| واشنطن من حسين عبدالحسين |
تستمر المواجهة عبر وسائل الاعلام بين مجموعتين من الاميركيين: الاولى تعتقد ان الدعم الاميركي لاسرائيل لا يجب ان يعني دعما مطلقا ولا ان يشمل تأييدا اعمى لسياسات الحكومات الاسرائيلية اليمينية، والثانية تعتبر ان دعم اسرائيل من دون شروط هو واجب على كل اميركي تحت طائلة تصنيف المتخلفين كمعادين للسامية.
هذه المواجهة بدأت قبل ست اسابيع اثر قيام زيد جيلاني، وهو اميركي من اصل باكستاني ويعمل في مركز ابحاث «ثينك بروغرس» المقرب من الرئيس باراك اوباما، باستخدام تعبير «اسرائيليين اولا» لوصف مجموعة من اليهود الاميركيين كانت تعقد عشاء لجمع التبرعات لحملة اعادة انتخاب اوباما للدلالة على ولاء هؤلاء لاسرائيل في شكل يأتي قبل ولائهم لبلدهم الام، أي الولايات المتحدة.
وأدى تعليق جيلاني الى هجوم ساحق شنه مؤيدو اسرائيل، متهمين مركز الابحاث واوباما بالتواطؤ ضد دولة اسرائيل، ما اجبر المركز على طرد جيلاني. لكن المواجهة استمرت، وتصدرها من جهة المعارضين للتأييد الاعمى ام جاي روزنبرغ، وهو يهودي عمل لسنوات طويلة في ايباك، اللوبي الاميركي المؤيد لاسرائيل والذي يعمل اليوم مع «ميديا ماترز» ويدعو الى قيام دولة فسلطينية بحدود عام 1967، والى عدم شن حرب ضد ايران.
ثاني ابرز المعارضين للعلاقة غير المشروطة هو المعلق المشهور في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، الذي كتب منتصف الشهر الماضي منتقدا تصريحات وزير الخارجية افيغدور ليبرمان اثناء زيارة للاخير الى موسكو وصف اثناءها الانتخابات الروسية بالنزيهة. ويقول فريدمان ان هذه الارتكابات الاسرائيلية، المحسوبة على واشنطن، تؤثر سلبا في سمعة الولايات المتحدة كمدافعة عن الديموقراطيات والحريات حول العالم.
بيد ان ما اثار حنق ايباك ومناصريها جملة لفريدمان جاء فيها: «آمل بأن يفهم نتنياهو ان التصفيق الحار له في الكونغرس لم يكن بسبب سياساته، بل تم شراء التصفيق بأموال اللوبي الاسرائيلي».
على ان هذا التململ من اليسار الاميركي من العلاقة المميزة مع اسرائيل، يعكس حركة اميركية متنامية، وان سرا، يتصدرها اوباما نفسه، الذي خاض معارك سياسية خاسرة في وجه رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، لكنه لم يدع المواجهة تخرج عن السيطرة حتى لا يخسر كليا دعم اموال او اصوات اليهود الاميركيين المؤيدين للتحالف المطلق بين الدولتين.
ولأن اوباما تراجع مفسحا في المجال لنتنياهو بـ «اذلاله» مرارا، وعلنا، وفي المكتب البيضاوي عندما رفض الاخير اقتراح اوباما حل الدولتين بحدود 1967 كمنطلق اولي للمفاوضات، يتباهى مؤيدو العلاقة مع اسرائيل، وجلّهم من الجمهوريين، بأنه «تم اجبار اوباما على التراجع امام بيبي (نتنياهو) فقط عندما رأى اوباما الكونغرس في جلسة مشتركة (خطب فيها نتنياهو) يقف باكمله مصفقا»، اثناء زيارة الاخير في مايو الماضي.
متابعو الشأن السياسي يعلمون ان هذه الرؤية صحيحة، اذ ان سر قوة اسرائيل في اميركا سيطرتها على معظم اعضاء الكونغرس، وهذا غالبا ما يتم عبر التبرعات للحملات الانتخابية للمرشحين ودعمهم بأصوات اليهود الاميركيين حيث امكن.
وفي غياب وجهة النظر العربية عبر العقود الماضية، نجح ما يعرف بالـ «لوبي الاسرائيلي» في التحكم بموقف واشنطن من اسرائيل، واجبار الادارات المختلفة على الانصياع، خصوصا بعد نجاح هذا اللوبي باذلال الرئيس الجمهوري الراحل جيرالد فورد اثناء مواجهة بينهما في العام 1976، مما اظهر مقدرته الهائلة على انزال الهزيمة السياسية بكل من تخوله نفسه المواجهة.
الا ان الزمن تبدل اذ تسببت العولمة بتقديم وجهات النظر المختلفة، ومنها العربية حول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، الى الجمهور الاميركي. وبدأت قبضة الاسرائيليين على القرار الاميركي بالتراخي منذ اكثر من عقد، وسط صعود الجانب المعارض لاستمرار الدعم الاميركي غير المشروط لدولة لم يعد الكثير من الاميركيين يؤمنون بطروحاتها عن كونها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط.
المعارضة للعلاقة غير المشروطة مع اسرائيل بلغت ذروتها مع اصدار الاكاديميان المرموقان جون ميرشايمر وستيفان والت كتاب «اللوبي الاسرائيلي»، وجاء فيه ان هذا اللوبي نجح في السيطرة على السياسة الخارجية الاميركية لمصلحة اسرائيل، على الرغم من ان المصلحة الاسرائيلية تأتي مرارا على حساب مصلحة الولايات المتحدة.
وطالب الكتاب الصادر في خضم الانتخابات الرئاسية في العام 2007 أن تعامل واشنطن اسرائيل «كدولة عادية» مثل الدول الاخرى.
واثار الكتاب زوبعة ردود سلبية، تصدرتها المؤسسات حتى غير المعروفة بدعمها المطلق لاسرائيل مثل «نيويورك تايمز» و«فورين افيرز» و«ذي نايشن». ومع ان الكتاب لم ينجح في التأثير في سياسة واشنطن تجاه اسرائيل، الا ان تأثيره، حسب آدم كيرش الكاتب في «ذي تابلت» اليهودية الاميركية، كان جبارا، وفتح المجال امام نقاشات حول هذه العلاقة كانت ممنوعة حتى امد قريب.
الجديد في النقاش الذي بدأ مع صدور الكتاب هو معارضة عدد كبير من الاميركيين واليهود الاميركيين للتأييد «غير المشروط» للحكومة الاسرائيلية، اذ يعتبر هؤلاء ان لا مشكلة في دعم اسرائيل، ولكن هناك مشكلة في دعم الحكومات اليمينية الاسرائيلية وسياساتها.
ويقول روزنبرغ ان المشكلة هي في ان تأييد اسرائيل في الولايات المتحدة تحول الى تأييد اليمين الاسرائيلي فقط. ويضيف: «لا ينزعج اليمين الاميركي من مهاجمة رئيسه اوباما اليساري، بل يزعجه قيام احد باي هجوم ضد رئيس حكومة اسرائيلي يميني». ويتابع: «لايزعجهم الهجوم مثلا على اشخاص مثل رئيس الحكومة اليساري الراحل اسحاق رابين، الذي وقع اتفاقيات سلام مع الفلسطينيين».
ويختم اليهودي الاميركي بالقول ان مؤيدي اسرائيل في الولايات المتحدة، مثل ايباك، يريدون دعما اميركيا لسياسة نتنياهو المبنية على ابقاء الوضع كما هو عليه في الاراضي الفلسطينية، وزيادة الاستيطان، وعدم الجدية في الذهاب الى مفاوضات سلام. كذلك يتهم روزنبرغ اليمين الاميركي الموالي لنتنياهو بمحاولة دفع اميركا نحو مواجهة عسكرية مع ايران.
روزنبرغ وفريدمان وغيرهما، مثل مؤسس لوبي «جاي ستريت باك» جيريمي بن عامي، هم اليوم موضوع هجوم متواصل من الاعلام الموالي لايباك في معركة لا يبدو اي حسم لها قريب.
لكن، في وسط هذه المعركة، يستمر الجميع بالابتسام علنا حيث يتبارى السياسيون الاميركيون، على اختلاف انتماءاتهم، في اظهار دعمهم المطلق لاسرائيل، اذ في غضون اقل من اسبوع، شاهد العالم كبار رجال الدولة الاميركية يكررون لازمة دعمهم لاسرائيل، فاوباما وصف الحلف الاميركي - الاسرائيلي بالـ «مصفح» اثناء خطاب «حال الاتحاد» يوم الثلاثاء الماضي، فيما القى المرشح الجمهوري مت رومني، اثناء المناظرة الرئاسية يوم الخميس، باللائمة على الفلسطينيين لرفضهم السلام وتصميمهم على ازالة اسرائيل، وكرر زميله المرشح الجمهوري الآخر نيوت غينغرتش مقولته ان الفلسطينيين شعب تم اختراعه في السبعينات.
موضوع رائع
ردحذفthanx
ردحذفالكيان الصهيونى لن يكون اولاااااااااً ابدااا
ردحذفولابد ان تعرف اسرائيل حجمها الحقيقى