الأحد، 26 أغسطس 2012

«تناقضات عميقة» تسيطر على مؤتمر الحزب الجمهوري

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ينعقد المؤتمر العام للحزب الجمهوري غدا لاعلان ترشيح ميت رومني وبول ريان الى منصبي رئيس ونائب رئيس للبلاد بعد ارجاء المؤتمر الذي كان مقررا اليوم في فلوريدا نتيجة الاعصار الاستوائي «آيزاك» الذي يتوقع ان يضرب المنطقة، وسط فوضى وتضارب في العقائد والاجندات في صفوف الحزب ومناصريه، سببها في الغالب التأرجح في المواقف بين اليمين ويمين الوسط.
مشكلة الحزب الجمهوري انه يخوض المواجهة الانتخابية مع منافسه الديموقراطي على جبهتين، رئاسية وكونغرسية. الاولى، والتي تجري على صعيد 50 ولاية، تتطلب الابتعاد عن الايديولوجيات الضيقة لنسج تحالف يتسع لاكبر عدد من الناخبين وآرائهم ويمتد على مساحة الولايات المتحدة بأكملها حتى يحصد اكبر عدد من اصوات الاميركيين.
انتخابات الكونغرس، بدورها، تجري في مقاطعات ودوائر صغيرة ومتوسطة وكبيرة، ومبنية على حسابات ايديولوجية بحتة تهدف الى تحفيز المناصرين، خصوصا المحافظين منهم في ولايات الجنوب والوسط الغربي. اما في الدوائر الموالية للجمهوريين والبعيدة عن التطرف، مثل في الشمال الشرقي للبلاد، فيلجأ المرشحون الجمهوريون الى التخفيف من حدة مواقفهم العقائدية، ويبتعدون عن اهل اليمين وتطرفهم من امثال مناصري «حركة الشاي».
هذا التباين بين تخفيف حدة التطرف والاقتراب من الوسط لانتزاع البيت الابيض من الرئيس باراك اوباما، وفي الوقت نفسه المحافظة على خطاب جمهوري يقارب العنصرية ويحاكي مخاوف الاكثرية المسيحية البيضاء، التي تخشى تحولها الى اقلية اثنية مع تضاؤل عدد افرادها مقارنة بالاميركيين من اصول آسيوية واميركية لاتينية، هو الذي يتسبب بالانقسامات داخل الحزب.
هذا التباين ايضا يجبر المرشحين الجمهوريين على التقلب في مواقفهم السياسية، وهو امر مكلف على صعيد حظوظهم الانتخابية، فرومني نفسه، كان سبق ان انتخب محافظا لولاية ماساشوستس ذات الغالبية الديموقراطية. في تلك السنوات، وجد رومني نفسه مجبرا على تبني خيارات الديموقراطيين، فابتعد عن دفاعه عن السلاح الفردي، وتبنى مواضيع مثل حق المرأة في الاجهاض، واشرف على قيام حكومة الولاية المذكورة بادارة برامج رعاية اجتماعية، كللها باقراره مشروع الرعاية الصحية، الذي يقول الديموقراطيون انهم استندوا اليه كنواة ونموذج للمشروع الذي تبناه اوباما والكونغرس الديموقراطي في ما بعد في العام 2009.
وكافح رومني طيلة موسم الانتخابات التمهيدية لابعاد شبح الوسطية عن ترشيحه، وصار يتبنى وحملته مواقف تغالي في اليمينية لارضاء قواعد الحزب الجمهوري والفوز بالترشيح الرئاسي. مع ذلك، وجد رومني نفسه غير قادر على استمالة القاعدة المحافظة للحزب بالكامل، ووجد ان الحل لذلك يكمن في تبنيه شريكا ممن يعتبرون من دعائم الحركة اليمينية في البلاد، فاختار عضو الكونغرس عن ولاية ويسكونسن (الوسط الغربي) بول ريان.
بدوره، كان ريان يتمتع بسمعة يمينية لا ريب فيها، فهو مناصر لتقزيم حجم الحكومة، ولانهاء برامج الرعاية الاجتماعية، ولخصخصة صناديق التقاعد، وهو ما برز في مشروع الموازنة الذي قدمه في الكونغرس قبل عامين بصفته رئيسا للجنة الشؤون المالية. وفي الموضوع الاجتماعي كذلك، يبرز ريان كمحافظ بامتياز، فهو يشدد على ضرورة بقاء طابع الولايات المتحدة مسيحيا محضا، وعلى حق الاميركيين في اقتناء السلاح الفردي من دون رقابة حكومية، وفي معارضته للاجهاض بكل انواعه. كل هذه المواقف تجعله من ابطال الحركة اليمينية ومن المحببين لدى مناصري «حركة الشاي».
لكن بعد اختياره للمنافسة على منصب نائب الرئيس، وجد ريان نفسه مجبرا على التخفيف من حدة مواقفه، وفي اكثر من مقابلة، حاول الاختباء خلف رومني بالقول انه في حال انتخابهما، سيتبع مواقف الاخير لانه «الرئيس»، وهو ما اعتبره المراقبون، مثل رايشل مادو في برنامجها المسائي المعروف على محطة «ام اس ان بي سي»، على انه عذر اقبح من ذنب. «ماذا يحصل ان اضطر ريان الى تولي منصب الرئيس لاي سبب، وقتذاك، يصبح سيد البيت الابيض حاملا لاجندة سياسية متطرفة»، تساءلت مادو.
هذا التأرجح بين اليمين والوسط، في غياب المقدرة على ايجاد توازن يرضي جميع الجمهوريين، هو اكثر ما يقلق قيادة الحزب.
في الماضي، برزت شخصيات تتمتع برصيد لدى اليمين، ولكنها قادرة كذلك على استمالة الوسط. ابرز تلك الشخصيات في تاريخ اميركا الحديث كان الرئيس السابق جورج بوش الابن، الذي نجح في البقاء في الحكم لولاية ثانية رغم وقوع الانتخابات في وقت كانت حربا افغانستان والعراق تستنزف الرصيد السياسي للجمهوريين بشكل عام.
هذا التأرجح بين اليمين والوسط، ودخول عناصر جمهورية اخرى مع افكار «استفزازية» لبعض القواعد الحزبية، يدفع الجمهوريين الى الانقسام المستمر.
في مؤتمر الغد، طلب المرشح رون بول الادلاء بخطاب، وهذا الطلب هو في صلب حقوقه لانه حاز اثناء الانتخابات التمهيدية عدداً من المندوبين اثناء الانتخابات التمهيدية، ما يخوله اعتلاء المنبر للحديث باسمهم قبل تبني ترشيح رومني. في الماضي القريب، كان بول رئيسا لحزب يقوده منفردا هو حزب «التحرريون»، الذي يطالب بالغاء دور الحكومة الى درجة انتزاع دورها في سك النقود واستبدال ذلك بعمليات مبادلة واعتماد الذهب والفضة كعملة وطنية.
لكن نظريات بول المتطرفة في الاقتصاد لم تقلق القيمين على الحزب الجمهوري بقدر ما اقلقهم مواقفه العنيفة ضد دولة اسرائيل، وهو من المطالبين بانهاء المساعدة السنوية الى الاسرائيليين، وبانسحاب اميركا من المسرح العالمي واستخدام الاموال في الداخل، وهو ما من شأنه ان يضعضع التأييد اليسير اصلا لليهود للحزب.
وسط هذا المأزق، سارع كبار الحزب، من امثال المستشار الرئاسي السابق كارل روف والاخوين الثريين كوك، الى اقناع مستشاري بول بالتخلي عن حقه بالحديث. وتعويضا له عن تنازله، خصص المنظمون فيلما سيعرض على المؤتمرين لشكر بول ودوره في الحزب.
حتى بعد معالجة معضلة بول وخطابه، برز آخرون من اعمدة الحزب ممن طلبوا الكلام، تصدرهم المرشح الرئاسي في العام 2008 القس مايك هاكابي، وهو من اكثر الجمهوريين اليمينيين المحافظين. منظمو المؤتمر، اي اللجنة المركزية للحزب، يخشون من ان يشن هاكابي في خطابه حملة ضد حق النساء في الاجهاض، وضد حصولهم على حبوب منع الحمل، مترافقا مع هجوم متوقع على المثليين جنسيا وعلى المهاجرين من اصول اميركية لاتينية، وهو ما من شأنه ابعاد شرائح واسعة من الناخبين ممن كان من المحتمل ان يدلوا باصواتهم لمصلحة رومني.
وحتى كتابة هذه السطور، كانت المفاوضات مازالت جارية لاقناع هاكابي بالانسحاب من لائحة المتكلمين، او تقديم خطاب بعيد عن الاستفزاز والتطرف.
في السياق نفسه، رشحت انباء عن امكانية ادراج الحزب الجمهوري، في برنامجه الانتخابي الذي سيقدمه في المؤتمر، بندا يعارض فيه ما اسماه «تطبيق الشريعة» الاسلامية في الولايات المتحدة، وهو اتهام يكيله كبار المغالين في يمينيتهم الى الاميركيين المسلمين، والذين لا تتجاوز نسبتهم الواحد في المئة من عدد سكان اميركا البالغ 300 مليون نسمة.
ووسط هذه التناقضات، وفي غياب المرشح القادر على ردم الهوات بين العقائد المتباينة داخل الحزب، لا يبدو ان الجمهوريين في موقف يحسدون عليه، رغم اصرار بعض الدراسات واستطلاعات الرأي ذات المصداقية على توقع فوز رومني في الانتخابات المقررة في السادس من نوفمبر، وانتزاع الجمهوريين لمجلس الشيوخ، مع حفاظهم على مجلس النواب الذي فازوا به في الانتخابات النصفية قبل عامين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق