الثلاثاء، 29 مارس 2011

لا صفقة أميركية لبقاء الأسد أو رحيله

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

جريدة الراي

انهمك الديبلوماسيون الاجانب في العاصمة الاميركية، في محاولة لمعرفة ان كانت الولايات المتحدة قد ابرمت صفقة ما من اجل مساعدة الرئيس السوري بشار الاسد على البقاء في منصبه، وغض النظر عن اجهزته الامنية في حال قامت الاخيرة بممارسة المزيد من القمع بحق المتظاهرين في انحاء سورية.

وعززت مخاوف الديبلوماسيين من وجود صفقة اميركية حول سورية، تصريح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى شبكة «سي بي اس»، يوم الاحد، وصفت فيه الاسد بـ «الاصلاحي»، واستبعدت تدخلا اميركيا في الاحداث السورية على غرار التدخل الاميركي والغربي والعربي في ليبيا.

كذلك سرت اشاعات بين المراقبين مفادها ان بعض دول الخليج نجحت في وساطة بين الاسد من ناحية، وواشنطن والعواصم الغربية من ناحية اخرى، توصلت الاطراف من خلالها الى الاتفاق على بقاء الاسد.

الا ان كل الاشاعات حول صفقات لبقاء الاسد او رحيله لا صحة لها، حسب مصادر حكومية اميركية رفيعة.

العارفون بكيفية عمل الحكومة الاميركية يجزمون بان عددا من الاسباب ما زالت تثني واشنطن عن التورط في الموضوع السوري، الا ان الاحجام الاميركي ليس مفتوح الامد.

اما ابرز العناصر التي ما زالت تبقي ادارة الرئيس باراك اوباما بعيدة عن الاحداث السورية فهي التالية:

اولا، الحساسية لدى الجمهور الاميركي من تدخل الولايات المتحدة في عدد متزايد من الصراعات حول العالم. ويعتبر المعلقون في الصحف الاميركية ان الارهاق من الحروب اصاب الاميركيين، وان مشاركة الولايات المتحدة في تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 1973 القاضي بحماية ثوار ليبيا من الانتقام الذي كان متوقعا ان ينزله بهم العقيد معمر القذافي، ما زال يثير الريبة لدى عدد لا بأس به من الاميركيين، وخصوصا ان طال امد المواجهة الليبية.

ثانيا، مازالت احداث ليبيا تحجب احداث سورية، التي على الرغم من تصدر تظاهراتها اخبار الصحف الاميركية في الايام الماضية، فانها مازالت بعيدة عن اجتياح المشهد الاخباري الاميركي، وتاليا احداث تعاطف شعبي يفرض على اوباما وادارته مساندة الثوار السوريين على غرار مساندة اقرانهم المصريين والتخلي عن الرئيس السابق حسني مبارك.

ثالثا، ينشط لوبي سوري داخل العاصمة الاميركية بشكل غير مسبوق يقوده السناتور الديموقراطي جون كيري الذي على الرغم من الاحراج الذي يتسبب به اطلاق الامن السوري للرصاص الحي على المتظاهرين وقتل اعداد كبيرة منهم ما زال مصرا على ضرورة الانفتاح الاميركي على سورية والتوصل الى سلام بين دمشق وتل ابيب.

كيري، الذي يسعى جاهدا لاقناع اوباما بتعيينه وزيرا للخارجية خلفا لكلينتون في ولايته الثانية، يعتقد ان رعايته التوصل الى اتفاقية سلام سورية- اسرائيلية تعزز من حظوظه الوصول الى وزارة الخارجية.

رابعا، ينشط لوبي اسرائيلي تأييدا لبقاء الاسد ونظامه. ويردد المسؤولون الاسرائيليون ممن يزورون العاصمة الاميركية ان «الاسد هو الشيطان الذي نعرفه»، وهو بالتالي خير من «الشيطان الذي لا نعرفه».

خامسا، يسود اعتقاد مفاده ان غياب الاسد قد يفسح المجال لايران لفرض سيطرتها الكاملة على سورية عن طريق «حزب الله» اللبناني، وتاليا تصبح المواقف السورية اكثر راديكالية، وقد تعرض الهدوء التام، الذي يؤمنه نظام الاسد لاسرائيل على الحدود عبر الجولان منذ العام 1974، للاهتزاز.

الا ان كل هذه العناصر المتكافلة التي تبقي الولايات المتحدة بعيدة عن المشهد السوري وحذرة في التعامل مع تطوراته من شأنها ان تتبدل في لحظات في حال توافر العناصر التالية: اولا، اقتراب الحرب في ليبيا من حسم سريع لمصلحة الثوار من دون الدخول في مواجهة طويلة تكبد التحالف الغربي العربي المزيد من المجهود السياسي والديبلوماسي والاموال. نجاح المواجهة في ليبيا سوف يعطي الرئيس الاميركي زخما وثقة بالنفس في مواجهة الاميركيين المشككين في مقدرته على النجاح في سياساته الخارجية وفي تدخلاته في امور دول يعتقدها بعض الاميركيين لا تؤثر في حياتهم.

ثانيا، من شأن انحسار اخبار ليبيا اعطاء مساحة اعلامية اميركية اوسع للسوريين. كذلك، من شأن استمرار السوريين في التظاهر اجبار الاعلام الاميركي على متابعة احداثهم والاهتمام بها وبتغطيتها. ولا يخفى على المراقبين ان احد ابرز العوامل التي فرضت على اوباما التخلي عن حليفه المصري مبارك كان طغيان الحدث المصري على الاعلام الاميركي بما فيها البرامج الكوميدية والاجتماعية.

ثالثا، استمرار السوريين في التظاهر في موازاة استمرار اطلاق الرصاص الحي عليهم من قبل الامن يضعف من موقف المؤيدين للاسد ونظامه مثل كيري ويفرض عليهم الابتعاد عن الاسد وتاليا افساح المجال امام التيارات الاخرى داخل ادارة اوباما الداعية الى مناصرة مطالبة السوريين بالحرية والتغيير.

رابعا، قد تنقلب النظرية الاستراتيجية حول الاطاحة بنظام الاسد لمصلحة القائلين ان خسارة ايران و»حزب الله» للاسد تضعفهم، وتؤدي الى تعديل موازين القوى الاقليمية لمصلحة «دول الاعتدال»، بعد ان خسرت الاخيرة حليفا اساسيا بغياب مصر ما بعد مبارك عن المشهد الاقليمي.

لم تقرر واشنطن حتى الان كيفية التعاطي مع الاحداث السورية، ولم تحصل اي صفقات لا في السر ولا في العلن حول موقف الولايات المتحدة من مصير الاسد ونظامه، الا ان تسارع الاحداث سيفرض لا شك على واشنطن اتخاذ موقف عما قريب، وقد يفرض تبدلا جذريا في الموقف الاميركي، على غرار التبدلات الاميركية التي شهدها العالم في موقف اميركا من مصر وليبيا، والتي عكست موقفا مرتبكا لأوباما وفريقه استثمره خصوم اوباما من الجمهوريين للاشارة الى ضعفه وقلة حنكته في التعاطي مع ملف السياسة الخارجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق