الجمعة، 27 مايو 2011

برهان غليون لا يحضر الا مؤتمرات الملائكة

حسين عبد الحسين

اعلن الاستاذ السوري المعارض في جامعة السوربون برهان غليون انه لن يحضر المؤتمر السوري للتغيير الذي ينعقد في انطاليا، تركيا، نهاية هذا الشهر. وكتب غليون ان المؤتمر "يجمع بين الكثير ممن يريد أن يستفيد من الثورة ويستغلها لخدمة أجندات خاصة، ومنها أجنبية لسوء الحظ".

غريب هذا الكلام من مثقف مثل غليون، لا لانه يخدم موقف نظام الرئيس السوري بشار الاسد من التشكيك بجدوى المعارضة والتأكيد على ضرورة بقائه كخيار وحيد للسوريين، بل لان تصريح غليون يشي بسطحية فكرية لمفهوم الاشخاص والدول.

ما هو الوطن؟ ماهي الحكومات وماهي المعارضات؟ لماذا يترحل الانسان منذ نشوئه من موطن الى آخر سعيا وراء الرزق الاكثر والحياة الافضل؟ الاجابة تكمن في المصلحة الفردية، وهذه في صلب تفكير البشر. من دونها، يتحول البشر الى ملائكة وتتحول دولهم الى جنات عدن. المعارضة السورية، كما نظام الاسد، كما الشعب السوري وباقي شعوب وحكومات العالم، فيها الصالح والطالح، الصادق والكاذب، المعطاء والبخيل. اما ما يحرك هؤلاء فهو مصالحهم، وعندما تتضارب مصالحهم، ينشأ نزاع عمد الاقدمون الى حله غالبا عن طريق العنف المباشر، او عن طريق استخدام قوة الجماعة لردع افراد آخرين او جماعات اخرى.

الدولة، بمعناها البسيط منذ فلاسفة عصر التنوير من امثال هوبز ولوك، هي تفويض الفرد صلاحيته باستخدام العنف الى الدولة التي يختارها بالانتخاب، فتحمي هذه مصالحه الجسدية والفكرية والمادية. ولانه من غير الممكن للدولة ان تحمي المصالح المختلفة والمتضاربة، تصبح سلطة بالتداول انتخابيا ولمدة محددة سلفا.

مفهوم الدولة هذا كعقد اجتماعي ينظم اختلاف المواطنين ومصالحهم سلميا ويعطيها حق استخدام العنف حصريا باسم المصلحة العامة لا يعني ان جميع المواطنين، ولا ممثليهم في الدولة المنتخبة، اصبحوا ملائكة، بل يعني ان منسوب العنف في العلاقات فيما بينهم قد انخفض الى حده الادنى على الرغم من اختلافاتهم في الرأي وتضارب مصالحهم.

مفهوم الدولة كعقد اجتماعي فيه تداول للسلطة هو المفهوم المفقود لدى العرب، حكاما وشعوبا، وهو ما نأمل ان تنجح الثورات العربية، مع ثوراها ومثقفيهم وسياسييهم، في التوصل الى تغييره.

لتكن الاحزاب السورية او العربية عموما – الموالية للحكام الحاليين او المعارضة – موالية لاميركا ولتركيا ولايران ولاسرائيل، طالما ان ولاءها لا عنف فيه وتحكمه الانظمة السائدة (مثل تحديد مصادر تمويل الحملات الانتخابية وسقوفها).

وهكذا، فان مؤتمر التغيير السوري الذي سينعقد في انطالية التركية ليس تجمعا لأئمة اطهار او لملائكة نوارنيين، بل لسوريين من مذاهب وآراء ومصالح ومشارب مختلفة وحتى متضاربة. ولا ضير في الانقسام والاختلاف في صفوف المعارضة – على غرار ما يحاول اعلام الاسد تسويقه – فالسوريين ملوا من الصف الواحد والرأي الواحد.

المطلوب من مؤتمر انطاكية للمعارضة السورية هو تقديم نموذج عن مقدرة السوريين على تنظيم اختلافاتهم الفكرية والمادية من ضمن عقد اجتماعي يحصر استخدام العنف بسلطة منتخبة، وحتى هذه السلطة وعنفها تنحصر في الحيز العام وفي امور متفق عليها مسبقا، ولا تتضمن الحيز الخاص، ولا المذهب، ولا الاثنية، ولا جنس الافراد ولا يتم استغلالها لحماية مصالح الافراد الحاكمين.

كل هذه المفاهيم حول كيفية عمل الدولة ومبدأ المواطنية كوسيلة تحقيق المصالح والعيش الكريم، لا كفكرة شوفينية قومية بائسة تتلهى عن مصلحة الفرد بكرامة متخيلة للوطن والامة، هي المفاهيم التي من المؤمل ان تتوصل اليها الشعوب العربية الثائرة. هذه الشعوب توصلت الى خلاصة مفادها انها تبحث عن مصالحها عموما، وما الهجرة الكبيرة الى خارج الوطن العربي والى حيث الرزق الافضل والحياة الاكرم الا دليل على ان العرب سأموا من قصص العنفوان القومي الفارغة التي لا تطعم ولا تكسو.

اما حديث غليون عن "انتهازيين" وعن "اجندات خاصة" وبعضها "اجنبية" فهو كلام لا ينم عن فهم هذا المفكر السوري لمبدأ الدولة والعقد الاجتماعي وكيفية عملهما، وكأنه وضع خبرته في السوربون جانبا واستعار صفحة من كتب الانظمة العربية الشمولية واحاديثها التخوينية التافهة عن الاجندات والمصالح الاجنبية.

مواضيع مشابهة:

حول مؤتمر انطاليا في تركيا - غسان المفلح (ايلاف)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق