نشرت وثيقة جديدة حُصل عليها من وثائق "ويكيليكس" وتتمحور حول حوارات سورية مع دبلوماسيين أميركيين، في تشرين الثاني 2005، عن طريقة تصرف النظام السوري مع التحقيق عموما ومع القرار 1636 تحديدا. وتكشف هذه الوثيقة التي أعدت بناء على لقاء جمع المستشار في وزارة الخارجية السورية سمير التقي مع المستشار السياسي في السفارة الأميركي في دمشق، أن الرئيس السوري بشار الأسد كان يتحدث عن صفقة أبرمها مع رئيس لجنة التحقيق الدولية آنذاك ديتليف ميليس وتقضي بحماية شقيقه ماهر.
ووفق الوثيقة فإن الاسد كان يسعى الى حماية اللواء آصف شوكت ( زوج شقيقته بشرى) حتى لو اقتضى ذلك، تسليمه لضباط أمثال رستم غزالة، ولكنه اعترف بصعوبة توفير الحماية المطلوبة.
الوثيقة تشير الى أن الطائفة العلوية قررت عدم حماية آصف شوكت وأن تتعاون مع التحقيق الدولي، من أجل أن تحفظ النظام السوري. وتكشف الوثيقة عن مكتب المحاماة البريطاني الذي اختاره النظام السوري، ليساعده في تجاوز ما سماه "الورطة".
معطيات الوثيقة:
في 20 تشرين الثاني أبلغ سمير التقي، المستشار في وزارة الخارجية الأميركية، المستشار السياسي في السفارة الأميركية في دمشق أنه سافر الى لندن وبرلين وأوسلو في الاسابيع الثلاثة الأخيرة لاستخدام هيئة قانونية متخصصة في القانون الدولي، يمكنها أن تساعد سورية في إخراج نفسها من ورطتها الحالية (المتمثلة بصدور القرار 1636 عن مجلس الأمن الدولي الذي وضع التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة).
ووفق التقي، فإن سورية لا تهدف، من وراء ذلك، الى تنفيذ مندرجات القرار الدولي، بل التوصل الى أفضل اتفاق حول واجباتها التطبيقية. ويفيد التقي أن اختياره وقع على خبيرين قانونين لهما سمعتهما الدولية، وهما : إيان براونلي وماري وليم وورث. ويشير الى أن وورث أتت الى سورية وأعدت تقريرا مكتوبا، وعرضت للتقرير شفويا أمام لجنة التحقيق السورية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولفت التقي الى أن الرئيس بشار الأسد، إطلع على نسخة مكتوبة من التقرير.
وقال إن براونلي سيصل الى سوريا في اليومين المقبلين، وان الحكومة السورية اعتمدته، وهي ستدفع له 750 جنيه إسترليني مقابل كل ساعة عمل. ويفيد التقي بأن المستشارين القانونيين البريطانيين متفقان على أنه في الوقت الذي يفرض القرار 1636 شروطا قاسية وغير منصفة على سورية، فإن لا خيار مطلقا أمام سورية سوى التنفيذ.
ويقول التقي إنه التقى الرئيس الأسد، لمدة 45 دقيقة، بين رحلتين له إلى أوروبا وحصل على موافقته على استخدام براونلي واعتماد المسار القانوني. وقال التقي إن على الأميركيين أن يدركوا خلفيته من استخدام مستشارين قانونيين، فهو يهدف الى أن تستجيب سورية وتخرج نفسها من الورطة الحالية بطريقة، تجعل الثمن المطلوب دفعه، يقع على عاتق النظام وليس على عاتق أولادنا.
وكان التقي غامضا، عندما سئل رأيه في ما إذا كان الرئيس الأسد سينجو من الأزمة الحالية، ولكنه ألمح الى أنه يأمل ذلك، حتى يتمكن الأسد من توفير انتقال السلطة في المستقبل. وأفاد التقي بأن اللواء آصف شوكت إستخدم مستشارين قانونيين واستقدم خبراء في القانون الدولي من فرنسا والبرتغال ومصر، ولكنهم جميعهم ينتمون الى التيار اليساري ولا يهتمون سوى بالحديث عن ظلم القرار 1636 ، وعن خروج ديتليف ميليس عن ضوابط هذا القرار.
وإذ أعرب التقي عن اعتقاده بأن هذا الاسلوب لا يجدي نفعا، كشف أن الخبير القانوني المصري صلاح عمار، لا يزال في دمشق. التقي أعرب عن أسفه لكون صديقه وليد المعلم يجنح نحو تأثير آصف شوكت، مشيرا الى أن المعلم بدأ يتخذ مواقف متشددة، معيدا السبب الى توتره من تسميته في تقرير ديتليف ميليس.
وكشف التقي أن بشار الأسد يركز على حماية شقيقه ماهر. ويقول التقي إن الأسد يتحدث عن اتفاق مع ميليس لإنقاذ شقيقه. ويضيف التقي أن الأسد يود لو يستطيع أن ينقذ آصف شوكت، إذا استطاع ، وسيقوم بما يمكنه من أجل تحقيق هذا الهدف أيضا، ولكن- كما يلمح التقي- فإن هناك شيئا من الإقرار لدى الأسد ، بأن ذلك قد لا يكون ممكنا.
ويفيد التقي بأن الطائفة العلوية تريد "تسوية" من شأنها السماح للحكومة السورية بالتعاون مع القرار 1636 ولكن تحفظ النظام. ولهذا السبب- يقول التقي- آصف شوكت هو في وضعية محرجة للغاية . هو لا يحوز على دعم الطائفة العلوية، ولذلك لا يمكنه أن يحارب دفاعا عن نفسه. وبالإستناد الى التقي فإن آصف شوكت قد يفتعل مشكلا مع الرئيس الأسد، ولكنه لا يستطيع أن يكسب.
ويلفت التقي الى أن ما يهدف اليه الأسد هو إيجاد مخرج لائق له ، راميا فكرة على عجل مفادها، بأنه يمكن التخلي عن رستم غزالة وآخرين، إذا أنتج ذلك حماية لآصف شوكت. ولكن ، حتى هذا المخرج سيكون له تأثير قوي على استقرار النظام، على اعتبار أن هؤلاء الرجال سيعاملون كقتلة، مما ينعكس على سورية، ويحدث خللا في شرعية النظام. وعندما سئل عما إذا كان تأثير ذلك سيكون تدريجيا، أجاب: " سيكون فوريا". أضاف التقي: " إن النظام سوف ينتهي بمجرد بدء محاكمة أول متهم سوري."
التقي وبصفته رئيسا لمركز أبحاث واستطلاع صغير يعمل برعاية وزارة الخارجية السورية (مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية) أبلغ المستشار السياسي في السفارة الأميركية في دمشق أنه أجرى استطلاعا للرأي شمل 4000 سوري من كل أنحاء البلاد، وظهر له أن غالبية ساحقة كانت راضية عن القرار الدولي و"سعيدة" أنه استهدف النظام وليس الشعب السوري، وأنها تريد أن لا تتصادم الإدارة السورية مع الولايات المتحدة الأميركية ومع المجتمع الدولي، وأنها لا تفهم السبب الذي يربط إرجاء الإصلاح الإقتصادي الموعود بالتأزم الناجم عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ونقل التقي عن الأسد أنه لا يسعى الى صدام مع الولايات المتحدة الأميركية ولكن السوريين سوف يقبلون بمواجهة إقتصادية. ووفق التقي فهذا يشكل دليلا على أن الأسد لا يزال مستعدا لمواجهة المجتمع الدولي واستيعاب العقوبات. التقي عزا التصعيد في خطاب الأسد في 10 تشرين الثاني الى أنه جاء والرئيس السوري تحت الضغط وهدفه الإستهلاك الداخلي، لا غير.
Please give us the document reference, or preferably the original copy.
ردحذف