الجمعة، 9 سبتمبر 2011

خطاب كبير وآمال قليلة


حسين عبد الحسين

لم يغير خطاب الرئيس باراك اوباما في الكونغرس امس من رؤية الكثير من الاميركيين المتشائمين حيال اقتصادهم، اذ لم يكد الرئيس الاميركي ينهي خطابه حتى انبرى له اعضاء الحزب الجمهوري بالقول انه قدم خطابا من دون خطة، اذا قال اوباما في متن الخطاب ان تفاصيل رؤيته التي اعلن عنها سيكشفها يوم الاثنين المقبل. وتساءل بعضهم حول مصدر النصف ترليون دولار التي ستتكبدها الخزينة بموجب الخطة المطروحة، اذ ان اوباما لم يفصح عن كيفية تأمين هذه الاموال، بل قال انه ستكون كلها "مدفوعة بالكامل"، اي من دون اللجوء الى المزيد من الدين العام.

واذا كان موقف الجمهوريين السلبي مفهوما نظرا الى خلفيته السياسية، فان النقد لم يقتصر عليهم فحسب، بل شارك فيه ديموقراطيون. 

واعتبر الاقتصادي كلايد بريستويتز، وهو كان ممن اجتمعوا مع الرئيس الاميركي في الماضي وقدموا له حلولا للخروج من الأزمة الاقتصادية، ان انشاء مصرف تكون مهمته تمويل اعمال البنية التحتية الاميركية لا يضمن خلق وظائف في الولايات المتحدة. واشار بريستويتز الى تقرير في جريدة نيويورك تايمز في حزيران (يونيو) ورد فيه ان مدينة سان فرانسيسكو، التي كانت على وشك تشييد جسر مائي، ان الجسر تمت صناعته في الصين، وانه في هذه الحال، لن يساهم انفاق واشنطن على اعمال البنية التحتية في خلق وظائف محلية وخفض البطالة الاميركية.

وكان الاقتصادي الفائز بجائزة نوبل مايكل بنس قد صنف سوق العمل الاميركية، في دراسة نشرتها مجلة “فورين افيرز” المرموقة الشهر الماضي، الى اثنين: غير التجارية والتجارية. وحسب بنس، تتضمن الاعمال غير التجارية كل ما لا يمكن تصديره كي يعود على البلاد بربح، مثل وظائف الدولة وقطاعي الصحة والبناء، على سبيل المثال. اما الاعمال التجارية فتتضمن الهندسة والصناعة والتتصميم. ويقول بنس انه بين 1990 و2008، شهد الاقتصاد الاميركي زيادة 27 مليون وظيفة في الفئة الاولى، و600 الف فقط في الثانية، وهذا سببه تخلي اميركا عن قطاعاتها الصناعية، ونقل مصانعها الى الصين، وتحويل اقتصادها الى اقتصاد خدمات.

السبيل لعودة اميركا الى بحبوحتها، بحسب هارولد مايرسون، المعلق في صحيفة واشنطن بوست والقريب من حزب اوباما الديموقراطي، هو العودة من عهد الاقتصاد الاميركي الخدماتي، ما بعد الصناعي، الى عصر الصناعة، التي صار كثيرون يرون ان لا امل لعودة الاقتصاد الاميركي الى سابق عهده وبحبوحته من دون عودتها الى البلاد. هنا يوافق بريستويتز على ان سر التقدم الاقتصادي الاميركي يكمن في عودة الصناعة، الا ان هذا لن يحصل عبر الافكار التي قدمها الرئيس الاميركي في خطابه، بل يعتمد على قيام واشنطن بمجابهة “الاساليب” التجارية التي تستخدمها الصين، والتي تعمل دوما على حماية صناعاتها وتقديم ظروف تفضيلية لها لتنافس نظيرتها الاميركية.

كما يعتبر بريستويتز ان الصين تتلاعب بالشركات الاميركية التي تحاول دخول السوق الصينية العملاقة، فتفرض شروطا تجبر تخلي الاميركيين على التخلي عن براءات اختراعاتهم، فيحصل عليها الصينيون ويباشرون في صناعات شبيهة غالبا ما تكون بأسعار ارخص من الاميركيين، فيخرجون الشركات الاميركية من الاسواق العالمية، والسوق الاميركية كذلك، وتقفل الشركات الاميركية الصناعية الواحدة تلو الاخرى، ويخسر الاميركيون اعمالهم. الصين “تفعل هذا منذ فترة طويلة، وحان الوقت لنا لنواجههم لتعديل ارضية التنافس”، يكتب بريستويتز في مجلة فورين بوليس داعيا الرئيس الاميركي الى تبني افكارا اقتصادية مجددة اكثر من التي طرحها في خطابه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق