الأحد، 13 يناير 2013

ترشيح هيغل وزيراً للدفاع مازال مثيراً للجدل في أميركا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في مقهى «نيسبريسو» المطل على جادة ماديسون في مدينة نيويورك، جلس عدد من الصحافيين الاميركيين والعرب يدردشون في مواضيع الساعة، منها ترشيح الرئيس باراك اوباما للسناتور الجمهوري السابق عن ولاية نبراسكا تشاك هيغل الى منصب وزير دفاع ليخلف ليون بانيتا المتقاعد.

وهم في مجلسهم، لمح الصحافيون احد المقربين من السناتور الديموقراطي عن ولاية نيويورك تشاك شومر يمر امام المقهى، فتبادلوا السلام وانضم اليهم، ليخبرهم انه خرج للتو من لقاء فطور في مطعم «وينتر»، القريب جدا والواقع على جادة «بارك» المحاذية. الفطور عقده كبار اركان المنظمات اليهودية الاميركية من المقيمين في المدينة، وحضره شومر، وطغى على اللقاء موضوع ترشيح هيغل.

«انا لا اشعر بالارتياح تجاه هذا الترشيح، وينتابني بعض القلق»، ينقل المقرب من شومر عنه قوله لمسؤولي المنظمات اليهودية - الاميركية، وهو شعور يعكس مزاج كثيرين من المعنيين بالسياسة الخارجية الاميركية، وخصوصا الشرق اوسطية، ممن يعتبرون ان واشنطن متراخية في التعامل مع تمدد النفوذ الايراني في المنطقة.

وفي الحالة اليهودية، زيادة في القلق تجاه احتمال تحول ايران قوة نووية، مع ما يشكله ذلك من خطر على أمن اسرائيل ومستقبلها.

منذ ترشيح هيغل الاسبوع الماضي، اعتبر كثيرون ان المصادقة المطلوبة عليه في مجلس الشيوخ ستمر من دون عرقلة تذكر. 

اللوبي الموالي لاسرائيل، المعروف بـ «ايباك»، حبس انفاسه ولم يصدر عنه مواقف معارضة للترشيح، فهذا اللوبي، ورغم قوته ونفوذه، يختار معاركه بحنكة، وهو على الارجح لا يريد الظهور في موقف المعادي للرئيس الاميركي، او في صف هذا الحزب ضد ذاك، فـ «ايباك» مجموعة تعمل على حصد تأييد اميركي من الحزبين، ولا مصلحة للدخول في مواجهة داخلية كهذه قد تنعكس على العلاقات سلبا مع الرئيس او مع بعض الديموقراطيين.

في الوقت نفسه، كانت معظم التوقعات بين الخبراء تجمع على ان جلسة المصادقة على جون برينان مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي اي» هي التي ستكون مثيرة للجدل، نظرا لاعتبار كثيرين ان برينان هو مصمم حملة اغتيالات كوادر «تنظيم القاعدة» بطائرات من دون طيار، بمن فيهم اليمني حامل الجنسية الاميركية انور العولقي، ما يثير قلق بعض الاميركيين الذين يطالبون بتوضيحات حول آلية اتخاذ القرار بالتصفية التي تشبه حكم الاعدام. 

كما يطالب اميركيون ان تتضمن قرارات التصفية هذه عددا اكبر من الاشخاص، ربما قضاة او اعضاء في الكونغرس، حتى لا ينحصر تنفيذ العدالة بيد السلطة التنفيذية، وهو ما يعتبر تجاوزا ضد مبدأ فصل السلطات.

لكن يبدو انه على رغم صمت اللوبي الاسرائيلي ضد هيغل، لن تكون المصادقة على برينان وحدها الحامية الوطيس، بل قد تؤدي المصادقة على هيغل كذلك الى اثارة مواجهة سياسية داخل الحزب الديموقراطي نفسه، وداخل الحزب الجمهوري ايضا الذي ينقسم على نفسه حول دعم هيغل الجمهوري، او مواجهته بسبب انضمامه الى ادارة ديموقراطية.

عادة، لا تثير معارضة سناتورا واحدا مشكلة لدى البيت الابيض، الذي عمد العاملون فيه الى الاتصال بجميع اعضاء مجلس الشيوخ لحشد التأييد وللحصول على الاصوات المطلوبة للمصادقة على برينان وهيغل وجون كيري، علما ان كيري لا يحتاج الى تزكية، فهو ما زال سناتورا ويترأس «لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ» ومن المتوقع ان يمر تعيينه بسهولة.

لكن عندما تأتي المعارضة ضد ترشيح هيغل من سناتور بارز مثل شومر، وهو الثالث في التراتبية الحزبية لدى الديموقراطيين داخل مجلس الشيوخ، يشعر البيت الابيض بالقلق، ويضاعف من مجهوده لحشد التأييد لهيغل.

في هذه الاثناء، برزت الى الواجهة معطيات تشير انه لطالما كان هيغل مقربا من اللوبي الموالي لنظام بشار الاسد داخل العاصمة الاميركية. 

صفا رفقا على سبيل المثال، وهو طبيب لبناني - اميركي وناشط في الجالية العربية، اطلق عليه السفير السوري السابق في واشنطن عماد مصطفى لقب «افضل اصدقائي» على مدونته. وتظهر تقارير التبرعات الانتخابية انه بين 1995 و2006، سدد رفقا مبلغ 7550 دولارا اما لحملة هيغل الانتخابية او للوبي «ساندهيلزباك»، الذي كان هيغل يترأسه.

ورفقا كان من اكثر المناوئين للثورة السورية اثر اندلاعها، وكان رئيسا «للجنة العربية الاميركية لمكافحة التمييز» حينما قامت بمنع عازف البيانو السوري مالك جندلي من لعب معزوفة، في حفلها السنوي في واشنطن، وكانت المعزوفة بعنوان «وطني» لتأييد التظاهرات ضد حكم الرئيس بشار الاسد. وفي وقت لاحق، اعتدى موالون للنظام على جندلي الاب والام في سورية.

كذلك رندة فهمي، وهي وترأس شركة لوبي عملت في الماضي لمصلحة انظمة عربية انهارت أخيرا، تبرعت في العام 2005 بمبلغ الف دولار لـ «ساندهيلز باك».

ويرد في تقارير التبرعات الانتخابية اسماء عرب، سوريين ولبنانيين وغيرهم، من المعروفين بتأييدهم للأسد وللرئيس اللبناني السابق اميل لحود ولسياسيين لبنانيين آخرين موالين للأسد، كلهم تبرعوا لهيغل، الذي التقى الرئيس الراحل حافظ الاسد في 1998 وقال ان «السلام يأتي من خلال الحوار مع الآخرين لا من خلال الحراب والبنادق».

ولقربه من اللوبي الموالي للاسد ولايران، صوّت هيغل في مجلس الشيوخ العام 2007 ضد ادراج «الحرس الثوري الايراني» على لائحة التنظيمات الارهابية، بعدما قدم عدد من الاعضاء قانونا بذلك وعللوه بقيام هذا التنظيم الايراني «بتخطيط وتشجيع والمشاركة بقتل» جنود اميركيين في العراق.

هذه الهالة المحيطة بهيغل والتي تشير الى ميله نحو تأييد النظامين السوري والايراني، هي التي تدفع كثيرين الى معارضته، ان كانوا من المؤيدين لاسرائيل اومن المعارضين لها، كذلك من الديموقراطيين الاميركيين مثل شومر والمقدمة المعروفة في شبكة «ام اس ان بي سي» رايتشل مادو، ومن الجمهوريين المعروفين من امثال بيل كريستول و»شبكة فوكس» اليمينية بأكملها. ومع ان المعارضين، وخصوصا في مجلس الشيوخ، قد لا يذهبون حتى النهاية في معارضة مكلفة سياسيا، اذ يخشى المعارضون ان تتهمهم الادارة بعرقلة عملها، فان جلسة الاستماع وعملية المصادقة التي ستليها، يبدو حتى الآن انها ستكون حامية جدا ومثيرة للجدل.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008