الأحد، 20 نوفمبر 2011

حياة رجل أمن

ليوناردو كابريو (الى اليمين) يلعب دور هوفر

حسين عبد الحسين

بدأت صالات السينما في الولايات المتحدة عرض الفيلم الذي طال انتظاره “جاي ادغار”، بطولة ليوناردو دي كابريو واخراج كلينت ايستوود، والذي يستعرض حياة أحد مؤسسي ومديري “مكتب التحقيقات الفيدرالي” (اف بي آي) جون ادغار هوفر، رجل الأمن الأسطوري الذي عاصر ثمانية رؤساء أميركيين واحتفظ بمنصبه 48 عاما حتى يوم مماته في العام 1972 عن عمر 77 عاما.

وغالبا ما يطلق الأميركيون على هوفر لقب “اقوى رجل في القرن العشرين”. ومنذ مماته، قدمت سيرة حياته مادة دسمة للكثير من الكتب والافلام، آخرها “جاي ادغار”، الذي يحاول ايستوود خلاله ابراز العوامل النفسية والظروف الخارجية التي أثرت في صنع شخصية هوفر.

بدأ هوفر حياته موظفا في وزراة العدل الاميركية في العام 1917، وأظهر براعة كبيرة دفعته الى ترؤس “مكتب التحقيقات الفيدرالي” وهو بعد في التاسعة والعشرين من العمر. وساهمت براعة هوفر في تحويل المكتب من فرع صغير في الوزارة الى جهاز أساسي في البلاد، بعد ان اقنع رؤساءه بزيادة ميزانية المكتب مرارا، واستخدم الاموال لبناء مختبر لتحليل دلائل الجرائم، ولانشاء بنك معلومات جمع فيه بصمات الأميركيين في دائرة مركزية واحدة في المكتب. كما نجح هوفر في تعطيل الحركات الشيوعية الأميركية، وقمع الألمان الأميركيين ممن أظهروا الولاء لبلدهم الأم في الحربين العالميتين، وقضى على الجريمة المنظمة التي كان يقودها أمثال آل كابون.

الا انه، على الرغم من نجاحاته، ادت حماسة هوفر واندفاعه الى تجاوز القوانين مرارا، باسم المصلحة العامة، فعمد الى التنصت على عدد كبير من المواطنين، بمن فيهم زوجة الرئيس فرانكلين روزفلت والرئيس جون كينيدي، واحتفظ بملفات سرية حول الحياة الشخصية لكثيرين، غالبا ما استخدم بعضها لابتزازهم. ويظهر الفيلم انه يوم وفاته، قامت سكرتيرته باتلاف كل هذه الملفات التي لم يتسن لأي شخص الاطلاع عليها.

ومما دأب على فعله هوفر ايضا انه كان غالبا ما يعمل في السرّ لاظهار نفسه في صورة البطل، ووصلت سطوته وعلاقاته مع اعلاميين، ربما كان يبتزهم بملفات حول حياتهم الشخصية، بأنه كان ينشر مقالة هنا او هناك بأسماء وهمية، ثم يستخدم المقالة لإدانة هذه الفئة أو ذاك الحزب السياسي، اي أن هوفر وصلت به الأمور الى حد اختلاق الجريمة السياسية وإلصاقها بأحزاب أو مجموعات كان يحتقرها ويعتبرها من خصومه.

وعلى الرغم من ان الفيلم يتناول شخصية هوفر، الا انه ينطبق بشكل كبير على عدد من الشخصيات الأمنية حول العالم ومنها كثير في العالم العربي، التي غالبا ما تبدأ حياتها بنبوغ وانجازات لمصلحة الامن والنظام والمؤسسات العامة، فتفوز بثقة المؤسسات السياسية والشعب، ثم تمضي لتستغل هذه الثقة لمآرب شخصية وللاستمرار في منصب القوة.

وفي احدى المقاطع في الفيلم ذات الدلالة، يظهر هوفر وهو يلقّن احد العاملين لديه سيرته الشخصية وإدارته لمكتب التحقيقات كما يراها هو، فيسأل المدون هوفر: “هل كانت تلك الانجازات باسمك الشخصي او باسم المكتب كمؤسسة”. فيجيبه هوفر: “لا فرق، المؤسسة هي أنا وأنا المؤسسة”.

جنون القوة هذا، الذي يتغلل في هوفر والذي عرفه الكثير من العرب بشخص بعض مسؤوليهم الامنيين، يقضي تاليا على نفسه، فيقوم هوفر بتزوير التاريخ، ويستخدم قوته لابتزاز الرؤساء للبقاء في منصبه، ثم يؤدي جنونه الى فقدانه للواقعية فيتصور نفسه الوطن ويتصور ان الوطن يتلخص بشخصه وبعظمته المزعومة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق