الأربعاء، 2 مارس 2011

بين العمامة والطربوش

رشيد الخيُّون يؤكد لـ"المجلة" تراجع الاسلام السياسي

حوار أجراه حسين عبد الحسين

الاسلام السياسي في تراجع، والاحزاب الاسلامية التي اظهرت بعض الانتصارات في الانتخابات البرلمانية في دولها، انما فعلت ذلك لانها قدمت برامج وطنية اقرب الى العلمانية منها الى الخطاب الديني. الدكتور رشيد الخيّون، الباحث العراقي، يعتبر ان احد اسباب تراجع الاحزاب الاسلامية هو وصول بعضها الى السلطة في بعض الدول، مثل ايران، حيث تمت تجربة البرنامج الاسلامي في الحكم، من دون نتائج ايجابية تذكر.

المجلة قابلت الخيّون في لندن وكان هذا الحوار.

"المجلة": في مقابلة سابقة لك قبل عام، تحدثت عن بدء تراجع الإسلام السياسي، فهل تم هذا اليوم؟

- بالنسبة لتراجع الأُصوليات، يؤخذ الأمر ضمن تقييم الإسلام السياسي بشكل عام. بطبيعة الحال، الإسلام السياسي في المعارضة غيره في السلطة. ليس الإسلام السياسي فقط، انما الأحزاب والحركات الثورية كافة بما فيها التي مررنا على قراءتها في التاريخ: ثورة الزنج و القرامطة و البابكية او الزيدية، هذه كلها كانت ترفع شعارات ثورية. وعلى العموم ان الإنسان الذي يعمل في المعارضة لمنافع الشعب، أو من أجل الاستحواذ على السلطة، أو من أجل التغيير، سيحاول الظهور بمظهر جيد وأداء حسن بشكل جيد، هذا أولا، وثانيا: السلطة فاسدة، ليس بالنسبة للثوريين فقط، بل أيضا للديمقراطيين المؤمنين بتداول السلطة والوصول إليها عبر الانتخابات، عندما يقبع في السلطة أكثر مما يلزم سوف ينسج حوله "شرنقة" كبيرة، عبارة عن شبكة من الأعوان الفاسدين، وواحدة من أهم أسباب تراجع الإسلام السياسي هو تجريب السلطة وإدارة دفتها بما لم يُحقق شعاره: الإسلام هو الحل، فظهر فاسداً لا يختلف عن فساد الآخرين بعد زوال قدسية الشعار عندما كان يرفعه في المعارضة.

الإسلام الأًصولي، لولا تجاربه في السلطة، كان من الممكن أن يبقى متوقداً جذاباً. كان الناس يأملونه، بعد أن فشلت التجارب السياسية الأخرى، منها القومية ومنها الاشتراكية اليسارية، فشلت بشكل عام، فصار الأمل في تطبيق الإسلام، وطبعا الإسلاميون يقولون دائما أن الإسلام هو الحل أو المنقذ، وهو مغلف بالقدسية.

"المجلة": برأيك هل تم تجريب الحل الإسلامي؟

- نحن نتحدث عن المقدس. نقول الإسلام هو الحل ومعنى ذلك انها ستكون "دولة الله" سبحانه، ومن أسماء الله الحسنى هو العدل، لكن المشكلة، من هو الذي يمثل الله تعالى؟ هذا هو السؤال. الإسلام السياسي قدم الإسلام هو الحل كأن الله هو الذي يدير السلطة، مما يجعل ممن يديرون السلطة فوق الخطأ وفوق الظلم. تم تجريب الإسلام السياسي في أماكن عدة من البلدان العربية وغير العربية. في افغانستان، كان المد الثوري والجهادي، نقول الجهادي فهم لا يسمونه الثوري، فقد كان المطلوب تحرير البلاد من الاحتلال السوفياتي. ولكن في اللحظة التي تم فيها هذا التحرير، بمعونة أميركية علنية لأن العدو كان مشتركاً، بدأ الصراع بين التيارات الدينية السياسية نفسها. من هو الضحية؟ الضحية هو الانسان الأفغاني. بدأوا يحكمون بما لا يجيزه الله، وأول ما يبدأ الإسلام السياسي بتجربته هو إعلان ممارسته ضد المرأة في شؤون التعليم ومنع الاختلاط في المجتمع، وإذا لم تختلط المرأة في المجتمع، كيف لها المساهمة فيه؟ إلى أين قاد الفعل أفغانستان؟ قادها إلى مجيء طالبان، التي جاءت ومنعت حتى اللعب بطائرة الورق، بعد أن صارت الطائرة الورقية لعبة الشيطان، فما بالك بنشاط المرأة، غير الإسلامي، أو السينما أو الأمور الاجتماعية والفنية الأخرى. هذه تجربة سقطت.

نأتي إلى تجربة إيران حيث كان الكل في اتفاق على اسقاط شاه إيران. كان الحديث عن جهاز السافاك، وأن عائلة الشاه كانت محتكرة للسلطة وللثروة، تعاطف الناس مع هذه الشعارات ووجدت ضالتها في الإمام الخميني. والخميني كان يتكلم بالعدالة، ويتكلم ضد الديكتاتورية، وضد احتكار السلطة، ولكن، ما أن أمسك هو بالسلطة حتى غابت القوى التي كانت تدعمه من الليبراليين، فكانت النتيجة أن ظهر العنف الثوري ضد السلطة الجديدة، وتبنت ذلك منظمات كانت مساهمة في الثورة وأهمها منظمة مجاهدي خلق المُعارضة الآن.

"المجلة": لكن هناك من يعتقد أن الخميني هو من قام بتغييب هذه القوى.

- بالطبع، عندما نقول غابت، نعني أنه وجهاز سلطته الجديد من قام بتغييبها، لأنه انفرد بالسلطة، وهذا باقتراح وبتضامن بين رجال الدين، وصلت إيران من فبراير 1979 إلى فبراير 2011، أي 32 سنة، من ولد يوم قيام الثورة أصبح اليوم رجلاً، أكمل دراسته وتزوج، هناك ممن عمره اثنين وثلاثين عاماً، اليوم بإيران، لم يرتد عن الثورة فقط، بل أرتد عن الدين، هناك أُناس – بسبب التطبيقات الإسلامية– وصل فيهم الحال الى الابتعاد عن الدين والدولة الدينية.

هكذا فشلت أكبر تجربة حكم قام بها الإسلام السياسي المعاصر، باسناد من الاخوان المسلمين، وانا واثق من انه لو استلم الاخوان المسلمون الحكم في مصر، لصار تحالفا بين إيران ومصر، لان المذهبية هي سياسية بالدرجة الأولى. تعاني إيران اليوم من تراجع في الاقتصاد، تراجع في الفن، تراجع في كل ناحية، لهذا هي تنتظر ثورة جديدة، دستورية او شعبية، الوضع بإيران الآن متدهور.

"المجلة": اسمح لي بالمقاطعة هنا، لكن التحالف الشيعي السُّني لم يحصل بين إيران وافغانستان حيث نشأت عداوة بين البلدين اثناء حكم الطالبان.

- هذه العداوة التي تتحدث عنها هي نموذج مختلف عن الإخوان المسلمين. نموذج طالبان فيه سلفية صارخة، وهذه السلفية الصارخة تكفر المذهب الشيعي. عند الاخوان المسلمين يختلف هذا الموضوع إذ أن هؤلاء أكثر اعتدالا مقارنة بتطرف الطالبان. ولكن مع ذلك، لم تكن إيران سلبية بالنسبة لطالبان، بدليل أن إيران لم تكن سلبية حتى تجاه من هو أكثر تطرفا من طالبان، اي بن لادن، وأخبار كثيرة تناقلت من أن أبا مصعب الزرقاوي، وهو الاكثر تطرفا من طالبان وحتى من بن لادن نفسه، دخل العراق عن طريق إيران.

النموذج الآخر بالنسبة للإسلام السياسي هو نموذج العراق حيث الأحزاب الشيعية والحزب الإسلامي، الذي يمثل السُّنة، كانوا يطرحون شعارات ضد الديكتاتورية، وشعارات من أجل الديمقراطية، ودعوا إلى تحرير المجتمع. لقد تم تحرير المجتمع من الديكتاتورية بيد أميركا، وليس بأيديهم، ولكن الآن، عندما استقروا الى حد ما في السلطة، بدأت تطبيقات الإسلام السياسي، وهي أسلمة المجتمع، أي إعلان محافظات عراقية على أنها إسلامية عن طريق منع المهرجانات الموسيقية وتحريم الغناء. أما كل وزارة يتوزر فيها وزير إسلامي، تتحول إلى حسينية. وهنا يجدر التنويه: إن الإخوان المسلمين في العراق اختلف اداؤهم عن الاخوان في مصر والأردن، فعمدوا إلى ممارسة مغايرة تجاه أميركا والاحتلال، وهم الآن يتبنون موقفا مستقلاً، إلى حد ما، ولكنهم لا يعترضون على أسلمة المجتمع، ومعلوم أن أسلمة المجتمع تعني ديكتاتورية قبل كل شيء، فهي حالة فرض ومصادرة للحريات، فما هو وجه الديمقراطية، أهي دورات انتخابية في ما بينهم مثلما هو الحال بإيران.

كل هذا يدل على أن الأُصوليات في تراجع، والمؤشر الكبير هو ما أسفرت عنه الانتخابات العراقية الأخيرة من تراجع في أصوات الإسلام السياسي عما كان عليه العام 2005. هذا سببه الأداء الخاطئ في السلطة. الشيء نفسه حصل مع الإخوان المسلمين بمصر حيث تراجعوا، مع أخذ التلاعب في الانتخابات بعين الاعتبار، لكن المؤشرات تقول إن هناك تراجعا، لكن السلطة الاستبدادية بمصر قد أعطت بتلاعبها في الانتخابات شحنة من الجاذبية للإخوان، وذلك عندما قدمتهم ضحية لتلاعبها. هناك تجارب مريعة حصلت مع الإسلام السياسي، في ما ذكرنا وفي ما لم نذكر. وشخصياً يصعب عليَّ الفصل بين تجربة الانتحاريين أو السلفيين والإسلام السياسي بشكل عام، فهي علاقة الولد بالوالد مع اختلاف الرؤى مرحلياً.

"المجلة": برأيك هل يأخذ الناخبون في العراق تجربة إيران أو مصر بعين الاعتبار عند ادلائهم بأصواتهم؟

- يجب أن يكون هناك فصل بين الدين والسلطة أو الدولة. ما يقع على عاتق الدولة يبدأ من تنظيف الشوارع إلى البناء والعناية بصحة المواطن وإصلاح المزارع، والخدمات بشكل عام، مسؤولية الدولة توفير الدواء والكهرياء والماء، لا مسؤوليتها تعليم الناس كيف يصلون وماذا يلبسون وماذا عليهم أن يسمعوا أغناء أم نصوص دينية. كذلك لا شغل للدين في تلك الأمور، شغله عبادة الله والتوجيه نحو الاخلاق العامة، ليس في الدين سلطة.

"المجلة": لفتني حديث سابق لك عن التداول بين العمامة والطربوش، على غرار كتاب الأكاديمي العراقي فالح عبدالجبار بعنوان "العمامة والأفندي". هل تعتبر اليوم أن العراق في مرحلة العمامة، أو أنه يعيش تحت سلطة الطربوش؟

- دعني اوضح لك خلفية هذه المقارنة. عندما جاءت جمعية الاتحاد والترقي التركية، قبل أكثر من مائة عام، تقدمت بأجندة جديدة مفادها أنه قبل 500 سنة أو 600 سنة والعثمانيون يجمعون بين الدين والسلطة، والخليفة العثماني كان يجمع بيده السلطة الدينية والسلطة المدنية، يعني العمامة هي السلطة، والعمامة هي لباس الدين، اما الاتحاد والترقي، فقاموا بتحريم لبس العمامة، ومحاولة الفصل بين سلطة الدين وسلطة الدنيا، أي علمانية إن صح التوصيف، من دون إعلان، مثلما فعل بعدهم أتاتورك، منذ 1924.

حينها كان الشاعر والكاتب العراقي معروف الرصافي بتركيا عضواً في مجلس البرلمان (المبعوثان)، وكان اعتمار العمائم قد حُرم، بل أخذت السلطة الجديدة تُطارد أصحاب العمائم، فلما رآه أحد أصدقائه مرتديا العمامة، نبهه إلى خطر الخروج وهو معتمرها، وهنا يروي الرصافي إنه دخل إلى دكان: وارتدى ملابس الأفندية وترك عمامته في المقهى، ومنذ ذلك الحين لم يعد إليها، ومات وهو يعتمر الطربوش.

الآن سؤالك وجيه، بإيران، سيحصل هذا، فقد أخذ سائق التاكسي لا يقف لصاحب العمامة لأنه يعتبر العمامة رمزاً للسلطة، وإن وقف له تعمد إلى رفع صوت المسجل أو الراديو بالغناء والموسيقى، وبما يتظاهر رجل الدين أنه ضده (الموبيقات) على حد زعمهم، سواء كان رجل الدين، طالب التاكسي، مع السلطة أم ضدها، فيكفي أن لباسه يرمز لها.

"المجلة": يعني إنك تعتبر أن الوضع الأُصولي في العراق في تراجع؟

- طبعا. ولكنك قد تسألني عما نراه بالعراق، وما تبقى يحتاج زمنا لزواله. الأحزاب الإسلامية بالعراق، إذا لم تعدل في ادائها، واذا لم تغير في اجنداتها، وتتخلص من شموليتها، وتتخلص من الحاكمية، اي حاكمية سيد قطب والمودودي، سيأتي عليها الدور الذي أتى على العمامة بتركيا والقادم ما قد سيحصل بإيران.

"المجلة": لكن هناك من يعتبر ان تركيا تعود باتجاه العمامة.

- هذه نظرة تشاؤمية. اعتقد إن الحزب الإسلامي في تركيا (الرفاه) هو الذي انسحب إلى المواقف العلمانية. قد يقولون هذا تكتيك يستخدمه الحزب الإسلامي ليصل إلى قوة تمكنه من أسلمة المجتمع، يصعب التسليم بهذا التكهن، ذلك لأن المجتمع التركي قطع مسافة طويلة في العلمانية وممارسة الديمقراطية، والأسلمة مخالفة للديمقراطية تماماً، والسعي إليها ليس في مصلحة الحزب نفسه، حزب الرفاه.

"المجلة": عندما تتحدث عن تغيير داخل الأحزاب وكأننا نعتبر أن هذه الأحزاب هي خارج الثقافة العامة!

- عندما أقول إن الأحزاب يجب أن تتغير، فكل حزب اسمه يدل عليه، ولا بد من تغييره بأسماء دالة على الوطن والشأن العام، كذلك يشمل التغيير النظام الداخلي والبرنامج، فما معنى الدعوة، سوى هناك ضالين يتوجب دعوتهم إلى الهدى، وبما أنه حزب شيعي فهو مقتصر على الطائفة. وما معنى الحزب الإسلامي، ببساطة معناه هناك غير مسلمين، وهو حزب مقتصر على الطائفة السُّنية. ولو يعرف أهل الحزبين أن الطائفية ممدوحة لأعلنوا في نظامهم الداخلي وبرامجهم أنهم أحزاب لطوائف لا للوطن، لكنهم يعلمون أنها مذمومة ملعونة لذا لم يصرحوا بالانتماء الطائفي. على أي حال إنها أحزاب تفرق لا تجمع.

"المجلة": ولكن إن أخذنا الحزب الديمقراطي الكردستاني، مثلا، لرأينا ان السيد مسعود البرزاني على رأسه منذ عقود، على الرغم من أن اسمه ديمقراطي.

- لا يهم، ولكن اليوم، خرج علينا حزب التغيير، نوشروان، وهذا اكتسح الساحة، وبرز في فترة قصيرة جدا، وفاز بواحد وعشرين مقعداً في البرلمان. اعني بموضوع الاسم اننا عندما نقول حزب الدعوة الإسلامية، نعني به دعوة الى اين؟ الكل مسلمون. عندما تقول بدر، يعني أن الآخرين كفار. لذا المطلوب من هذه الأحزاب تغيير البرنامج والتحول إلى أحزاب مدنية تتقيد بتدين معين، ولكل حزب طريقته، ولكن على شرط ألا تفرض هذا التدين على المجتمع، مع مراعاة قوانين عامة في الدستور. وضعوا في الدستور ما يمكنهم التلاعب به، وهو المادة التي لا تجيز سن قوانين ضد الإسلام في مقابل عدم جواز سن ما هو ضد الديمقراطية. والسؤال: متى سُنت قوانين ضد الإسلام.

في العراق، القانون الوحيد الذي قد يعتبره البعض ضد الإسلام هو قانون الأحوال الشخصية (188 لسنة 1959)، وهو يتضمن موضوع الزواج المدني والغاء التمييز في الإرث بين الذكور والإناث، هذا القانون أيضا إذا أردت أن تفسره، فهو ليس ضد الإسلام. حسب التفسير، هذا المبدأ هو وصية من الله، وليس قانونا، بل هناك اجتهادات في المذاهب يشأن الإرث. ثانيا، إذا لم تتطور الشريعة الإسلامية مع التطور الاجتماعي، تصبح عائقا. خذ مثالا عندما نقول الرجال قوامون على النساء، لكن دعنا نكمل الآية التي تقول: بما انفقوا، طيب ماذا يحصل في عائلة فيها المرأة هي التي تنفق على العائلة؟ أو مثلا إذا كان الرجل عاطلا عن العمل فيما قامت اخته بمساعدة والدهما بجمع ثروته، كيف يحق للابن مشاركة هذه الثروة بعد وفاة الأب وله النصف وللأخت الربع؟

"المجلة": لنضع التيار الصدري في العراق في إطار الحركات الإسلامية وهو لا يبدو لنا انه تراجع في الانتخابات اذ توسعت كتلته ومعظم اعضائه من الشباب. ما رأيك في ذلك؟

- التيار الصدري استفاد من وضع العراق بشكل عام. بسبب الحصار والحروب، محمد محمد صادق الصدر (والد مقتدى) تحول إلى ظاهرة لأن العراقيين كانوا يبحثون عن أي صوت يعارض السلطة فالتفوا حوله، لذلك استفاد مقتدى من سمعة أبيه، في الاثناء كان هناك تدهور في الوضع العقلي للناس بحيث أنه بين الحين والآخر كان يظهر على الناس من يعلن نفسه انه المهدي.

التيار الصدري تطور واطلق على كتلته البرلمانية اسم كتلة "الأحرار"، ولو تطالع نظامها الداخلي لترى إنه خال من أي أسلمة أو شروط دينية. كل ما فيه هو أن يبلغ الطالب للانتساب عمر 18 عاماً، وأن لا يكون محكوماً بجنحة جنائية او اخلاقية، هذا الشرط موجود في الحزب الشيوعي العراقي مثلاً. قصدي هنا أن التيار لا يقدم نفسه على أنه إسلامي. كذلك علينا ألا ننكر أن التيار استفاد من دعم إيراني كبير كان موجها أصلا للقوى التقليدية، مثل المجلس الأعلى الإسلامي، وحزب الدعوة، لكن كان هناك شعور أن إيران تبحث عن دور أكبر لم يكن بمقدرة الأتباع أو الحلفاء التقليديين، وهناك كثير من الكلام يدور بأن محمد باقر الحكيم تم قتله (2003) برضا إيراني، إن لم يكن بيد إيرانية. لماذا هذا التكهن؟ لأن هذا الرجل أول ما عاد إلى العراق قادماً من المنفى الإيراني أعلن أموراً عراقية واضحة، ليس مع دولة دينية بالعراق على الرغم من أنه رجل دين، كما قال إنه سيحيل الأمور الدينية على المرجعية، حتى عندما تحدث عن حجاب النساء، قال نحن رجال دين لا نحجب النساء بالقوة، بل ننصح، وهذا ما نقدر عليه. وقال إنه مع دولة مدنية، وإنه لن يطرح الفيدرالية.

ما أظنه أن السيد محمد باقر الحكيم شعر بنفسه أنه كيان لا يمكن ان تتلاعب به اليد الإيرانية، ذلك كان ممكنا اثناء وجوده في إيران تحت الهيمنة الإيرانية، ولكنه عندما عاد ورأى الجماهير التي استقبلته، شعر بالاستقلالية، وتحدث بكلام عراقي. ليس كل ما تريده إيران من المجلس او حزب الدعوة ينفذانه، ولكن يمكن لقوى أخرى مثل عصائب أهل الحق بقيادة الشيخ الصدري قيس الخزعلي، وهي انشقاق عن التيار الصدري، ان تنفذ كل المطالب الإيرانية، بما فيها استخدام القوة والعنف في المجتمع العراقي.

"المجلة": ولكن عصائب الحق لا تتمتع بثقل شعبي يذكر.

- الموضوع لا يتعلق بالثقل الشعبي، بل عندما تكون عصابة بيدها سلاح، فتش عن التنفيذ، هذه العصابات بامكانها أن تنفذ، أي قوة تخريبية فعلها القتل والخطف، مع رفع شعار: كلا كلا أميركا. وعلاقة عصائب الحق مع إيران واضحة وكشفتها حوادث عدة. لذا، إنه لو تراجعت اليد الإيرانية عن التيار الصدري، فمن الممكن أن يتحول إلى تيار ليبرالي بحدود معينة، فهو يضم أطباء ومهندسين وحتى مثقفين.

من ناحية أخرى، التيار الصدري غير ملوث بمساوئ المعارضة السابقة، وهذه كانت عبارة عن انبطاحات مختلفة لباقي الدول، وهو بعيد عن هذه المسألة، وممكن، كما تفضلت أنه مملوء بمجموعات شبابية، مما يمكنه من التحول إلى تيار حداثي، وهو لا توجد إشارة للأسلمة في عنوانه، كذلك أبعد اسم الصدر عن عنوان كتلة الأحرار نفسها، وهي كتلة التيار البرلمانية.

"المجلة": ختاما ما رأيك في ما يحصل للمسيحيين في العراق، وكيف تضع هذا في سياق رؤيتك عن تراجع الأُصولية؟

- عندما نتحدث عن تراجع الأصولية نتحدث عن تيارات كبرى، أما التعدي على المسيحيين، فممكن أن تقوم به عصابات صغيرة مؤلفة من خمسة أو ستة أفراد. الإسلاميون ممن يتعرضون للمسيحيين في العراق هم بعيدون عن التاريخ العراقي كثيراً، وتحت السلطة المسلمة، زمن الخلافة العباسية وما بعدها، مر التعايش المسلم المسيحي بامتحانات كثيرة عبر القرون، ولم يسبق أن هجمت قرية مسلمة على قرية مسيحية، ولا يمكن هنا أن نأخذ مسألة الأرمن والأتراك العثمانيين، في التاريخ مثالاً لان تلك القضية كانت قومية بحتة لا دينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق