الاثنين، 1 يوليو 2013

عودة أميركا إلى العسكر

حسين عبدالحسين

في دردشة مع الصحافيين في مبنى الكونغرس، قال رئيس اركان الجيش الاميركي مارتن ديمبسي انه اذا اختارت الولايات المتحدة ان تفرض حظرا جويا على سوريا، فان ذلك سيكون "اعلانا للحرب، وانا اريد ان افهم خطة السلام، قبل ان نبدأ حربا اخرى".
قد يشغل انتشار مقاتلين اسلاميين متطرفين مثل "جبهة النصرة" بال واشنطن، وقد يشغلها كذلك مشاركة مقاتلي "حزب الله" في المعارك وتنامي النفوذ الايراني المباشر داخل سوريا، لكن يبدو ان ما يثير قلق الادارة الاميركية -- اكثر من اي امر آخر -- هو "اليوم التالي" لانهيار بشار الاسد ونظامه، فاذا ما حصل ذلك، فان الخيارات المرجحة هي فشل المعارضة في تثبيت الوضع، وتحول سوريا الى دولة فاشلة، ومرتع للمتطرفين، ومقر لتصدير العنف الى دول الجوار.
ولأن واشنطن تحاول نسيان ذكرى محاولتها ادارة الفراغ مباشرة عبر "بناء الامم"، الذي مارسته بفشل في العراق وافغانستان، فهي تعتقد ان عليها محاولة تفادي الفراغ في سوريا.
في هذا السياق، قد تبدو اي ضربة اميركية جوية تساهم في تسريع انهيار نظام الاسد وكأنها خطوة لخلق الفراغ والفوضى تتحمل مسؤوليتها الولايات المتحدة الاميركية. لذا، تعمل واشنطن على تفادي تسريع الانهيار، انهيار الثوار، الذين يناسب انتصارهم اميركا وحلفائها استراتيجيا، كما انهيار الاسد، قبل تأمين البديل.
في صيف العام الماضي، شارك السفير الاميركي السابق في دمشق ومسؤول الملف السوري حاليا روبرت فورد في حوار في احد مراكز الابحاث، وقدم بكثير من الاصرار رؤية بلاده حول التسوية السياسية لانهاء الصراع السوري، وقال مستشهدا في العراق ان لا حل بالعسكر فقط، فالحل العسكري من دون سياسة كمن يركب دراجة بدولاب واحد.
يومذاك، طرحت على فورد سؤالا عما يحصل في حال عدم توحد المعارضة السورية، هل يستمر القتال في سوريا، وماذا يحصل لو انهار بشار الاسد ونظامه فجأة قبل ان تتوحد هذه المعارضة او يصبح لديها جهوزية لتسلم مكانه، هل يعني ذلك ان على العالم ان يحاول ابقاء الاسد في الحكم، تفاديا للفراغ، ريثما تصبح المعارضة مستعدة؟
اطرق فورد مفكرا واجابني بكثير من اللباقة ان في نهاية المطاف، الحل في سوريا هو شأن السوريين وفي ايديهم.
هذه هي "خطة السلام" نفسها التي تحدث عنها ديمبسي هذا الاسبوع. ما قاله الجنرال الاميركي معناه ان اميركا تدرك انها قادرة عسكريا على حسم الصراع السوري في اي اتجاه في اسابيع، بل ايام، ولكن مشكلة واشنطن ليست في من يفوز، على الرغم من تفضيلها لمعارضي الاسد. مشكلة اميركا هي في ما يحدث بعد انتصار طرف على آخر.
ومن يتابع التصريحات الاميركية التى اعلنت بدء تسليح الثوار السوريين، قد يلاحظ انه لم يقل اي مسؤول اميركي ان هدف التسليح هو اطاحة الاسد، بل "قلب الموازين على الارض" بهدف اقناع الاسد ان استمراره منفردا في زعامة البلاد صار مستحيلا، وان عليه التنحي وتأمين مكان لمجموعته، في شراكة مع معارضيه، في المرحلة التي تليه.
هذه هي "خطة السلام" في سوريا، التي يكررها المسؤولون الاميركيون، وهي مبنية على تعديل موازين لا حسم صراع.
ويبدو ان اعتقادا اميركيا سائدا مفاده ان تسليح "الجيش السوري الحر" وتدريبه على مهمات قتالية، وعلى حماية المنشآت الكيميائية، وربما على حفظ الامن، صار مطلوبا في مطلق الاحوال، لذا، لا ضير من تجهيز قوة امنية يمكنها تعديل ميزان القوى اليوم، ثم تثبيت الوضع في سورية في حال انهار الاسد من وهنه، او قرر الخروج والسماح لتسوية.
في هذا السياق الامني نفسه يأتي اقتراح ديمبسي تدريب القوات الحكومية العراقية واللبنانية على التعاطي مع اي طارئ قد ينتج من المعارك السورية.
الولايات المتحدة لا تهمها الديموقراطية العربية ولا الربيع، بل صيغة حكم فيها مشاركة طوائفية اثنية على طراز "كيفما اتفق"، مع قوة امنية مؤهلة لحفظ الاستقرار تتمتع بعلاقة مع واشنطن، يفضل من خارج الحكومات، كما النموذج المصري.
هكذا، يمكن لواشنطن ان تدافع عن مصالحها عن طريق حلفائها العسكر، فيما يتناطح المدنيون في مؤتمرات مصالحة ومشاركة وتظاهرات واختراق لحقوق الانسان والمرأة، وما الى ذلك من تفاصيل صار الاميركيون يعتقدون انه يحق لهم ان ينتقدونها من دون ان يكون عليهم اي واجب في التدخل لتغييرها او اصلاحها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق