الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

لماذا لا تفرض أميركا حظرا جويا في سوريا؟

حسين عبد الحسين

“حظر جوي فقط هو كل ما نريد”، يقول أحد المعارضين السوريين على فضائية عربية، وهو قول يشي بأن العرب إما يستسهلون ما تتطلبه عملية عسكرية من هذا النوع، أو أنهم لا يدركون المزاج الشعبي الأميركي المعادي للتدخل، وخصوصا في شؤون العرب، بعد تجربة العراق المريرة.
يتطلب اي حظر جوي في سوريا تحريك الأسطول الأميركي السادس المرابط في البحر الأبيض المتوسط الى نقطة تجعل من الدفاعات الجوية لقوات الأسد في متناولها. على اثر ذلك، تطلق البحرية الأميركية عددا من صواريخ “توما هوك” لتدمير قدرات الرادارات السورية في المرحلة الاولى. وبعد ذلك، تغير المقاتلات الاميركية لتدمير ما تبقى من منظومة دفاع جوي للأسد.
بعد تدمير البنية التحتية للدفاعات الجوية، على المقاتلات الاميركية، او قوات اي تحالف ممكن ان يتدخل لفرض حظر جوي في سوريا، القيام بطلعات روتينية للحراسة، فإن كان حظرا جويا مثل الذي في جنوب وشمال العراق في زمن صدام حسين، تكتفي الطائرات بالمراقبة وشن غارات ضد اي اهداف تعتقد ان من شأنها اعادة تشكيل الدفاعات الجوية. اما اذا تضمن الحظر منع حركة الآليات العسكرية على الارض، كما في ليبيا، فيتطلب ذلك طيرانا متواصلا لتدمير اي آلية عسكرية تتحرك وتعتبرها المقاتلات معادية.
هكذا عملية يترتيب عليها الأسئلة التالية: من يسدد ثمن الصواريخ الاميركية؟ ومن يسدد تكاليف الطلعات الروتينية او المتواصلة بعد ذلك. ومن يسدد ثمن الوقود ورواتب الطيارين والقوات المساندة لهم على متن حاملات الطائرات؟ من يؤمن الغطاء السياسي في الداخل الاميركي وحول العالم لهذا العمل؟ وماذا يحصل في حال اجبر طيار اميركي على هبوط اضطراري في مناطق تابعة لقوات الأسد او القفز بالمظلة من طائرة تتهاوى تقنيا او بنيران معادية؟ من المسؤول عن اعادة هذا الملاح الى السلامة من خلف خطوط العدو؟
وما يزيد الامور تعقيدا، انه حتى لو قررت ادارة الرئيس باراك اوباما ان تتحمل تكلفة الحظر الجوي، فإن الشعور الشعبي الاميركي شديد المعارضة لقيام الادارة به بسبب تجربة العراق، اذ على الرغم من الاعذار الواهية حول اسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين، او ارتباط نظام هذا الأخير بمنفذي هجمات 11 سبتمبر، كان للحرب الاميركية في الوعي الشعبي الاميركي بعد آخر، هو قيام شباب وشابات الجيش الاميركي بالتضحية بدمائهم، فضلا عن التكلفة المالية، للاطاحة بدكتاتور العراق الدموي، واعطاء الفرصة للشعب العراقي للعيش بحرية وبديمقراطية.
لكن ردة الفعل العربية ضد الحرب الاميركية ادت الى احباط شعبي اميركي. كيف يمكن ان ننقذهم من ديكتاتورية صدام من دون ان نسمع منهم كلمة شكر واحدة، تعتقد غالبية الاميركيين. بل على عكس ذلك، لم يحصد الاميركيون الا التقذيع والاتهام بالبلطجة العالمية والعجرفة والكولونيالية وما الى ذلك. كذلك، تم توجيه التهمة الى اميركا بالتسبب بحرب طائفية في العراق ادت الى مقتل عشرات الآلاف.
اليوم، وفي ضوء ما يحدث في سوريا، وبعض لبنان، يشعر الاميركيون بأنه تمت تبرئتهم من تهمة اشعالهم حربا طائفية عربية مشتعلة منذ أمد بعيد، وهم لا يريدون اي تدخل من شأنه ان يتهمهم بدماء سورية فتتحول نواياهم الحسنة الى لعنة عليهم، والى كراهية لدى العرب تطاردهم فيما بعد.
العرب بدورهم، وخصوصا من المطالبين بتدخل اميركي في سوريا، يندر ان يفطنوا الى هذه النقطة، بل ربما يعتقدون ان اميركا غاوية حروب، او انها مغرمة بإرسال مقاتلاتها لشن غارات حول العالم، وانه من السهل الطلب من الاميركيين التدخل، وان جويا فقط، للاطاحة بالأسد، من دون ممنونية.
بيد ان الاميركيين لن يتدخلوا هذه المرة، بغض النظر عن المأساة الانسانية السورية ومطالبة كثيرين من العرب لواشنطن بالتدخل. ربما لو قرر العرب معاودة التفكير بموقفهم من التدخل الاميركي في العراق، ولو حمل السوريون اعلاما اميركية في تظاهراتهم، كما فعل الليبيون بحملهم اعلاما فرنسية وبريطانية اثناء حرب الناتو ضد معمر القذافي، ربما حينذاك يشعر الأميركيون ان جهودهم لمنع وقوع المزيد من المجازر بحق السوريين مطلوبة ومشكورة في الوقت نفسه.
ولكن حظرا جويا مكلفا ماديا وسياسيا وبشريا، من دون كلمة شكرا، بل مع اصرار عربي على تصوير اميركا على انها وحش عالمي، حتى في نفس الوقت الذي يتم منها الطلب بالتدخل، لن يساهم في قلب المزاج الاميركي العام لمصلحة التدخل.
ولأن اميركا ديمقراطية، ولأن رؤساءها يطالعون استطلاعات الرأي يوميا ويحرصون على الالتزام قدر الامكان بما تريده اكثرية “دافعي الضرائب”، ولأن المزاج الأميركي لن ينقلب قريبا للأسباب التي ذكرناها، فإن فرض اميركا حظرا جويا في سوريا، او حتى المساهمة في حظر دولي، لن تكون اكبر بكثير من تدخلها الطفيف في ليبيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق