الثلاثاء، 17 مايو 2011

هل يخرج سياسيونا الشيعة من عقلية المعارضة؟

حسين عبد الحسين

جريدة العالم

لم يحصل في تاريخ الشرق الأوسط الحديث ان تلقت اي مجموعة من المجموعات الدينية او الاثنية، ما عدا اليهود في اسرائيل، كمية من الاهتمام والتعاطف الدولي كالتي حظي بها الشعب العراقي ككل منذ العام 2003.

الشيعة في العراق عانوا، مثل كل الطوائف الباقية من ضمنها السنة، من سنوات الاضطهاد التي عاشوها تحت حكم الحاكم من دون رحمة ولا رأفة صدام حسين. جاءت القوى العظمى الولايات المتحدة بعدها وعديدها الى العراق. أطاحت بحكم صدام، وهو كان مطلبا لدى الكثيرين وخاصة من بين الشيعة. انفقت الولايات المتحدة الاموال، ارسلت المستشارين والخبراء، خسرت خيرة شبابها في القتال من اجل نزع فتيل الحرب الاهلية ثم، بمساعدة العشائر السنية غرب العراق، اقتلاع تطرف تنظيم القاعدة.

كما قدمت اميركا الرعاية الدولية للعراق، ففاوضت لانهاء ديونه ولرفعه من تحت وصاية الامم المتحدة، وعاملته بندية، واحترم الجنود الاميركيون – بشكل عام – قوانين البلاد، فلم يمارسوا كيدية ما، ولم يمضوا على سبيل المثال لنيل الثأر من هذا العراقي او ذاك لقتلهم اميركيين، بل وقفوا يتفرجون على خصومهم يعودون من المنافي ويمارسون السياسة في إطار المصالحة الوطنية.

كذلك، لم تستخدم أميركا العراق في تحركاتها في المنطقة. عندما وقعت الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني، وقف رئيس الحكومة نوري المالكي في جلسة مشتركة للكونغرس تكريما لزيارته واشنطن ودافع عن "حزب الله" وهاجم الاسرائيليين.

احترمت واشنطن رأي المالكي وحق الاختلاف معها في شؤون المنطقة، ولم تتخل لا عن المالكي ولا عن العراق.

اميركا تغاضت كذلك عن علاقات السياسيين العراقيين الشيعة بايران، فاستقبلت كل السياسيين العراقيين، من ضمنهم عمار الحكيم ووالده الراحل عبد العزيز في البيت الابيض، ولم تعط اياد علاوي، المحسوب على التحالف الذي تقوده حليفة اميركا في المنطقة، اي السعودية، اي اهتمام خاص من خارج وضعه في السلطة العراقية.

ووصلت الاحزاب الشيعية الى الحكم في العراق. قام وزير النفط السابق حسين الشهرستاني باجراء المناقصات من اجل تطوير واستثمار حقول النفط والغاز العراقية. وعلى الرغم من نظريات المؤامرة الشائعة من ان واشنطن احتلت العراق من اجل استغلال نفطه، لم تفز الا شركة بترول اميركية واحدة – بالشراكة مع نظيرة اوروبية لها – بعقد وحيد، فيما فازت بالمناقصات الباقية شركات عالمية اخرى صينية وايطالية وغيرها.

كل الرعاية الدولية وشغف القوى العظمى، اي اميركا، في تحويل العراق – الذي تحكمه الاحزاب الشيعية بشراكة وحصص اقل لاحزاب الطوائف الاخرى – الى حليف اساسي في المنطقة، اصطدمت بالنظرة الدونية التي ينظرها شيعة العراق الى انفسهم، فهم على الرغم من امكانات بلدهم البترولية واهتمام اميركا بالعلاقة معهم، لم يبادروا الى القيادة، ولم يتخلوا عن اسلوب ادعاء المظلومية ومحاولة التماهي مع ايران على انها زعيمة الشيعة الوحيدة في العالم.

وبدلا من ان يتحول المالكي وحكومة العراق الى ثقل سياسي واقتصادي وازن في المنطقة، تحول المالكي وزعماء الشيعة في العراق الى ما يشبه "حزب الله" اللبناني في التصرف وكأنهم من ازلام ايران. هكذا عندما يتحدث المالكي عن شؤون اقليمية، مثلاً لدى استقباله وزير الخارجية الايراني مؤخرا، فهو يصب اهتمامه على وضع الشيعة في البحرين، ويحذر من "عواقب وخيمة" ما.

وبشكل سوريالي، يقول المالكي ان الموضوع "ليس سنة وشيعة"، بل حقوق البحرينيين. طبعا، لا يخص المالكي حقوق السوريين، الذين قتل اكثر من 20 منهم في الوقت الذي كان ينعقد فيه المؤتمر الصحافي المشترك للمالكي مع ضيفه الايراني، بأي كلمة، وكأنه يزيد في التأكيد ان رؤيته الاقليمية تنحصر تماما بالانقسام السني الشيعي.

في الماضي كانت معظم الافلام المصرية تصور السودانيين على انهم بوابون على مداخل البنايات في مصر، وكان الاولاد من جيلي يتندرون بنكتة سمجة بحق الشعب السوداني مفادها ان احدهم سأل سودانيا ماذا تريد أن تفعل لو أصبحت مليونيرا، فيجيب السوداني: "اشتري عمارة واعمل بوابا لها" للدلالة على شغف السودانيين المفترض بحراسة مداخل البنايات.

هذه هي حال شيعة العراق. اصبحوا قوة سياسية واقتصادية لا يستهان بها بفضل الاميركيين الذين تخلصوا لهم من صدام، وأجلسوهم على عرش العراق الجديد، والقوي، على عكس العراق المعزول والمحطم في زمن صدام. بدلا من أن يحول الشيعة أنفسهم وبلادهم الى ديموقراطية طليعية فيها تساوي للشيعة والسنة وباقي الطوائف، والى دولة ذات نفوذ اقليمي سياسي واقتصادي سلمي يسهم في تعزيز الحريات والديموقراطية، تحول العراق الى نسخة قبيحة من الديموقراطية اللبنانية المعطلة اصلا.

وبدلا من ان يتحول الشيعة الى قوة تنهض بالمنطقة، قرروا ان يتحولوا الى خاضعين لملالي طهران ونظرياتهم عن الجمهورية الاسلامية التي، منذ اكثر من ثلاثة عقود، لم تحصد الا الفشل في الحكم والاقتصاد والاحباط لشعبها تحت شعارات التحرير ومقاومة الاستكبار العالمي المفترض الذي، يقينا لو انه اعطى ايران نفس الاهمية التي اعطاها للعراقيين، لكانت طهران تحولت الى حليفة اميركا الاولى، على الارجح على حساب العرب ومصالحهم.

هل يخرج شيعة العراق من عقليتهم المبنية على التصرف دوما وكأنهم في المعارضة، حتى لو تولوا السلطة، او كأنهم ضحايا الحكم الاموي يلطمون على صدورهم فيما هم اصبحوا اسياد انفسهم في بغداد منذ ما يقارب العقد، ولا لزوم للندب بل وجب الاحتفال واستغلال الظرف لتنمية الفرد والجماعة والبلاد؟ الاجابة حتى اليوم تبدو سلبية. على شيعة العراق ان يعلموا انهم اصبحوا في موقع قوة يملي على ايران ان تستجدي عطفهم وصداقتهم، لا العكس كما هو سائد حاليا، وان يعلموا ان الظروف العالمية والاقليمية تسلط الاضواء عليهم وتضعهم في موقع اتخاذ القرار، وانهم في موقع مسؤوليتهم الجديد عليهم ان يظهروا براعتهم في ممارسة الحكم العادل والرشيد، لا ان يغرقوا في تاريخ الثأر والندم فيما ايران تتصرف بذكاء وعملانية وتفاوض باسمهم وعلى حسابهم وحساب مصالحهم.

الى ان يأتي اليوم الذي يعي شيعة العراق فيه انهم يضيعون فرصة قد لا تتكرر لهم، سيبقى العراق والعراقيون تحت رحمة من نصبوا انفسهم أئمة ورسلا وقديسين في طهران فيما هم في الواقع ليسوا اكثر من سياسيين، والسياسة في معظمها كذب، ينادون بحقوق شعب البحرين ويتغاضون عن الدماء التي تسيل في سوريا.

* كاتب عراقي مقيم في واشنطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق