الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

سياسة أميركا الخارجية.. عود على بدء؟

حسين عبد الحسين

من بين أربعة رؤساء أميركيين سابقين مازالوا على قيد الحياة، اثنان منهم يثيران الحرج اليوم ويحاول العاملون في السياسة في العاصمة الأميركية الابتعاد عنهما قدر المستطاع: الديمقراطي جيمي كارتر، الذي خرج من البيت الابيض في العام 1980 يجرجر أذيال الخيبة مع اقتصاد متهاو وثورة إيرانية تحتجز رهائن أميركيين، والجمهوري جورج بوش الابن الذي توج حربيه في العراق وافغانستان بأزمة مالية حادة ادت الى “الركود الكبير” ابان خروجه في العام 2008.

كارتر يعرف ان صورته في الذاكرة الشعبية متدنية الى حد ان حزبه الديمقراطي لا يستدعيه الى اي من فعالياته، فهو على سبيل المثال لم يحضر مؤتمر الحزب الديمقراطي الاخير الذي رشح الرئيس باراك اوباما لولاية ثانية والذي لمع فيه الرئيس السابق بيل كلينتون.

لكن كارتر وعددا من اركان ادارته، مثل مستشاره للامن القومي زبيغنيو بريزينسكي، يتصرفان وكأن الامر لا يعنيهما، بل يستمران في العمل العام حيث أسس كارتر مركزا خاصا به يعنى بمراقبة الانتخابات حول العالم، واصدر أخيرا كتابا عن ذكرياته في الحكم، قدم نفسه فيه على انه من أحسن الرؤساء في تاريخ البلاد.

الرئيس الآخر الذي خرج ونائبه من الحكم واستطلاعات الرأي تشير الى ادنى شعبية لهما في التاريخ الاميركي الحديث هو بوش الابن، لكن بوش انكفأ تماما بعد خروجه من البيت الابيض، ولم يدل منذ ذلك الحين الا بثلاثة خطابات، مدفوعة التكاليف، اثنان منها خارج الولايات المتحدة. حتى كتاب مذكراته في الحكم، لم يعطه بوش الاهتمام اللازم اعلاميا ولم يقم بجولات تسويقية للكتاب.

ومنذ خروج بوش من الحكم، صارت معظم سياساته، خصوصا الخارجية، تثير الحرج لدى معظم السياسيين الاميركيين الذين حاولوا الابتعاد عنها، حتى لو كانوا من مؤيديها في الماضي.

هكذا، صار التدخل العسكري الاميركي في اي بقعة من العالم، وخصوصا في الشرق الاوسط مثل توجيه ضربة الى ايران لمنعها من حيازة سلاح نووي او التدخل في سوريا لحسم الحرب الدائرة لمصلحة الثوار ضد بشار الاسد، صار هكذا تدخل محرما الحديث عنه أو تأييده.

التحرج من سياسات بوش بدا جليا في المناظرة بين نائب الرئيس جو بايدن ومنافسه الجمهوري عضو الكونغرس بول رايان، الاسبوع الماضي، عندما توجه نائب الرئيس الى رايان بصراحة وقال له: قل لي ما الذي ستفعلونه في سوريا مختلف عما نفعله نحن؟ هل ستضعون احذية اميركية على الارض السورية؟ هل سترسلون مقاتلات اميركية الى سماء سوريا؟ ولم يكن من بول رايان الا ان اجاب بالنفي، على الارجح بسبب اعتقاده ان الحديث عن دخول اميركا في اي حرب جديدة سيكون مكلفا سياسيا وشعبيا للجمهوريين قبل اقل من شهر على الانتخابات.

الا ان سياسة تبني “عكس كل ما فعله جورج بوش” يبدو انها قاربت نهايتها، فمقتل السفير كريس ستيفينز في ليبيا، والمؤشرات التي تدل على انفلات الامور في سوريا وصعود التيارات الجهادية المعادية للولايات المتحدة فيها، كذلك مضي ايران في تخصيب اليورانيوم واحتمال اقترابها من صناعة سلاح نووي، كل هذه الامور صارت تشير من وجهة نظر بعض الاميركيين الى ان صيام اميركا التام عن استخدام قوتها العسكرية قد يكون مبالغا به بعض الشيء، ويجدر مراجعته.

وفي هذا السياق، كتب احد ابرز المثقفين والتر راسيل ميد، وهو محسوب على الجمهوريين، ان طول الانتظار في سوريا هو الذي يدفع الامور الى المزيد من التأزيم. وكتب ميد في صفحة “المصلحة الاميركية” في ما يبدو انه مؤشر لبدء الاميركيين في اعادة النظر في سياستهم الخارجية الحالية: “من غير الواضح اليوم ان الشرق الاوسط افضل مما كان عليه قبل اربع سنوات أو ان المصالح الاميركية مؤمنة بشكل افضل”.

هل يعني ذلك عودة اميركا الى سياساتها الخارجية التي انتهجتها في زمن بوش الابن، او الى سياسة شبيهة لها؟

الايام المقبلة تحمل الاجابة، بغض النظر عن هوية الرئيس الذي سيتم انتخابه في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق