الاثنين، 19 نوفمبر 2012

الولايات المتحدة المكتفية نفطياً تهجر الشرق الأوسط وتتفرغ لـ «الأقصى»

| واشنطن - حسين عبدالحسين |

لا يصدق العالم أن الولايات المتحدة تبتعد عن الشرق الأوسط برغبتها. كثيرون يعتقدون أن تراجع دور أميركا في المنطقة هو بسبب أفول نجمها كقوة عظمى، والبراهين واضحة في ضعضعة اقتصادها، وخوار قواها إثر حربي العراق وافغانستان، وصعود قوى عالمية منافسة تتصدرها الصين، وعودة روسيا القيصرية البوتينية. 
ويقول التقرير السنوي الصادر هذا الاسبوع عن «وكالة الطاقة الدولية»، ومقرها باريس إنه «مع حلول العام 2020، من المتوقع ان تصبح الولايات المتحدة اكبر دولة منتجة للنفط في العالم، متجاوزة المملكة العربية السعودية، وفي نفس الوقت تظهر نتائج إجراءات زيادة الفاعلية في تقنية قطاع النقل».
ويضيف التقرير أن «النتيجة ستكون استمرارا في انخفاض كمية النفط الذي تستورده الولايات المتحدة الى درجة ان اميركا الشمالية ستصبح مصدرة للنفط مع حلول العام 2030»، وهو ما يعني ان اميركا ستتحول من دولة تستورد نحو 20 في المئة من استهلاكها البالغ 10 ملايين برميل نفط يوميا، الى دولة مكتفية ذاتيا ومصدرة للنفط الخام. 
كما في النفط، كذلك في الغاز الطبيعي، حققت الاكتشافات العلمية معجزات على صعيد استخراج هذه المادة من باطن الارض بتكلفة تنافسية، ومن المتوقع ان تصبح الولايات المتحدة المصدر الاول في العالم للغاز الطبيعي المسال في العام 2015، حسب التقرير نفسه. 
ويشير مسؤولون اميركيون الى مفارقة مفادها ان الحكومة سمحت ببناء منصة لاستيراد الغاز المسال في ولاية لويزيانا الجنوبية، ويقول هؤلاء: «اليوم، صرنا نستعمل هذه المنصة لتصدير الغاز الاميركي الى العالم بدلا من استيراده».
الرئيس الاميركي باراك اوباما يدرك التحولات الجذرية المقبلة على قطاع الطاقة في بلاده، وهو ما ساهم في تعزيز رأيه القائل بوجوب «ادارة محور» السياسة الاميركية من الشرق الاوسط الى الشرق الأقصى لمواجهة الصعود الصيني بدلا من التلهي بحروب صغيرة وجانبية في منطقة تستنزف الاموال والدماء الاميركية مع مردود منخفض في السياسة والاقتصاد. وبعكس الاشهر الستة لولايته الاولى التي زار خلالها اوباما تركيا والعراق والسعودية ومصر، يبدأ اوباما ولايته الثانية بزيارة تايلند، السبت «لتكريس 180 عاما على الصداقة والتعاون بين البلدين» بحسب بيان البيت الابيض، ينتقل بعدها الى ميانمار التي تشهد زيارة رئيس اميركي اليها للمرة الاولى في تاريخها حيث يلقي خطابا حول الديموقراطية ويحث على الاصلاحات في البلاد. ومن المتوقع ان يصل اوباما بنوم به، عاصمة كمبوديا، يوم الثلاثاء حيث يشارك قي قمة دول «جنوب شرق آسيا»، وحيث سيعقد اجتماعات مع رئيسي الوزراء الصيني وين جياباو والياباني يوشيهيكو نودا. «جنوب شرق آسيا هو المستقبل الاقتصادي، وهو حيث الاقتصادات الكبرى تتنافس، وهو حيث الولايات المتحدة ستكون في طليعة الدول المشاركة في العجلة الاقتصادية هناك استيراداً وتصديراً»، يقول مسؤول في الادارة الاميركية في جلسة مغلقة للدردشة حول رحلة الرئيس المقبلة. 
ويلفت المسؤول الاميركي انه في سنوات رئاسته الاربع، زار اوباما كوريا الجنوبية ثلاث مرات، لتحل في المرتبة الثانية بعد فرنسا الاولى بأربع زيارات ومتقدمة على حلفاء واشنطن الاقربين بريطانيا والمانيا وكندا التي زار كلاً منها مرتين. 
واثمرت زيارات اوباما سيول توقيع اتفاقية تجارة حرة بين البلدين، ويعتقد المسؤول الاميركي ان سبب تصدر شركة «جي ام» مبيعات السيارات في العالم بتسعة ملايين سيارة سببه اتفاقيات كتلك الموقعة مع الكوريين الجنوبيين.
وبالحديث عن الزيارات، ما زال أصدقاء اسرائيل في الولايات المتحدة يأخذون على الرئيس الاميركي عدم قيامه بأي زيارة لاسرائيل منذ انتخابه رئيسا، على ان اوباما لم تطأ قدماه الشرق الاوسط عموما منذ زيارته الشهيرة الى مصر في يونيو 2009.
والمستمع الى حديث اوباما يستشف ان الرجل احبط مبكرا من مواضيع الشرق الاوسط، فهو راهن على التوصل السريع الى سلام عربي اسرائيلي، وفي ديسمبر 2010 اعترف في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» أنه لم يكن يعلم ان الموضوع بهذا التعقيد. ثم حاول اوباما ان يجعل من العراق دولة حليفة، وحاول ان يتوصل الى اتفاقية تبقي عدد من القوات الاميركية هناك، بينهم مدربون عسكريون، على غرار ما تفعله واشنطن مع جميع حلفائها حول العالم. إلا ان الجدل العراقي اقنع الرئيس الاميركي بأن الموضوع اضاعة لوقته، فتخلى عن العراق، الذي استثمرت فيه واشنطن الكثير والذي كان من المتوقع ان يتحول الى حليفها الابرز في المنطقة.
وينقل مسؤولون انه في احدى جلسات «مجلس الامن القومي»، تساؤل اوباما حول جدوى التركيز على الشرق الاوسط، وان الجواب الوحيد كان «الدفاع عن حلفائنا»، اي اسرائيل، فرد اوباما انه يمكن فعل ذلك عسكريا «من دون الغوص في تفاصيل تشكيل حكومة في بغداد او كتابة دستور في القاهرة»، وان «اسرائيل متفوقة عسكريا على خصومها العرب، ولا حاجة لوجود اميركي دائم في المنطقة لهذا السبب».
لكن إيران تهدد اسرائيل، وهو ما يدفع اوباما الى محاولة وقف الطموح النووي الإيراني. هكذا، أعلن اوباما صراحة في مؤتمره الصحافي، اول من امس، ان خيار الحل الديبلوماسي ما زال مطروحا امام الايرانيين، وانه «لا يعرف ان كانت ايران ستخرج من الباب المطلوب ان تخرج منه» لحل الازمة، ولكنه المح، وهو ما يعرفه المقربون منه، انه سيمنع ايران من انتاج سلاح نووي بأي ثمن، وهي الحالة الوحيدة التي سيستخدم فيها قوة بلاده العسكرية في المنطقة.
لكن بعيدا عن الازمة الايرانية، لا تقلق منطقة الشرق الاوسط اوباما كثيرا، وهو ان كان يتعاطف مع ضحايا بشار الاسد في سورية، الا انه لا يعتقد ان على بلاده لعب دور الشرطي، وان عليها ان تشارك في الحل من خلال اطار المجتمع الدولي واصدقاء واشنطن الاقليميين فقط.
وعليه، تدل كل المؤشرات أن التوجه الاميركي في السياسة الخارجية، في عهدة اوباما، هو الابتعاد عن الشرق الاوسط. اما الآن والتقارير النفطية تشير الى ان اميركا في طرقها الى الاكتفاء الذاتي النفطي، المحرك الاول لمصالح اميركا في المنطقة في الماضي حسب رأي كثيرين، لا سبب بعد الآن للغوص في وحول هذه المنطقة وحروبها اللامنتهية من وجهة النظر الاميركية.
في هذه الاثناء، سينشغل اوباما في مضاعفة صادرات بلاده، حسب وعوده، وهي ارتفعت بنسبة النصف منذ تسلمه الحكم، وسيعمل على خلق وظائف لمواطنيه، وسد العجز السنوي في الموازنة، واقامة احلاف عسكرية مع الدول المحيطة بالصين، والتأكد من ان اسواق هذه الدول، ذات الكثافة الشعبية والايرادات التي ترتفع مع مرور الوقت، تقبل على شراء البضائع الاميركية.
الشرق الاوسط، في عهد اوباما، لم يعد في الاهمية الاستراتيجية ذاتها التي كان عليها عند الادارات السابقة المتعاقبة على مدى العقود الماضية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق