الأربعاء، 13 أبريل 2011

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

بقلم نديم قطيش

جريدة النهار اللبنانية

الازمة تستدعي مصارحة من نوع مختلف. فالكثير مما قلته عن نيات البعض ورغباتهم وعواطفهم واحلامهم صحيح. لكنهم لا يختلفون عن بيئة "حزب الله" نفسها عام 1982...

سماحة السيد، لن أضيع وقتك بلعبة مضجرة حول رد التهم التي رميت بها أكثر من نصف الشعب اللبناني، بالتآمر عليك وعلى "حزب الله" إبان حرب تموز، وبعد هذه الحرب. اللعبة المضجرة، تقتضي الإنخراط في ردود عصبية تطعن في التخوين، وتنفي المرتكزات التي ينهض عليها، كما تستدعي النبش في الماضي والحاضر والمستقبل، ربما، عن شواهد وحوادث وادلة للمزايدة عليك بالمقاومة وبتاريخ الإنتساب اليها، بل وبالاسبقية في حمل البندقية في مواجهة إسرائيل.

سأضع هذا جانباً، ليس لنقص في صدقية تلك السجالات أو الردود وبعض أصحابها فعلاً من اهل المقاومة المبكرة، بل لأن طبيعة الأزمة التي بتنا امامها تستدعي مصارحة من نوع مختلف.

أسمح لنفسي، يا سماحة السيد، أن لا أدخل في هذه اللعبة وأن أصارحك بأن في الكثير مما قلته عن نيات، ورغبات، وعواطف، واحلام،... وربما أفعال البعض في لبنان حيال "حزب الله" صحيح. وهؤلاء ليسوا قلة عابرة لا يقام وزن لنياتها ورغباتها وعواطفها واحلامها... وربما أفعالها.

نعم يا سماحة السيد. ثمة لبنانيون راهنوا على هزيمة "حزب الله" في حرب تموز بقدر ما خافوا من إنتصار الحزب فيها. وثمة لبنانيون لم يفهموا لماذا عليهم وعلى دولتهم أن تحمل عبء حرب لم يكونوا شركاء في إتخاذ قرارها ولا كان في وسعهم مساءلة من إنخرطوا فيها. كما لم يفهموا لماذا ينبغي ان يقع على عاتقهم تحمل اكلاف إعادة إعمار الدمار المخيف للحرب.

بل ثمة لبنانيون كثر رغبوا لو يعاقب جمهور "حزب الله" على نتائج الحرب التي غادروا ساحتها ملوحين بالاعلام البيضاء وعادوا اليها رافعين شارات النصر، وهاتفين بشعار "فدى السيد حسن". هم أنفسهم اللبنانيون الذين فتحوا بيوتهم ومدارسهم وساحات قراهم ومدنهم لإستقبال أكثر من مليون نازح من جنوب النار والدمار في تلك الحرب.

نعم يا سماحة السيد. ثمة لبنانيون يخافون من "حزب الله" ولا يمانعون أن يتبدد سبب خوفهم بأي طريقة متوافرة، هم الذين يختبرون يومياً أن الحزب المخيف لا يمانع في أن يوفر لهم الاسباب والبراهين التي تعزز من صدقية هذا الخوف. فكيف إذا كان الحزب هو من جر على نفسه وعلى البلد سبل الاضعاف والإنهاك؟!

هؤلاء اللبنانيون، لم يقولوا أكثر مما قاله الوزير محمد خليفة حين عبر عن اقتناع بتورط "حزب الله" في الاغتيالات والتفجيرات في لبنان، وهذه شهادة تتجاوز في قيمتها السياسية اي قرار ظني مرتقب... قال خليفة "إذا فشلت سوريا في التوصل إلى ترتيب مع لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة ومحكمة الحريري، فإن حزب الله سيجعل حياتنا جحيماً، وستكون هناك عودة إلى السيارات المفخخة والهجمات الإرهابية".

هؤلاء اللبنانيون لم يسعوا الى أكثر مما تحدث عنه الوزير والنائب ياسين جابر، من ايجاد السبل لوقف تهريب السلاح، ليس لأنهم متآمرون، بل لأنهم، كما السيد جابر، مؤمنون أن الحزب "دمر سبل العيش".

نعم يا سماحة السيد، ثمة لبنانيون كثر فازوا في الإنتخابات النيابية الشرعية مرتين متواليتين ولا يشاطرون "حزب الله" إقتراحه حول نوعية الصراع مع إسرائيل. بل أصارحك القول إنني سمعت من كثر من هؤلاء ما يثبت أن حساسيتهم حيال السلاح أعلى بما لا يقاس من حساسيتهم حيال إسرائيل، لأن هؤلاء مقتنعون بأن الطائرات الاسرائيلية لن تَغير على لجان فرز الاصوات في أقلام الاقتراع إذا ما بدت النتيجة مغايرة لشهوات تل ابيب، بقدر إقتناعهم ان "حزب الله" لن يتردد لحظة في استخدام سلاحه من أجل تغيير نتائج العملية الديموقراطية، وهو لم يتردد.

هؤلاء يا سماحة السيد يشعرون، فعلا، ان الخطر الحقيقي اليوم هو على النظام السياسي والحياتي والإجتماعي والاخلاقي وليس متأتياً عن اي إجتياح اسرائيلي محتمل. نعم النظام نفسه: المهترىء، والضعيف، وغير العصري، والمانع لتمثيل اقل حدةً في نتانته المذهبية... لكن، ايضا، النظام، الذي وإن لم يدخلنا جنة الحداثة المرجوة، ما زال قادرا على حمايتنا من جحيم اللادولة...

بل ثمة، يا سماحة السيد، لبنانيون اليوم يعتبرون بصدق أن هذا السلاح نفسه هو ما يستدعي الحروب الاسرائيلية على لبنان، ليس لأن إسرائيل لا تريد بنا شرا، بل لأن لبنان، وبكل بساطة، انهى عبر سلسلة معقدة من الديناميات السياسية والعسكرية، ومنذ العام 1985، ما يمكن تسميته الرهان السياسي للمغامرة الاسرائيلية العسكرية في لبنان.

نعم يا سماحة السيد إن في الكثير مما قلته دقة في توصيف واقع الناس. جل هؤلاء ما عادوا يشعرون أن المقاومة تمثل حالة وطنية وظيفتها الدفاع عن لبنان في لحظة ضعف الدولة ومؤسساتها كما جاء في خطاب قسم فخامة رئيس الجمهورية، بل باتوا موقنين ان المقاومة تحولت الى مشروع منفصل وخاص وعقيدة مغلقة يتحايلون كل يوم في ابتكار أساليب التعايش القسري معها.

أجزم لك يا سماحة السيد ان بين هؤلاء عملاء وخونة ارادوا الشر بحزب الله من أجل عائدات وضيعة، أو نتيجة ضعف خطير في مستوى الإنتماء الوطني لديهم، وهم ممن لا تخلو المجتمعات منهم في كل الدنيا.

ولكن أجزم لك، باليقين نفسه، أن أكثرية هؤلاء مواطنون لبنانيون صالحون محبون لبلدهم ولأبنائه ولا يريدون له الا كل الخير. ناس وطنيون لم تمسسهم اي علاقة مريبة بسفارة او جهة استخباراتية...

ناس يا سماحة السيد مجرد ناس، وصلوا في لحظة من اللحظات الى الكفر بأحد أهم الاعصاب المؤسسة للعقد الاجتماعي بين مجموعة من البشر وهو مبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي...

ناس لا يختلفون في مواقفهم وعواطفهم الراهنة عن بيئة "حزب الله" نفسها التي في العام 1982 رحبت بإسرائيل حين بدا أن الخيار الاسرائيلي يخلصها من سطوة السلاح الفلسطيني الذي أمعن اعتداء على كراماتهم واعراضهم وارزاقهم ومستقبلهم. لا يختلفون عن البيئة التي عبرت عن غزل علني مع اسرائيل طوال عشرة اشهر تلت الغزو الاسرائيلي للبنان... البيئة نفسها التي عشية إختفاء الامام موسى الصدر كانت على إشتباك يومي مع مجموعات الفدائيين وليس مع اسرائيل، وذلك على اقرب الخطوط الى فلسطين المحتلة...

عليه، اعتقد يا سماحة السيد أنك طرحت في خطابك الاخير، علينا وعليك، السؤال الاساس وربما الاهم، ليس منذ التحرير عام 2000، بل منذ نشأة حزب الله عام 1982... "كيف يمكن بناء بلد إزاء مثل هذا المنطق؟".

هذا هو السؤال الذي ينبغي أن لا يتقدم عليه سؤال اليوم، كما لا تنبغي للإجابات عنه ان تتلون بأي لون من ألوان التحايل او التزلف او الإسترضاء أو الرهانات الرغبوية.

طبعا ليست هذه الرسالة المكان المناسب لاقتراح الاجابات ولكنها للقول إن حل هذه المعضلة ليس بالتأكيد عبر المزيد من التعبئة، وهنا ليست صدفة ان مؤسسات "حزب الله" التي تترجم "عقل الحزب" تنتمي الى فئة التعبئة أكانت اعلامية او طالبية او نسائية... كما الحل ليس بسن الحجج وشحذها من أجل حشد الناس خلف المقاومة، وليس، بالتأكيد، بالقفز فوق الإجماع الوطني الذي تكابر المقاومة في عدم الحاجة اليه... فسؤالك يا سماحة السيد، الدقيق والصادق، يقول إنه من دون إجماعات مؤسسة لا تبنى الاوطان...والتفاهم مع الحزب على حاضر ومستقبل سلاحه ومشروعه لا يقع خارج هذه الاجماعات المؤسسة، إذ أن مثل هذا الخلاف ليس بالتأكيد من نوع الاختلافات التي تتكفل في الدول الديموقراطية مؤسسات البرلمان والمحاكم والجيش علاجها.

هؤلاء الناس، يا سماحة السيد، ليسوا فئة ضالة مغرراً بها، بل مواطنون حازوا على غالبية برلمانية مرتين متواليتين وفيهم الكثير الكثير من الذين ينبغي لمواقفهم وعواطفهم اليوم ان تطرح عليك السؤال "لماذا وصلنا الى هنا؟" بدل ان تكون "الهنا" مجرد ذريعة للإستقواء والتخوين والطعن، أو بإعتبار هذه "الهنا" تحصيل حاصل في بلد مكتوب له ان يبقى مقسوماً الى فسطاطين... خونة ومقاومين!!

صحافي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق