الثلاثاء، 16 أبريل 2013

أميركا لم تعد مذعورة

حسين عبد الحسين

تعليقا على التفجير في مدينة بوسطن، والذي راح ضحيته ثلاثة قتلى واكثر من مائة جريح، كتبت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها انه “في الفترة الاولى التي تلت الانفجار، كان هناك دلائل على نضوج البلاد في التعامل مع صدمات كهذه: العداؤون والمتفرجون بدا انهم استجابوا للتعليمات من دون ذعر، فيما راحت الشرطة المحلية تتعاون مع شرطة الولاية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وسلطات فيدرالية اخرى، وتعاملت فرق الطوارئ بحرفية”.

وتابعت الصحيفة انه حتى “المسؤولين والصحافيين تصرفوا بعناية بهدف عدم استباق الامور” او توجيه اصابع الاتهام الى اي جهة.

بعد حربين في العراق وافغانستان، واكثر من ستة الاف قتيل في صفوف العسكريين الاميركيين، واكثر من ترليوني دولار عموما تكلفة ما سمي بالحرب على الارهاب، وجدت اميركا نفسها مرة اخرى عرضة لهجوم على مدنييها اعاد الى الاذهان ذكرى هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001.

لكن على عكس هجمات 11 سبتمبر، لم تشعر اميركا بالذعر هذه المرة، ربما لأن حجم الهجوم اصغر، او لأن اميركا توصلت الى نتيجة مفادها ان الارهاب ليس عدوا يمكن القضاء عليه مرة واحدة وبشكل نهائي، بل يجب التعايش معه، ومصارعته، واحتواؤه، واضعافه.

وعلى عكس هجمات 11 سبتمبر، وعلى الرغم من الشعور بالحزن، لم تشعر غالبية الاميركيين بالغضب هذه المرة، ولم تتملكها روح الانتقام، التي بدأت في العام 2001 على شكل اعتداءات فردية ضد مسلمين يعيشون في الولايات المتحدة، وتطورت في ما بعد الى حربين كاملتين استغرقتا عقد واكثر.

هذه المرة، استمهل المسؤولون سائليهم حتى تنجلى الامور وتتضح الحقائق، فيما تمهل الصحافيون في اطلاق احكامهم وترجيحاتهم حول الجهات التي قد تكون مسؤولة.

الارهاب الخارجي ضرب اميركا في الماضي، ولكن الارهاب الداخلي ضربها كذلك، وتكاد عملية بوسطن تتطابق مع تفجير الالعاب الاولمبية الصيفية في مدينة اتلانتا في العام 1996، والتي راح ضحيتها اميركيين (اثنين) و111 جريحا، والتي قام بتنفيذها الاميركي اريك رودولف، المناهض للاجهاض ولزواج المثليين، بهدف اثارة البلبلة وشد الانتباه.

اليوم، لا يبدو ان هجوم 15 ابريل يثير ذعر الاميركيين او غضبهم، بل يبدو انهم توصلوا الى نتيجة مفادها ان هجمات كهذه تحاول ان تمتحن صبرهم، وان تثبط من عزيمتهم على متابعة حياتهم.

في هذا السياق، اعتبرت افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز انه “يمكن ان يمر بعض الوقت قبل ان يكتشف المسؤولون اي عقيدة شريرة تقف وراء الهجوم، لكن الماراثون سيقام العام القادم، بغض النظر عن كمية الامن المطلوبة، وعلى الجماهير ان تصرخ بصوت اعلى: لا يوجد ارهاب قوي كفاية ليقضي على تقليد ينتمي الى التاريخ الاميركي”.

على عكس هجمات 11 سبتمبر، لن يدفع هجوم 15 ابريل اميركا الى الذهاب برعونة الى حروب، ولن تشن واشنطن “حملات صليبية” او تبحث عن “محاور شر”، بل سيدفع هجوم بوسطن الاميركيين الى الاصرار على تحقيق مفصّل لتحديد الجناة، ومن ثم الاقتصاص منهم، وهو ما عبر عنه رئيسهم باراك اوباما في قوله في مؤتمره الصحافي، الذي عقده بعد ساعات من التفجير، ان “اي مجموعات مسؤولة ستشعر بكامل ثقل العدالة”.

العدالة تبدو ابرز المفاهيم التي كانت غائبة في العام 2001، وابرز الكلمات الحاضرة في العام 2013، وبين التاريخين، تعلمت اميركا، ومعها العالم بأسره، الكثير.

لم تعد اميركا مذعورة، ولم يعد العالم متوجسا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق