الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

الولايات الأميركية المتأرجحة تميل لمصلحة أوباما

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تكثر استطلاعات الرأي حول هوية الرئيس الاميركي المقبل وتتضارب الى حد يجعل من شبه المستحيل استشراف من سيربح في الانتخابات المقررة في 6 نوفمبر. لكن مؤشرا مختلفا قد يشكل الدليل الابرز لفهم استراتيجية الحملتين المتنافستين الديموقراطية والجمهورية: الانفاق الانتخابي.
في هذا السياق، ذكرت مطبوعة «ناشونال جورنال» المتخصصة انه بين تاريخ 6 و16 سبتمبر، انفقت الحملتان الانتخابيتان واللجان الموالية لهما مبلغ 330 مليون دولار ثمنا للاعلانات في الولايات التي فاز فيها الجمهوري جورج بوش الابن في انتخابات 2000 و2004، مثل فرجينيا وفلوريدا واوهايو، ثم عاد الديموقراطي باراك اوباما ليقتنصها في العام 2008. 
اما في الولايات التي فاز فيها المرشحان الديموقراطيان في العامين 2000 و2004، اي نائب الرئيس السابق آل غور والسناتور جون كيري، مثل ولاية ميتشيغان، فلم تشهد حربا اعلانية مشابهة ولم يتجاوز حجم الانفاق الانتخابي فيها، من الحزبين ومواليهما، الثلاثين مليون دولار للفترة نفسها.
هذا الانفاق يدل على رؤية كل من الحملتين لحظوظهما في هذه الولايات، اذ يحاول كل منهما الابتعاد عن الغوص في معارك مكلفة في ولايات يعتقدها خاسرة، كذلك تبتعد الحملتان عن الانفاق في الولايات المضمونة لأي منهما، فينحصر الانفاق في ما صار يعرف بالولايات المتأرجحة حيث حظوظ المرشحين متقاربة.
اما تحديد الولايات المتأرجحة، والتي تجرى على شاشات تلفزتها المعارك الاعلانية الانتخابية والتي تستضيف كذلك معظم المناسبات والخطب الانتخابية التي يقوم بها كل من اوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، فهو تحديد مبني على استطلاعات الرأي الآنية فضلا عن الانتخابات الرئاسية الثلاثة الماضية.
في الانتخابات الرئاسية لهذا العام، معروف سلفا مصير اصوات 40 ولاية من اصل الولايات الخمسين. على سبيل المثال، من المؤكد ان اوباما سيفوز بولايتي كاليفورنيا الغربية، وهي الاكبر انتخابيا وتمنحه 55 صوتا من اصل الـ 270 المطلوبة للفوز، كذلك من المؤكد فوزه في ولاية نيويورك الشرقية وحصد اصواتها الـ 29، فيما اصوات ثاني اكبر الولايات انتخابيا، اي ولاية تكساس الجنوبية واصواتها الـ 38، ستذهب من دون شك الى رومني، او الى اي شخص كان سيرشحه الحزب الجمهوري.
وفي ظل حسم المعركة مبكرا في 40 ولاية، ترتبط حظوظ الفوز بالبيت الابيض بـ «الولايات المتأرجحة» العشرة، وهي اوهايو (18 صوتا انتخابيا)، وفلوريدا (29)، وفرجينيا (13)، وكولورادو(9)، ونيفادا (6)، وآيوا (6)، ونيوهامبشير (4)، وويسكونسن (10) وبنسلفانيا (20) وميشيغان (16). ولكل واحدة من هذه الولايات خصوصيتها، ويسعى كل من المرشحين الى استقطاب معظمها، او اكبرها انتخابيا، من اجل حسم المعركة لصالحه.
اوباما، على الاقل حسب المستشار الرئاسي السابق لجورج بوش الابن واحد اعمدة الماكينة الانتخابية الجمهورية كارل روف، لديه في الوقت الحالي 214 صوتا مؤكدا، فيما بحوزة رومني 154. هذا يعني ان هدف اوباما، في حال استمرت الارقام كما هي عليه حتى موعد الانتخابات، ان يفوز بـ 56 صوتا ليضمن بقاءه في البيت الابيض لولاية ثانية.
اوباما بدوره في وضع فريد انتخابيا، فهو يخالف معظم من سبقه من رؤساء ترشحوا لولاية ثانية، اذ منذ فرانكلين روزفلت والحرب العالمية الثانية، لم يسبق ان فاز اي رئيس بولاية ثانية ومعدل نسبة البطالة يبلغ 8 في المئة او اكثر. ويقول الخبير نات سيلفر ان ارقام استطلاعات الرأي تشير الى ان معظم الرؤساء السابقين مثل وروزفلت، ودوايت آيزنهاور، وريتشارد نيكسون، ورونالد ريغان، وجورج بوش الاب والابن وبيل كلينتون، كانوا يتمتعون بتأييد شعبي مقبول قبل عام من موعد الانتخابات لولاية ثانية. 
الا ان اوباما كان في موقف مختلف، فشعبيته لم تكد تلامس الخمسين في المئة في فترة السنة الماضية، ما جعل من حظوظ فوزه بولاية ثانية تبدو قليلة.
الا ان اوباما اليوم، وقبل 28 يوما من الانتخابات، يبدو بوضع افضل حتى من وضع بوش الابن في الوقت نفسه من فترة اعادة انتخابه.
اما الظروف التي ساعدت اوباما فمتعددة، ويتصدرها الخطاب الاسطوري للرئيس السابق بيل كلينتون في المؤتمر الديموقراطي وما تلى المؤتمر من ارتفاع طبيعي في ارقام تأييد اوباما، يترافق ذلك مع تعثر رومني في خطابه وفي الحصول على اي دفعة شعبية بعد المؤتمر الجمهوري، على غير عادة المرشحين.
وزاد في مشاكل رومني شريط الفيديو الكارثي، الذي يبدو ان حفيد الرئيس السابق جيمي كارتر، سربه الى الاعلام، وفيه يتحدث رومني بعنف ضد 47 في المئة من الاميركيين الذين يعتبرهم من مؤيدي اوباما حتما لانهم يستفيدون من عطاءات الدولة، ولا يدفعون الضرائب، ويعتبرون انفسهم ضحايا النظام الرأسمالي القائم.
وفي وقت لاحق من يوم الثلاثاء، اطل رومني عبر شبكة «فوكس» الاخبارية ليؤكد ثباته على موقفه من ان 47 في المئة من الاميركيين لا يدفعون الضرائب، وهو ما يبدو انه سيمنح مساحة اكبر لمنافسيه الديموقراطيين للاستمرار في الهجوم الكاسح ضده.
كذلك، ما فاقم من مشاكل رومني يبدو انه تغيير دائم في الديموغرافيا السياسية في «الولايات المتأرجحة» وموقفه وموقف حزبه المعاديين للاتحادات العمالية، وهو ما يؤثر سلبا في احتملات فوزه في ولايات غالبية ناخبيها من العمال، مثل ميتشيغان حيث صناعة السيارات الاميركية ومعاملها. 
وعن «الولايات المتأرجحة»، يشير الخبراء الى ان فرجينيا، التي لم تصوت للمرشح الديموقراطي للرئاسة لاربعين عاما قبل ان يسرقها اوباما في العام 2008، يبدو ان تركيبتها السكانية صارت تميل اكثر الى تأييد الديموقراطيين، وهذا يبدو انه يحصل بفضل تزايد كبير في اعداد الاقليات، خصوصا من اصول اميركية لاتينية، وهذه تؤيد الديموقراطيين في غالبيتها، وكذلك في عدد الاميركيين من اصل افريقي، وهم مازالوا يؤيدون اوباما بشكل كاسح.
اضف الى ان ولاية فرجينيا، المجاورة للعاصمة واشنطن، لم تصبها الازمة الاقتصادية بالحدة التي اصابت بقية البلاد نظرا لوجود البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) وآلاف موظفيهما على اراضيها، ونظرا للافادة الملية لسكان الولاية من العقود التي تمنحها الحكومة الفيديرالية للمتعاملين معها، خصوصا من شركات الاسلحة والدفاع. 
واشار احدث استطلاعات الرأي في فرجينيا، الذي اجرته صحيفة «واشنطن بوست»
واصدرت نتائجه اول من امس، الى تقدم اوباما على رومني بفارق كبير بلغ ثمانية نقاط مئوية.
في ولاية ميتشيغان، حيث صناعة السيارات وحيث ترعرع رومني عندما كان والده جورج محافظا للولاية في الستينات، تبدو حظوظ اوباما اكبر من رومني، وذلك بالنظر الى ان اوباما وادارته هبا لنجدة مصانع السيارات الكبرى الثلاثة في خضم الازمة المالية في العام 2009، فيما وقف رومني متفرجا، بل كتب مقالة في حينها في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «لندع ديترويت (اكبر مدينة في الولاية) تفلس»، داعيا الحكومة الى عدم التدخل والى السماح لقوى السوق تحديد مصير المصانع وعمالها.
وفي فلوريدا، كما في فرجينيا، يبدو ان التركيبة السكانية، خصوصا من الاميركيين من اصول اميركية جنوبية من غير الكوبيين الذين يؤيدون الجمهوريين نظرا لخطابهم المتشدد ضد نظام كاسترو، تتغير لمصلحة الحزب الديموقراطي وباراك اوباما.
كذلك يتقدم اوباما على رومني في ولاية نيفادا ولاية زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد، حيث نجح في انشاء ماكينة انتخابية جبارة لحزبه الديموقراطي، وفرض من خلالها عودته الى المجلس في انتخابات 2010، التي انهزم فيها الديموقراطيون، ولكن ريد لم يتأثر على عكس ما كان متوقعا. 
هكذا، ان فاز اوباما في الولايات الاربعة المتأرجحة المذكورة اعلاه، يحصل على
58 صوتا كافية لابقائه في الرئاسة لولاية ثانية. هذه الافضلية في الولايات الاربعة تأتي على خلفية تقدمه في ولايات اوهايو وويسكونسن، ومع احتمال بقاء بنسلفانيا في حوزة الديموقراطيين كما درجت عليه العادة. 
اما اذا حصد اوباما الولايات المتأرجحة جميعها ومجموع اصواتها الانتخابية 125، وهي احتمالية غير بعيدة، يتعدى بذلك عتبة الـ 325 صوتا، وهو ما يجعل من فوزه اكتساحا وتفويضا لبقائه بقوة رئيسا للسنوات الاربعة المقبلة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008