار المزعوم بالحرية، على الرغم من مخاطرها، فللحرية اثمان.

عندما يُكتَب تاريخ العرب سأقول اني وغيري لم نخف يوما من الاخوان المسلمين في مصر، واننا لم نهلل لسقوط حسني مبارك لأنه حامي السلام مع اسرائيل، فنحن لا نهاب السلام ولا نهرب منه، بل أسعدنا اننا شهدنا نهاية حسني وجمال وعلاء وفسادهم ومفسديهم.

عندما يُكتَب تاريخ العرب سأردد ان سخرية القدر نصّبت على الليبيين مخبولا دمويا لأكثر من أربعة عقود طوال، وسأقول بفخر اني لم أخشَ يوما هذا الجزار معمر القذافي، ولم أطمع في أموال دعايته التي ابتاع لنفسه بها قوافل ممن يطلقون على أنفسهم اسم المثقفين العرب، وهم في الواقع أبواق سلاطين.

عندما يُكتَب تاريخ العرب سأقول ان عرب المغرب تفوقوا على عرب المشرق، وان في المشرق أنذالا اكثر، وان في لبنان وسورية حكاما واتباعهم ممن هللوا للحرية وهم من العبيد والمغلولين، فلا حرية ولا أحرار مع بشار، الطاغية ابن الطاغية.

وعندما يُكتَب التاريخ سأتذكر من قتلهم ديكتاتور دمشق، وسأتباهى اني واحرار غيري تركنا الدار والديرة للدمويين من ضباط المخابرات، الى ان ينال منهم التاريخ كما نال من أقرانهم في بغداد وتونس والقاهرة وطرابلس.

عندما يُكتَب التاريخ سأقول اني لم انصت لحسن نصرالله، ولا لأوامره الإلهية، ولا لزمرته من المرتزقة وعبدة المال الآتي من وراء الخليج، فالمال سينضب، ويومها لن ينفع سلاح.

عندما يُكتَب التاريخ، سأتذكر انه لم يسبق للعرب ان خبأوا زيفهم أكثر مما فعلوا في فلسطين، وانهم حولوا الأحرار الى عبدة أرض وتراب ومعانٍ فارغة عن الكرامة الوطنية، فلا كرامة لشعب يقول ولا يستمع، ويصرخ بدلا من ان يحاور، ويقتل ثأرا، ويدافع عن نفسه بالخديعة والاختباء بين المدنيين وفي بيوتهم الآمنة.

انا عربي حر فخور.

انا انسان والانسان اسمى من فلسطين. انا انسان والحياة، بحلوها ومرّها، عزيزة غالية، فلا للشهادة ولا للاستشهاد، بل التزام الصحيح لأنه صحيح، لا طمعا في جنان خالدة وانهار هي من نصيب أصحاب الضمائر من دون غيرهم – الأحياء منهم والأموات.

أنا انسان ولأني انسان فانا لن أضحي بنفسي لتحرير تراب أمشي عليه، فالتراب تحت أقدامي، وأنا فوقه. اما عندما أصبح تحت التراب، فأنا ميت.

انا عربي، حريتي في كرامتي، لا في اراض ارثها بصكوك سماوية مقدسة، ولا ارض رباط، ولا قدس ولا مساجد صخور مقدسة، فعبدة الصخور ولّوا منذ زمن سحيق.

انا عربي ولتأت اسرائيل، ولتأخذ أرضي، فكرامتي ليست قطعة أرض ولا شجرة زيتون، بل كرامتي في حريتي في قول ما اشاء، كيفما اشاء، وساعة ما اشاء، من دون انتظار تحرير كامل التراب، ورفع قوانين الطوارئ الحاكمة في دول العرب من المحيط الى الخليج.

عندما يُكتَب تاريخ العرب سأقول اني تخليت عن الارض لان الكرامة في الحرية من دون غيرها، الحرية من حكم الطغاة، والحرية من فكر السلف، فلأسلافنا حياتهم، ولنا حياتنا، ولأسلافنا فكرهم، ولنا فكرنا.

عندما يُكتَب تاريخ العرب سأقول ان العنف هو الخوف، خوف من يخشى الكلمة الحرة والفكرة الخلاقة. ولأن رجال العرب يخافون، ويخشون انكشاف ركاكتهم العقلية وعوراتهم الفكرية، فهم يقمعون نساءهم، ويحولونهن الى عورات.

عندما يُكتَب تاريخ العرب سأقول ان ثورات تونس ومصر وليبيا وغيرها لن تنجح من دون التجدد والتجديد.

وعندما يُكتَب تاريخ العرب سأقول انه من دون التخلي عن استخارة الماورائيات في شؤون الاحياء، ومن دون التخلي عن مبادئ البوادي في الشرف المتخيل والعرض المزعوم، لن تنجح ثورة ولن يفلح ثوار.

انا مواطن عربي فخور، حفيت شواربي لان لا شرف في الشنب، بل الشرف في الصدق والنزاهة والنزوع الى الحرية الشخصية وحرية الآخرين، واحترام الرأي المختلف، حتى لو تعرض لما اعتقده مقدسا، فلا قداسة غير قداسة عدم استخدام العنف في اي حال من الاحوال.

وانا مواطن عربي ادرك ان الثورات هي اجمل من الواقع، وان الواقع يبدأ عندما تبدأ الثورات في أكل ابنائها.

انا مواطن عربي ادرك ان الثورات هي دروب الزامية تسلكها الشعوب في طريقها من القبلية والاستبداد الى الدولة والحرية.

وعندما يُكتَب تاريخ العرب سأقول اننا كنا نعلم ان طريق الديموقراطية طويلة، وانها مرصوفة بالدموع والانتكاسات، ولكننا كنا نعلم ايضا ان الحياة من دون حرية هي بمثابة الموت.

لن يعود صدام حسين، ولا زين العابدين بن علي ولا حسني مبارك. لن يعود صلاح الدين، الذي قتل عربا وصليبيين بالتساوي. لن يطيل الاسد ولا علي خامنئي البقاء. لا بد للطغاة من الرحيل يوما وتبقى الحرية واهلها.

لن يعيش اللبنانيون الى الابد في دوامة قصص الف ليلة وليلة وابطالها من اقطاعييهم ممن جمعوا ثروات وخبؤوها خلف غباء تابعيهم.

ولن تتسع السجون السورية لكل اصحاب المدونات من نساء ورجال في مقتبل العمر. لن يقدر النظام الايراني على قتل كل الايرانيين باسم ولي العصر وصاحب الزمان، بل سيعود زمان الايرانيين اليهم ويصبح قدرهم بين أيديهم.

لن تبقى السعوديات ناقصات، اسيرات منازلهن، عابدات للرجال، بل سيصبحن مواطنات متساويات في الحقوق والواجبات مع هؤلاء الرجال. ولن يبقى السعوديون اسرى تشريعات العصور الوسطى، وسيقلعون يوما عن قطع الرؤوس والايدي والارجل والالسنة، ومصادرة الكتب، وكم الافواه، والامر بما يعتقدونه معروفا والنهي عما يظنونه منكرا.

عندما يُكتَب تاريخ العرب، سأقول اني كنت هناك يوم اصبح العراقيون احرارا، ويوم ثار التونسيون والمصريون والليبيون.

عندما يُكتَب تاريخ العرب، لن اخشى الملامة ولن اشعر بالندم، فانا وغيري كنا نمشي مع التاريخ، لا عكسه.

عندما يُكتَب تاريخ العرب سأقول اني عربي حر وفخور.

* كاتب عراقي مقيم في واشنطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق