الخميس، 1 أغسطس 2013

التورّط الأميركي في مصر

حسين عبدالحسين

في نيسان 2012، وقف المسؤول في "غرفة التجارة الاميركية"، بوبي مالدونادو، امام باب مقرّ منظمته، المواجه للبيت الابيض، ليستقبل وفداً مؤلفاً من ثلاثة رجال صافحهم، وسيدة محجبة، حياها واضعاً يده على صدره، حسب نصيحة اصدقاء له ممن يعرفون اصول التقاليد الاسلامية. اصطحب مالدونادو الوفد الى قاعة المؤتمرات للقاء قادة المنظمة في اجتماع دام اكثر من ساعتين.

"غرفة التجارة الاميركية"، هي منظمة غير حكومية يمينية مقربة من "الحزب الجمهوري"، تموّل حملات انتخابية لمرشحين يتبنون خطابها الداعم للتجارة. اما الوفد الزائر، فكان يتألف من اعضاء في "حزب الحرية والعدالة" المصري، التابع لتنظيم "الاخوان المسلمين"، وكان في عداده عضو البرلمان عبد الموجود دردري، رجل الاعمال حسين القزاز، ومنسق العلاقات الخارجية في الحزب خالد القزاز، ومديرة تحرير موقع "الاخوان"، سندس عاصم.

لم تكن ادارة الرئيس باراك أوباما وحدها التي تعتقد ان "الربيع العربي" سيأتي بحكومات اسلامية، وان على الولايات المتحدة الانفتاح عليها والتعاون معها، بل كانت واشنطن بتياراتها كافة تعتقد ذلك. وفي ذلك السياق جاءت زيارة وفد "الاخوان" إلى نيويورك وواشنطن، ولقاؤه واحدة من اكثر المنظمات الاميركية يمينية.

تصاعد الود بين الولايات المتحدة و"الاخوان المسلمين"، وخصوصاً بعد الاتصالات المكثقة بين أوباما ونظيره محمد مرسي ابان حرب غزة في تشرين الثاني /نوفمبر 2012. وتكررت زيارات مسؤولي الاخوان الى العاصمة الاميركية ولقاءاتهم مع كبار المسؤولين. وفي الاسبوع الاول من كانون الأول/ ديسمبر 2012، وصل عصام الحداد، مستشار الرئيس المصري، إلى واشنطن وعقد لقاءات كانت تهدف للاعداد لقمة بين أوباما ومرسي في البيت الابيض في وقت لاحق من ذلك الشهر.

يومها تضمنت لقاءات الحداد اجتماعاً مع مكتب التحرير في صحيفة "واشنطن بوست"، تحدث فيه المسؤول المصري عن "القيم المشتركة" بين البلدين وعن ضرورة بناء "علاقة استراتيجية"، حسبما ورد في افتتاحية الصحيفة، التي اثنت على العرض المصري، لكنها حذرت من ان يأتي هذا النوع من العلاقة مقابل السكوت عن ما سمته "تجاوزات مرسي داخل مصر"، وخصوصاً ضد "الحركتين العلمانية والليبرالية".

وأضافت الصحيفة إن "السيد مرسي كان مقرراً ان يزور واشنطن في 17 ديسمبر، لكن الحكومتين قررتا تأجيل الزيارة الى ما بعد خطاب القسم الثاني، وهو ما سيعطي (اميركا) المزيد من الوقت للحكم اذا ما كان مرسي يقود بلاده نحو الديموقراطية، واذا ما كان سيسعى الى تسوية مع المعارضة". وختمت: "اذا لم يتوصل (مرسي) الى تسوية، الشراكة المثيرة للأمل التي تحدث عنها السيد حداد لن تكون ممكنة".

ويبدو أن "امتحان" واشنطن لمرسي والاخوان في الحكم لم يتطلب وقتا طويلاً، فمع حلول نيسان/ ابريل 2013، انقلب الحب خصومة، وبدأ الناطقون باسم الادراة، كما الاعلام، في انتقاد الحكم المصري. حتى "واشنطن بوست"، التي كانت تأمل بشراكة استراتيجية، شنت هجوماً دفع خالد القزاز نفسه، الذي زار واشنطن قبل ذلك بعام، الى تدبيج رد اختفى فيه حديث الاخوان عن "القيم المشتركة" مع اميركا. وكتب في حينه: "نحن نطور صنفنا الخاص من الحكومة التمثيلية". واضاف: "عبر خلقنا لهذا النوع من الحكومة، التي تضرب جذورها في القيم والتقاليد المصرية، سوف نعتمد على أفضل الامثلة للحكومات الانتقالية التي مرت بها الشعوب الاخرى، وسيكون هناك لا شك اخطاء، ولكنها ستكون أخطاؤنا نحن".

لم يمض شهران على مقالة القزاز حتى بدأت تظاهرات 30 يونيو. الولايات المتحدة تصرفت وكأن الامور فاجأتها. وراحت مصادر الإدارة تسرب انباء مفادها بأن واشنطن حذرت الجيش المصري من عزل مرسي، وان مقدرة واشنطن على التأثير بالجيش، وتالياً الاحداث في مصر، محدودة. طبعاً تغاضت واشنطن عن ان سيارات همفي التي حاصرت القصر الجمهوري هي منحة اميركية. حتى بنزين هذه السيارات تسدد معظم ثمنه الولايات المتحدة.

ثم، على اثر اعلان الجيش انهاء ولاية مرسي، اصدر أوباما واحداً من اكثر بياناته ابهاماً؛ طالب باعادة السلطة الى الهيئات المدنية، ولكنه لم يطالب باعادتها الى مرسي. كذلك، تحدث اوباما عن امكانية وقف المساعدة الاميركية السنوية الى الجيش المصري، لكن تهديداته بدت باهتة وفاقدة للمصداقية.

ومع ان واشنطن حاولت الايحاء انها تقف بعيدة عن الاطاحة بمرسي، الا ان ما قامت به يشي بأنها كانت اكثر من متورطة في الاحداث. مساعد وزير الخارجية الاميركي، وليام بيرنز، زار القاهرة في ما بدا اعترافا بشرعية الحكم الجديد، وتحدث عن "فرصة ثانية" لبناء الديموقراطية المصرية، ربما بدءاً بالغاء نتائج الانتخابات الرئاسية.

وفي الخفاء، طار عضو "مجلس الامن القومي"، انتوني بلينكن، الى عواصم الخليج طالباً منها تقديم مساعدة مالية عاجلة الى الحكومة المصرية التي عينها الجيش. وبلغت المساعدة اكثر من 10 مليارات دولار. وبعد أيام، سيصل السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، برفقة السيناتور جون ماكين، إلى مصر بطلب شخصي من أوباما، لحث الجيش على المضي قدماً في إجراء انتخابات جديدة.

اذن، مع ان واشنطن حاولت غسل يدها من احداث مصر، الا انها في الواقع كانت في قلب هذه الاحداث، وهي من المرات النادرة التي تكون فيها ادارة اوباما في موقع المبادر في سياستها الخارجية، والمرة الاولى التي تنقلب فيها واشنطن على نتائج انتخابات ديموقراطية منذ دعمها للانقلاب الذي اطاح برئيس الحكومة الايراني محمد مصدق في العام 1953.

الاسبوع الماضي، عقدت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ جلسة استماع حول مصر تحدث فيها الدبلوماسيان السابقان، دان كيرتزر ودينيس روس، وبرر الاثنان الاطاحة بمرسي بالحديث عن "تجاوزه للديموقراطية"، وحثا اللجنة على عدم وقف المساعدات الاميركية الى مصر. الا ان الرجلين اصرا على ان العملية السياسية في مصر يجب ان تضم "الاخوان".

هنا يصبح السؤال، لماذا ابقاء الاخوان كشركاء في السلطة ان كان هذا التنظيم غير ديموقراطي؟ وهل يكفي اشراك الاخوان لترضيتهم وتهدئة الوضع المصري؟ او بكلام آخر، "هل يصلح العطارون ما افسده الدهر؟".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق