الأربعاء، 16 يناير 2013

هم ونحن.. العلم والخرافة

حسين عبد الحسين 

يقول دايفيد أكسلرود كبير مستشاري الرئيس باراك أوباما إنه أثناء مناقشة جدوى قيام الحكومة الأميركية بإنفاق مئات مليارات الدولارات من أجل إنقاذ قطاع السيارات المتهالك في العام 2009، “لم ينظر الرئيس إلي، بل استمع الى آراء وزرائه ومستشاريه الاقتصاديين، وشعر بأن تدخل الحكومة خطوة ضرورية”. ويضيف: “بعدما أعلن قراره بالتدخل، وقفت واقتربت من طاولة الاجتماع وقلت له، السيد الرئيس، اعتقد انه من واجبي ان اعلمك بأن استطلاعاتنا للرأي تشير الى ان خطوة الانقاذ المالية لقطاع السيارات غير مرغوبة شعبيا”.

أكسلرود يروي الواقعة للدلالة على أن اوباما قرر التدخل لانقاذ هذا القطاع من دون اعتبارات انتخابية، خصوصا بعدما اظهرت نتائج انتخاب اوباما لولاية ثانية ان ولاية أوهايو، التي كان يظن البعض انها متأرجحة بين الحزبين والتي يعتمد اقتصادها على عمل مصانع السيارات، اقترعت له بكثافة، وان سكان الولاية أيدوا أوباما لأن حكومته انقذت هذا القطاع الذي عاد الى سابق ازدهاره.

لكن رواية أكسلرود تظهر ان الرئيس الأميركي، كما الزعماء في معظم الديمقراطيات الغربية، يدرسون قراراتهم بتمحيص، ويستمعون الى الآراء المتوفرة كافة، ويأخذون قراراتهم أحيانا لا بناء على ما هو مرغوب شعبيا فقط، بل ما يعتقدونه الأفضل في مصلحة بلادهم وشعبهم لأنهم يفكرون في ما سيكتبه التاريخ عن عهدهم وعن آدائهم أثناء حكمهم للبلاد.

“إذا عملتم بجهد والتزمتم قوانين اللعبة، لا بد من ان تتقدموا على غيركم (في الحياة)،” يقتبس فرانك لونتز، وهو خبير اميركي لاستطلاعات الرأي الشعبية، عن أوباما قوله، ويضيف لونتز: “هذه الجملة كانت للجمهوريين، وأوباما سرقها منهم، وحان الوقت لاستعادتها منه”.

ويستفيض لونتز في مقالة في “واشنطن بوست” عن ضرورة إجراء تغييرات “في رسالة الحزب الجمهوري الى الأميركيين”، ويضرب أمثلة بالقول: “بدلا من المطالبة بحكومة صغيرة، يجدر (بالجمهوريين) الحديث عن حكومة كفوءة وفعالة، فالعبارة الاولى عقائدية وتعود الى لغة الثمانينات، اما الثانية فهي اللغة العملية اليوم”.

ويضرب لونتز مثالا آخر حول ضرورة العناية بالعبارات التي يقدمها الجمهوريون للأميركيين، ويقول: “اوباما يسأل أميركا، هل يجب على الاغنياء دفع المزيد من الضرائب، و60 في المائة من المستطلعين يجيبون نعم، ولكن اذا ما قلبنا السؤال إلى، هل يجب على الحكومة ان تأخذ ضرائب أكثر، تأتي الاجابة لا ساطعة”.

رواية اكسلرود ومقالة لونتز تظهران ان السياسة في أميركا فن: القرارات مدروسة بعناية وفقا لتأثيرها ولشعبيتها، والتصريحات مدروسة كذلك وفقا لتأثيرها على آراء الأميركيين.

واذا ما أجرينا مقارنة سريعة بين الديمقراطية الأميركية ونظيرتها المصرية الناشئة، لرأينا فارقا مهولا.

فمنذ انتخابه، اتخذ الرئيس المصري محمد مرسي عددا من القرارات التنفيذية، التي تبدو أنها اقرب الى العشوائية منها الى أي شيء آخر. حاول إلغاء قرار القضاء حل البرلمان، فلم ينجح، ثم اتخذ قرارا بمصادرة بعض صلاحيات السلطة القضائية، فأثار قراره عاصفة اعتراضات ومواجهات شعبية، فتراجع عنه، ثم اتخذت حكومته قرارا بوقف الدعم الحكومي لبعض السلع وزيادة بعض الضرائب، فأثارت تظاهرات وغضبا شعبيا، فتراجعت عن قراراتها ولكنها خسرت قرضا كانت تنوي الحصول عليه من “صندوق النقد الدولي”.

وفي وقت لاحق، اجرى مرسي حركة تغييرات حكومية، مع ان حكومته لم تتشكل منذ فترة بعيدة، ولم يعرف السبب خلف هذه التغييرات الحكومية، او الحكمة منها، وعلى اي اساس جرت.

ثم يخرج مرسي في مقابلة مع مجلة تايم، فيتحدث عن فيلم “كوكب القردة” بطريقة مبهمة، حتى الذين اجروا معه المقابلة كتبوا انهم لم يفهموا مقصده او سبب استخدامه الفيلم للتشبيه.

وفي يوم آخر، حديث لمرسي عن السياسة الخارجية معظمه بالسلب وباستخدام عبارة “لا لكذا ولا لكذا”، ثم تصريح ضد من يسميهم “فلول مبارك”، وتصريح آخر حول انخفاض احتياطي النقد في المصرف المركزي، لكنه يعطي الرقم بالجنيه المصري، وهو ما يجعل من تصريحه مبهما لأن النقد المصري ممكن لحكومة مرسي طباعته بينما الاحتياطي غالبا ما يقاس بالعملات الاجنبية، وهو ما اظهر وكأن مرسي وفريقه لا يفهمان في الاقتصاد ولا يعرفان عن ماذا يتكلمان.

في واشنطن قرارات مدروسة وتصريحات مرسومة، وفي القاهرة، تخبط في القرارات التي تتخذ بنفس السرعة التي يتم التراجع عنها، وتصريحات مبهمة باللغتين وعدم إلمام بالمواضيع، وهو ما يجعل المتابع يعتقد وكأنهم يعملون في العلوم، فيما نحن نمارس التنجيم والخرافة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق