الاثنين، 12 ديسمبر 2011

«قيصر» السياسة الأميركية في سورية فردريك هوف يمثل أمام الكونغرس غداً... أكثر ميلاً للتدخل العسكري

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

يمثل الديبلوماسي فردريك هوف، الذي صار معروفا بـ «قيصر» السياسة الاميركية تجاه سورية، امام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، يوم غد، ليقدم خلاصة ما توصلت اليه الادارة حول الوضع في سورية وموقف بلاده وسياستها الراهنة في هذا الشأن.
ومن يعرف هوف يعرف ان مواقف هذا الديبلوماسي تدرجت من مؤيد كبير للانفتاح الاميركي على الرئيس السوري بشار الاسد، مطلع هذا العام، الى ابرز المطالبين باسقاط الاسد ونظامه، اليوم.
هوف عسكري قاتل في فيتنام حيث تصادق والكولونيل وليام هيغينز. في الثمانينات، عمل هوف مسؤولا في وزارة الدفاع (البنتاغون)، التي كلفته باعداد تقرير حول الهجوم الذي استهدف مقر المارينز في بيروت في العام 1983 وادى الى مقتل 241 منهم. في تقريره، اعتبر هوف ان الاعتداء وقع كردة فعل على قيام مدمرة «نيوجيرزي» بقصف جبل لبنان مؤازرة للرئيس اللبناني الأسبق امين الجميل والجيش الموالي له.
دخول اميركا كطرف في الصراع اللبناني هو الذي ادى الى الاعتداء على المارينز، حسب هوف، الذي يجزم، مخالفا الموقف الاميركي العام، ان تفجير المقر «لا يمكن تصنيفه بالعمل الارهابي». موقف هوف المخالف جعله عرضة لاتهامات البعض بأنه متعاطف مع «حزب الله» ونظام الاسد، رغم ان هوف غالبا ما يشتكي لاصدقائه خسارته الشخصية بعدما اختطف مسلحون في جنوب لبنان، في العام 1988، صديقه هيغينز، الذي كان يعمل حينذاك في عداد قوات الامم المتحدة الموجودة في لبنان. وقتذاك قام هوف بقيادة الفريق المفاوض للافراج عن هيغينز، الا ان خاطفيه اصدروا شريطا اظهره ميتا ومعلقا بحبل مشنقة في العام 1990.
رغم خلفيته العسكرية وقتاله في فيتنام، او ربما بسببها، يقول من يعرف هوف انه يكره الحروب ويؤمن بالمفاوضات السلمية كطريق وحيد للتوصل الى حل النزاعات، وهو ما يبدو انه دفع بهوف الى الانتقال من وزارة الدفاع الى الخارجية منذ زمن. وعلى الرغم من «الالم الشخصي» لهوف على اثر خسارته هيغينز، الا انه برز مع مطلع العام 2009 وبدء ولاية الرئيس باراك اوباما كأول الداعمين للتوصل الى اتفاق سلام في منطقة الشرق الاوسط بشكل عام، معتبرا ان في التوصل الى اتفاقية سلام بين سورية واسرائيل مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة.
حماسة هوف هذه لفتت انظار السناتور السابق جورج ميتشل، ابان تعيين الاخير مبعوثا للسلام في الشرق الاوسط، فقام ميتشل بتعيين هوف مسؤولا عن المسار السلمي السوري الاسرائيلي، وباشر هوف العمل على تأمين الزخم السياسي اللازم لاعادة اطلاق العملية السلمية بين دمشق وتل ابيب، على الرغم من اعتراضات الكثيرين داخل واشنطن واعتقادهم ان ادارات اميركية سابقة راهنت على التوصل الى هذا السلام، الا ان عدم الجدية السورية عطلته، من وجهة نظر هؤلاء الاميركيين.
الا ان العملية السلمية الفلسطينية، كما السورية، تعثرت فاستقال ميتشيل، واغلق هوف مكتب السلام في القدس، وعاد الى وزارة الخارجية في واشنطن يتردد الى مكتبه من دون مهمة معينة، الى ان اندلعت الثورة السورية، في منتصف مارس الماضي، فاعادت هوف الى دائرة الضوء في العمل الديبلوماسي الاميركي كمسؤول اساسي عن الملف السوري وعن السياسة الاميركية تجاه دمشق.
ولأن هوف يؤمن بالحلول السلمية، فهو ساهم بالاشتراك مع السفير الاميركي في سورية روبرت فورد بصياغة موقف اميركي يمجد سلمية الثورة السورية، وينتقص من فكرة عسكرتها، وهو ما عبر عنه فورد مرارا حينما قال في العلن، كما في احاديثه مع معارضين سوريين في دمشق، ان العالم لن يقف الى جانب السوريين المطالبين برحيل الاسد في حال فقدت الثورة سلميتها وتحولت الى تمرد مسلح.
وبدوره قام هوف بعمل ديبلوماسي دؤوب في العواصم الاوروبية، كما في انقرة، وحث حلفاء اميركا على تبني فرض عقوبات على اركان نظام الاسد، وحثهم على فرض العقوبات على قطاع سورية النفطي، فيما عمل زميل هوف، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، على التنسيق مع الحكومات العربية حول الشأن السوري، وهكذا رأينا الاخير في جولات مكوكية على العواصم العربية، كانت آخرها بيروت الاسبوع الماضي.
في الاثناء، مد فورد جسور التواصل مع المعارضة السورية داخل دمشق، رغم تحفظات كثيرين على الاتصال الاميركي ببعض المعارضين من المحسوبين على الاسد وممن يتبنون الحوار بين المعارضة والنظام كحل وحيد للازمة السورية فيما يبدو وكأنه يعكس وجه نظر الاسد في هذا الموضوع.
الا ان فورد، وهوف، دافعا عن التواصل مع المعارضين، حتى المحسوبين على الاسد منهم، بالقول ان هذا التواصل يمنع ردة الفعل والعمليات الانتقامية في مرحلة ما بعد الاسد، وانه على الحكومة السورية المقبلة ألا تعزل اي من القوى السياسية او المجموعات الدينية او العرقية السورية المختلفة، وهو ما عكسه تصريح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قبل الاجتماع مع وفد «المجلس الوطني السوري» في جنيف الاسبوع الماضي، بحضور هوف، عندما قالت ان تواصل المجلس مع الاقليات واعطائها التطمينات لمرحلة ما بعد الاسد هو من الامور الضرورية.
على ان هوف وفورد صارا يجدان من الصعوبة الاستمرار في الدفاع عن موقفهما حول استمرار «سلمية الثورة» السورية، خصوصا بعد مقتل اكثر من اربعة الاف سوري على يد قوات الاسد، وهو ما دفع البعض الى اتهام هوف وفورد بالسذاجة لتمسكهما بالوسائل السلمية دون غيرها للاطاحة بالاسد.
موقف هوف، «قيصر السياسة حول سورية»، قد يتبدل في الايام والاسابيع المقبلة ليبدي استعدادا اكبر لحلول عسكرية او شبه عسكرية، خصوصا ان المعارضة السورية صارت تتحدث عن الازمة الانسانية الواقعة في المدن السورية، وصارت تطالب بانشاء ممرات انسانية ومناطق عازلة، وهذه بدورها تتطلب حدا ادنى من العمل العسكري لتأمينها.
ومن المرجح ان يتراجع هوف عن اصراره على «سلمية الثورة» السورية خصوصا بعد تواتر انباء في واشنطن مفادها ان حليفة اميركا، اسرائيل، اسقطت الفيتو الذي كانت تضعه ضد اي تدخل عسكري على حدودها الشمالية قد يطيح بالاسد والاستقرار الذي كان يأمنه الاخير لتل ابيب في الجولان. ويعزو كثيرون سبب تغير الموقف الاسرائيلي الى تنامي الثقة الاميركية حول سيناريوات مرحلة ما بعد الاسد، التي «لم تعد مجهولة كثيرا كما من قبل»، على حد تعبير مسؤول اميركي.
ويقول المسؤول ان الولايات المتحدة، وحلفاءها، والدول العربية، اكتمل لديها تصور شكل سورية بعد الاسد، وان هذه الدول اقامت علاقات مع عدد كبير من الضباط السوريين الكبار، وعدد منهم مازال في موقعهم. في ظل هذه الصورة، وصار الحسم في وجه الاسد واسقاطه مسألة مرتبطة باتخاذ القرار السياسي اللازم في الوقت الذي يعتبره الحلفاء مناسبا، وهو ما قد يقوله هوف في جلسة الاستماع في الكونغرس يوم غد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق