الأربعاء، 10 أبريل 2013

السيف أصدق أنباء من الكتب

حسين عبدالحسين

يتداول مثقفون في العاصمة الأميركية طرفة مفادها أن عددا من مناصري «حزب الوسط» قرروا أن يتظاهروا أمام البيت الأبيض، فراح قائد التظاهرة يصرخ «متى تريدون التغيير التدريجي»، فيرد المتظاهرون «نريده في وقته».
والوسطيون هم غالبا من المعتدلين، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ممن خرجوا من حزبيهما بسبب إيغال كل من الحزبين في اندفاعاته سياسيا وشعبويا، الأول نحو أقصى اليسار والثاني نحو أقصى اليمين.
أما العبرة من الطرفة فهي أن الوسطيين والمعتدلين لا يمكنهم القيام بثورات، فشعاراتهم في التظاهرات طويلة يصعب تردادها، ومعقدة يصعب فهمها، فيما لا يمكن لأي حركة سياسية أن تولد الزخم المطلوب للتغيير من دون الشعارات الشعبوية، وإن كانت هذه خاطئة وزائفة، لكنها تثير حماسة المواطنين العاديين وتدفعهم تاليا إلى التبرع بالأموال الانتخابية، والوقوف في صفوف الاقتراع ساعات طويلة، والمشاركة في التظاهرات بكثافة عند الحاجة.
لكن على الرغم من الصعوبات شعبيا، غالبا ما تحاول تيارات أميركية تقدم نفسها ك«خط ثالث» بديل عن الديمقراطيين والجمهوريين تغيير الوضع السائد، وتطالب بالتخلي عن الثنائية الأميركية المقفلة التي تحتكر الحياة السياسية.
وفي انتخابات العام الماضي في الولايات المتحدة، برزت من بين هذه التيارات مجموعة «أميركيون ينتخبون»، وكان أبرز الداعمين لها المعلق المعروف في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان.
في ذلك الحين، حازت المجموعة على دعم مالي من ممولين كبار في سوق الأسهم «وول ستريت»، وفازت ببعض الاهتمام الإعلامي كذلك. إلا أن نتائجها، كسالفاتها من التيارات الأميركية الوسطية، جاءت مخيبة للآمال، إذ انتزع مرشح الحزب الديمقراطي الرئيس باراك أوباما 65 مليون صوتا، فيما حاز منافسه الجمهوري ميت رومني على 60 مليونا، وتقاسم ستة مرشحين مغمورين للرئاسة أربعة ملايين صوت.
في معظم الدول العربية، وإيران، مشكلة مشابهة، إذ يصعب للمثقفين والمعتدلين أن ينافسوا الضوضاء والشعبوية.
على أن الفارق الأبرز بين الأميركيين، من جهة، وبين العرب والفرس، من جهة أخرى، هو حضور العنف عربيا وفارسيا وغيابه أميركيا، فالثورة ضد نظام بشار الأسد في سوريا، على سبيل المثال، بدأت سلمية، وقادها في شهورها الأولى مثقفون وفنانون ورجال أعمال وناشطون في المجتمع المدني.
في ذلك الوقت، كان إعلان الفنانين السوريين المختلفين تأييدهم للثورة غالبا ما يحتل عناوين الإعلام، فيما عمد النظام إلى محاولة إيذاء هؤلاء كاعتداء موالين له على رسام الكاريكاتير علي فرزات في دمشق، وتصفية المغني المغمور إبراهيم قاشوش في حماة، والاعتداء على أهل الموسيقار مالك جندلي، وسجن المدونة طل الملوحي، وحالات أخرى كثيرة مشابهة.
لكن بسبب عنف النظام، لم يمكن للثورة الاستمرار بقيادة المثقفين والناشطين، خصوصا بعدما تمت تصفية هؤلاء أو إجبارهم على الرحيل، مما أحال قيادة الثورة من بعدهم إلى أيدي مجموعات مقاتلة، بعضها متطرف، وصار عنف الأسد يستحضر عنفا مضادا، وتراجعت لغة العقل حتى انعدمت تماما.
قبل سوريا، كانت أولى المجموعات التي عانت من العنف بسبب حضها على التغيير في لبنان هي السياسيون اللاعنفيون، من أمثال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وصحافيين من أمثال سمير قصير وجبران تويني، ونواب في البرلمان اللبناني.
وكما في سوريا كذلك في لبنان، أسهمت الضربة الموجعة التي تلقتها الوسطية بصعود التطرف الذي يسهل من انفلات الأوضاع. إلا أن لبنان، ولأسباب كثيرة ومعقدة، يشهد اليوم عودة تيارات إلى الوسط نجحت حتى الآن في منع الأمور من التدهور نحو مواجهة مفتوحة كما في سوريا.
وقبل سوريا ولبنان، أخرج متطرفو إيران المعتدلون، ورحلت أيام الرئيس السابق محمد خاتمي معه، وانعدمت بذلك إمكانية أي «تغيير تدريجي» من الداخل، وعلى أيدي بعض الإيرانيين، كان مأمولا بحصوله قبل عقد أو أكثر.
هكذا، في الولايات المتحدة، كما في لبنان وسوريا وإيران، يصعب أن تلقى الوسطية والاعتدال ولغة العقل والكتب رواجا، فيما تطغى الشعبوية ولغة التطرف وصوت المدافع وقعقعة السيوف.
لكن على الرغم من الصعاب التي يواجهونها، يبدو أن المعتدلين العرب نادرا ما يخرجون كليا من الصورة الإعلامية والسياسية والثقافية، ربما لأنهم يتمسكون بالقول المأثور، «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق