الخميس، 9 يونيو 2011

صورة من داخل مؤتمر المعارضة السورية في انطاليا

بقلم حسين عبد الحسين

جريدة النهار

المشارك في مؤتمر انطاليا لم يسعه إلا أن يلاحظ الفجوة بين السياسيين التقليديين والشباب. السياسيون المعارضون السوريون عالقون في الزمن. طريقة عملهم معروفة، وفيها تكرار للافكار، أما الشباب...

اثناء اجتماعها مع مجموعة من الشباب المصريين بعد ايام من تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، وجدت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون نفسها محرجة عندما اتهمها احد الناشطين المصريين بدعم واشنطن حكم مبارك على حساب الديموقراطية والحريات في بلاده. تلعثمت كلينتون واجابت انه حتى اثناء دعم بلادها الرئيس المصري، فانها كانت دائما تمارس الضغط عليه من اجل الحريات.

في وقت لاحق، نقلت اوساط عن الرئيس باراك اوباما قوله في مجلس خاص انه يود لو يصبح الناشط الشاب وائل غنيم رئيسا لمصر. حتى انه في خطابه عن "ربيع العرب"، تحدث الرئيس الاميركي عن "أم حديثة السن" في القاهرة، و"طالب" في صنعاء، و"شاب" في دمشق، يكافحون كلهم من اجل ما سمّاه "الكرامة الانسانية"، في اشارة الى ادراكه بأن من يقوم بالثورات العربية هم الشباب.

اوباما لا يخفي اعجابه بالثورة الشبابية، فهو نفسه بدأ نشاطه السياسي كشاب يعمل على تنظيم حملات اجتماعية، ولاحقا افاد من الموجة الشبابية التي جاءت به رئيسا رغما عن "المؤسسة" (استابليشمنت) السياسية الاميركية، والتي تمثلها عائلة كلينتون داخل الحزب الديموقراطي.

بيد ان مشاعر اوباما في مكان، وواقعية السياسة الخارجية الاميركية في مكان آخر، اذ على الرغم من لقاء كلينتون بشباب مصريين بعد ان ادركت واشنطن اهميتهم في اطاحة مبارك وربما تحديد مستقبل مصر، فان واشنطن لا تزال "تقليدية" في تعاملها مع الثورات العربية المندلعة. وصار معلوما اليوم ان اميركا لم تكن لتتخلى عن حليفها مبارك لولا انها وجدت بديلا منه في الجيش المصري.

في سوريا، لا يوجد ظاهرا هيئات بديلة من الرئيس بشار الاسد. هنا المقاربة الاميركية تقليدية تجعل من واشنطن متخلفة عن فهم الاحداث او التأثير في مجريات الثورات المندلعة، لذا قررت الولايات المتحدة "تلزيم" موضوع التعاطي مع الاحداث السورية الى حليفتيها المعنيتين، اي فرنسا وتركيا. هاتان بدورهما تتنافسان على التعاطي مع سوريا، ولكن بطريقة تقليدية مشابهة للطريقة الاميركية التي لا تدرك صعود عنصر الشباب، الذي يفرض بدوره مقاربات مختلفة عن الماضي.

والمشارك في مؤتمر انطاليا لم يسعه الا ان يلاحظ الفجوة بين السياسيين التقليديين والشباب. السياسيون المعارضون السوريون عالقون في الزمن. تآمروا وتخاصموا ثم تصالحوا واتفقوا، ثم تآمروا وتصالحوا مجددا. طريقة عملهم معروفة وفيها تكرار للافكار ذاتها منذ ايام التنظيمات السرية في زمن السلطنة العثمانية عن تعايش "مكونات واطياف" الشعب، والكرامة والمساواة وغيرها.

في انطاليا، حاول الليبراليون والكرد تمرير كلمة علمانية لوصف دولة ما بعد الاسد، تصدى لهم "الاخوان المسلمون" وهددوا بكسر الجرة والانسحاب. ثم حاول الاخوان الحديث عن كتابة دستور جديد، فرفض الليبراليون والكرد لعلمهم ان الدستور السوري الحالي اقرب الى العلمانية، وطالبوا بتعديل بعض المواد فقط.

ثم توافقت الاطراف المشاركة على بيان ختامي فيه الكثير من الغموض، عدا طلب تنحي الاسد، لتفادي الانقسام. وادلى كل واحد من الاطراف بمقابلة لهذه الصحيفة او تلك عرضوا فيها مواقفهم، فعرض الاخوان تنحي الاسد مقابل العفو عنه، وتحدث الليبراليون والكرد عن محاسبة "مرتكبي جرائم ضد الانسانية". بالنسبة للمعارضة السورية التقليدية، لم تختلف الامور بعد قيام الثورة السورية في العام 2011 عما كانت عليه في 2009 أو 1995 أو 1987.

ما ميز مؤتمر انطاليا، كما ثورة مصر، هم الشباب، سبب الثورة السورية ومحركها. هؤلاء لم يشاركوا في نزاعات السياسيين، بل عقدوا حلقات منفصلة. منهم من تعارفوا لاول مرة وجها لوجه بعد صداقة على الانترنت. تحدثوا عن خطواتهم المقبلة، مثل حملة “الطريق الى دمشق” المزمع تنظيمها في عدد من الدول العربية لحضّها على ادانة ممارسات النظام السوري.

الشباب السوريون على اتصال بالشباب التونسيين واليمنيين والمصريين، من امثال وائل غنيم. هناك تنسيق، ودعم الكتروني وتبادل للخبرات والعلاقات بالشباب الناشط في المجتمع المدني الاوروبي. جمعية آفاز، ومقرها برلين وفي عضويتها اكثر من 9 ملايين ناشط حول العالم، هي حصيلة مشروع مشترك للجمعية الاميركية “موف اون” وجمعية اوروبية مشابهة، ارسلت ممثلتها الى انطاليا لتعرض مواردها وعلاقاتها للمساعدة.

و”موف اون” هذه مقرها كاليفورنيا، وهي من ابرز الاسباب التي اوصلت الرئيس، الشاب نسبيا، اوباما الى البيت الابيض. كما ان آفاز و”موف اون” تعملان بتمويل الاعضاء المنتسبين حصرا للابتعاد عن تأثير اصحاب رؤوس الاموال الكبيرة، خصوصا اللوبيات في الحالة الاميركية، وهذه طريقة عمل جديدة في السياسة اثبتت نجاحها في اميركا وتثبت فاعليتها حتى الآن في الثورات العربية، اذ تمنحها استقلالية عن املاءات الحكومات الممولة للاحزاب المعارضة عادة.

عند الشابات والشبان العرب، لا استجداء لاموال من الحكومات الاجنبية كما عند التقليديين، بل يدفع الشباب ثمن بطاقات طائراتهم واقامتهم من مرتباتهم. هذا هو نوع النضال العصري الحديث بالنسبة اليهم.

وفيما جلس مسؤولون ترك يتسامرون ومعارضين سوريين في الصالات، شاركت ممثلة آفاز وغيرها من الشباب الغربيين المتحمسين للحرية والديموقراطية حول العالم في اجتماعات الشباب، التي غالبت ما انعقدت في حدائق الفندق وبالجلوس على الارض.

حتى ان الشباب السوري لم يتسن الوقت الكثير له للاجتماعات، فمعظم الشباب يديرون صفحات انترنت تنقل الصورة من داخل سوريا الى العالم، والثورة السورية مستمرة. ولأن الفندق في انطاليا لم يكن فيه انترنت الا في البهو، انشأ الشباب مقرات قيادة مؤقتة ومكشوفة للعيان. واحد يحاول بصعوبة الحديث عبر سكايب مع ثوار داخل سوريا للحصول على آخر الاخبار وتوزيعها على الانترنت، وآخر يعمل على مونتاج فيديو وصله للتو لنشره، وثالث يدون اسماء القتلى والمعتقلين وينسق التجمعات بين الاحياء والقرى.

ولأن الشباب هم القصة الحقيقية للثورات العربية، في مصر كما في سوريا، فان مؤتمر انطاليا سجل نجاحا اكبر من مؤتمر بروكسل، اذ ان بعض المشاركين في بروكسل دانوا انطاليا اول الامر ورفضوا المشاركة فيه، ثم تراجعوا عن ادانتهم واعتبروا ان مؤتمرهم مكمل لانطاليا. سبب نجاح انطاليا الاساسي هو مشاركة الكوادر الشبابية.

في هذه الاثناء، تبقى واشنطن، ومعظم عواصم العالم، متخلفة عن ادراك ما يحصل في الدول العربية ذات المجتمعات الشابة، وهو ما يعقّد الثورات اكثر ويطيل في عدم الاستقرار. وفي الوقت الذي يقود شباب سوريا ثورتهم، يعقد سفير اميركا في دمشق روبرت فورد اجتماعات مع معارضين سوريين اعلن بعضهم ان لا تأثير لهم على الثورة. ثم تشتكي واشنطن من ان لا بديل من الاسد.

ربما كان من الاجدى لواشنطن ان تحضر الى انطاليا كي ترى قياديي سوريا الجدد، على الاقل كي لا تتلعثم كلينتون يوما ما في حال تكرر السؤال حول موقف بلادها من سوريا والاسد اثناء الاحداث.

(صحافي مقيم في واشنطن)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق