الخميس، 20 سبتمبر 2012

نيوزويك، وايان هرسي علي، والجهل عبر المحيطات

حسين عبد الحسين

بعد أسبوع من التغطية الاعلامية الاميركية للتظاهرات المنددة بالفيلم المسيء للاسلام، وبعد جولات وصولات وحوارات طويلة وترداد ممل للسؤال “ماذا يريدون”، اي المسلمون، و”لماذا يكرهوننا”، لم يصدف ان اطل اي وجه عربي او مسلم عبر الاعلام الاميركي كي يقدم وجهة نظر عقلانية حول الذي يحصل في بعض المدن الاسلامية، وسبب التحفظ الاسلامي على الفيلم، وسبب انفلات الامور في بعض الحالات كما في ليبيا ومصر.

معظم العرب والمسلمين، من المقيمين في الولايات المتحدة، شنوا هجوما على الاعلام الغربي، واقحموا مظالم اخرى: بعضهم تحدث عن القضية الفلسطينية، وآخرون عن حرب لبنان واسرائيل، وبعضهم اعترض على صورة في مجلة، او عبارة في نشرة اخبار، وهكذا دواليك، فكانت النتيجة ان ازدادت فوضى الاميركيين وتخبطهم في فهم ما جرى في بنغازي او القاهرة.

ولم يسعف غياب الصوت المسلم، او العربي، ظهور جحافل من المحللين والخبراء الاميركيين العديمي الدراية بالموضوع عل شاشات التلفزة.

ليز تشيني، على سبيل المثال، الناشطة الجمهورية وابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، اطلت على شبكة “اي بي سي” لتحمل مسؤولية ما حصل للرئيس باراك اوباما وتتهمه بالتقاعس وبتخليه عن “تشيكوسلوفاكيا”، ويفوتها ان تشيكوسلوفاكيا تفتت في التسعينات.

اما مجلة نيوزويك، فلم تجد من بين خبرائها لكتابة مادتها الرئيسة هذا الاسبوع حول “الغضب الاسلامي” الا “ايان هرسي علي”، وهي كينية مسلمة، هاجرت الى هولندا، واكتسبت الجنسية هناك، وشاركت مع ثيو فان غوغ في انتاج فيلم اعتبره عدد من المسلمين مسيئا لهم. علي، التي تعتبر نفسها “مرتدة” بحسب الاسلام، تعيش في الولايات المتحدة تحت حراسة امنية مشددة.

مقالتها في نيوزويك، بالكاد تطرقت لاحداث الاسبوع، بل تحدثت عن سلمان رشدي، وعن تجربتها في هولندا، وعن الحياة في ظل الحماية الامنية، وهذه هزالة اعلامية نظرا لان الصورة الرئيسة التي تصدرت المجلة ورافقت العنوان هي لمتظاهرين في احدى العواصم العربية.

علي كتبت: “حتى مؤخرا، كان من الممكن الشعور بالذنب للجماهير في ليبيا لانهم كانوا يعانون من قبضة ديكتاتور غاشم، ولكن اليوم، لم يعودوا رعايا، بل اصبحوا مواطنين”. هكذا، بجملة واحدة، شملت علي خمسة ملايين ليبي وحملتهم مسؤولية التظاهرة في بنغازي ومقتل السفير الاميركي. طبعا لم تشر الى التظاهرات الليبية التي جرت اعتذارا لاميركا واحياء لذكرى سفيرها المغدور كريس ستيفينز، فالليبيون برأي علي، العالمة بالحريات والديمقراطية، جسم واحد ورأيهم واحد وتظاهراتهم واحدة.

وفي تعميم آخر، اوردت علي ان “علينا”، اي “نحن الغربيين”، ان نفهم ان الليبيين “حسموا خيارهم بحرية، وخيارهم هو رفض الحرية كما يفهمها الغرب”. والمشكلة هنا انه يبدو ان علي لا تفهم حتى الغرب، فالحرية في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، هي موضوع اخذ ورد يومي: هل يحق لمثليي الجنس الزواج، هل يحق للمرأة الاجهاض وما الى هنالك من انقسامات. وفي موضوع الاجهاض، قد يفيد تذكير علي ان بعض المتطرفين المسيحيين الاميركيين يلاحقون الاطباء الذين يجرون عمليات اجهاض ويقتلونهم، مما يحتم على هؤلاء الاطباء ممارسة عملهم سرا او تدبير حماية مشابهة للتي تتمتع بها السيدة علي. تحصل هذه الاعتداءات في ام الحرية اميركا، وهذا لا ينتقص من متانة النظام الاميركي او انتشار تقاليد احترام الحرية عموما، على الرغم من بعض الاستثناءات.

على قنوات الراديو والتلفزيون الاميركية فوضى لا تشمل الاسلام فحسب، بل تشمل كيف ينظر بعض الاميركيين حتى الى حريتهم المكفولة في التعديل الاول من الدستور. متصلون يزعمون انهم شاهدوا جيرانهم من العرب او المسلمين يخططون لاقامة دولة الشريعة في ولايتهم، وآخرون يتحدثون عن كتاب يكشف المؤامرة الاسلامية، وهكذا احاديث وتلفيقات من طراز الذي اعتاد بعض العرب سماعه في بلدانهم حول الغرب ومؤامراته المزعومة ضد العرب.

وحدها مجلة نيويوركر، الرصينة، ارسلت مراسلها بيتر هسلر الى المنطقة الممتدة بين ميدان التحرير والسفارة الاميركية في القاهرة. كتب هسلر: “المتظاهرون يرمون الحجارة، ثم يجمعها الشرطة ويرمونها على المتظاهرين، وهكاذ دواليك، لساعات من دون توقف”. واورد هسلر ان الحياة في القاهرة، خارج هذين الشارعين، طبيعية جدا، وكل مصري مشغول بأمور يومه.

يتحدث هسلر الى المتظاهرين المصريين، فيجد ان اكثر ما يحيرهم هو عدم فهمهم لعدم قيام الحكومة الاميركية بمنع الفيلم او اعتقال منتجيه، ملمحا الى ان في اميركا، لا يمكن لاي حكومة منع اي رأي بموجب الدستور. ويختم بالقول ان بعد ساعتين على حديثه الى عدد من المتظاهرين، عثر هسلر على شاب مصري واحد ممن شاهدوا اجزاء من الفيلم، وهو ما يشي بأن اكثرية المتظاهرين حول العالم لم يتسن لها حتى حضور الفيلم السيء الانتاج، بل هم شاركوا في فورة شعبية غير معروف من اشعلها اصلا.

في الغرب ايضا، يبدو سوء الفهم سيدا. “في العام 1989، عندما كنت 19، شاركت بكل ايمان وسرور في تظاهرة في كينيا لاحراق كتاب رشدي آيات شيطانية. لم اكن قد قرأته”، تقول علي، وهو ما يدفعنا الى التساؤل: ما هي الامور الاخرى التي تتحدث عنها علي، ومعظم الخبراء الغربيين كما المتظاهرين العرب، من دون ان تكون قد قرأتها او تعرف عنها؟

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008