الأحد، 25 أغسطس 2013

أميركا تقرع طبول الحرب

حسين عبدالحسين

في ما يبدو انها عملية اعلامية منسقة وتهويلية، تشنها ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ضد النظام السوري في أعقاب الاتهامات الموجهة له باللجوء إلى استخدام الكيماوي في مناطق الغوطة الشرقية، سربت الادارة الأميركية، عن طريق ثلاث صحف اميركية كبرى، انباء حول تحديثها "لائحة الاهداف العسكرية في سوريا"، استعداداً لتوجيه ضربة لقوات النظام السوري. لكن وتيرة لقاءات اركان الادارة في واشنطن، والمشاورات مع الحلفاء، وتحركات قطع الاسطول السادس نحو الشاطئ السوري، خلال الساعات الماضية، أظهرت أن الادارة الاميركية اكثر جدية هذه المرة في قيامها بتوجيه "ضربة عقابية"، فور اثباتها ان قوات النظام السوري تقف وراء الهجوم الكيماوي على ضاحية الغوطة الشرقية.

وترافق تصعيد الولايات المتحدة مع الكشف عن اتصال وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، بنظيره السوري، وليد المعلم، يوم الخميس الماضي، للطلب منه بضرورة سماح الحكومة السورية "فوراً ودون عوائق بوصول مفتشي الأمم المتحدة الى موقع الهجوم في الغوطة بدلًا من مواصلة الهجوم على المنطقة المتضررة لاعاقة الوصول وتدمير الدليل".

اول مؤشرات الجدية الاميركية جاء في توقيت اللقاء الاستثنائي الذي عقده "فريق الامن القومي"، يوم السبت، اذ يندر انعقاد لقاءات من هذا النوع في ايام عطلة نهاية الاسبوع. وشارك في اللقاء، الذي ترأسه أوباما، نائبه جو بايدن، ووزيرا الخارجية والدفاع جون كيري وتشاك هيغل، ومستشارة الامن القومي سوزان رايس ونائباها انتوتي بلينكن وبن رودز، ورئيس موظفي البيت الابيض دينيس ماكدنو، والسفيرة في الامم المتحدة، ومدير "وكالة الاستخبارات المركزية" جون برينان، ومدير "الاستخبارات القومية" جايمس كلابر، ورئيس اركان الجيش مارتن ديمبسي، وآخرون.

وبعد الاجتماع، اصدر البيت الابيض بياناً، أكد فيه ان اللقاء تم تخصيصه "لمناقشة التقارير حول استخدام الأسلحة الكيماوية يوم الاربعاء 21 آب قرب دمشق". واضاف البيان انه "بالتنسيق مع الشركاء الدوليين، وعلى ضوء شهادات عشرات الناجين والاصابات التي تم تسجيلها بين القتلى، تتابع الاستخبارات الاميركية جمع الوقائع من اجل تثبيت ما حصل".

وفي الاجتماع ايضاً، استمع الحاضرون الى مطالعة قدمها ديمبسي حول الخيارات المتاحة "امام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للرد على استخدام الاسلحة الكيماوية".

وعلى إثر اللقاء، سارع ديمبسي الى الانتقال الى عمان، حيث يشارك في اجتماع رؤساء اركان جيوش "الدول العشر" المنبثق عن "لقاء اصدقاء سوريا"، للبحث في امكانيات عمل عسكري. وهذه الدول تضم الى الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا والمانيا وكندا وايطاليا وتركيا والاردن وقطر والسعودية.

وتستمر المباحاثات العسكرية حتى يوم الثلاثاء، فيما صار معلوماً ان ألمانيا هي الوحيدة، بين الحلفاء، التي لا تزال تعارض عملاً عسكرياً، وتصر على قيام فريق التفتيش الدولي التابع للأمم المتحدة، والموجود حالياً في دمشق، بالتحقيق في الهجوم على الغوطة. إلا أن المصادر الاميركية تعتقد انه "في حال استمرار رفض (الرئيس السوري بشار) الأسد بمنح المفتشين حرية التحقيق، سيكون سهلاً اقناع ألمانيا بأن الخيار العسكري هو الوحيد المتاح".

وفي اطار التنسيق الأميركي مع باقي الحلفاء، تحادث أوباما مع رئيس الحكومة البريطانية، دايفيد كاميرون. وجاء في البيان الصادر عن البيت الابيض ان الحوار كان مفصلًا، وتركز حول "استمرار العنف في سوريا"، وحول "امكانيات الرد المتاحة امام المجتمع الدولي ضد استخدام الاسلحة الكيماوية".

هكذا، وعلى وقع طبول الحرب سياسياً في كواليس العاصمة الاميركية، باشرت القيادة العسكرية الاميركية برفع جهوزية الاسطول السادس الموجود في البحر الابيض المتوسط، والتابع "للقيادة الاوروبية"، بدلًا من "القيادة الوسطى" المعنية بعمليات الشرق الاوسط.

وفي هذا السياق، انضمت مدمرتا "يو اس اس ماهان" و"يو اس اس ستاوت" الى فرقاطتين متواجدتين اصلا في المتوسط.

تشكيلة السفن الاربع هذه هي التي شنت "الضربة الاولى" ايذاناً ببدء العملية العسكرية التي اطاحت بالزعيم الليبي معمر القذافي، في ليبيا باطلاقها مئات صواريخ الكروز التي عطلت "القيادة والسيطرة" لجيش القذافي، كذلك ضربت مدارج مطاراته واهدافاً أخرى.

ويراقب المتابعون الاميركيون إن كانت احدى حاملتي الطائرات "هاري ترومان"، الموجودة حالياً في البحر الاحمر، او "نيميتز"، الموجودة شمال بحر العرب، ستنضم الى الاسطول السادس، مما يشير الى امكانية استخدام المقاتلات الاميركية في "ضربة ثانية" ضد قوات الأسد، وهو ما يجعلها عملية اكبر.

بيد ان معظم الترجيحات تشير الى ان الضربة ستكون صاروخية فقط، تهدف الى اضعاف امكانيات الأسد، بما في ذلك ضرب مراكز "القيادة والسيطرة"، والمطارات، ومنصات اطلاق الصواريخ الباليستية، من دون توجيه ضربة ثانية عن طريق المقاتلات، التي يمكنها فرض حظر كامل على حركة قوات الأسد.

وهو ما ذهب إليه مسؤول عسكري أميركي، طلب عدم الكشف عن في حديث لشبكة "سي أن أن"، بعدما أشار إلى أن "قائمة الأهداف قد تشمل أبنية حكومية ومقارا عسكرية، إلى جانب الوسائل التي تتيح للأسد استخدام الأسلحة الكيماوية”.

هل هي مناورة يشنها أوباما من اجل ردع الأسد عن استخدام المزيد من الاسلحة الكيماوية في هجمات مستقبلية؟ ام أن اوباما جاد في استعدادته وينوي توجيه ضربة الى قوات الأسد؟

لم يسبق أن ابدى أوباما هذا القدر من الاهتمام بالشأن السوري، فضلًا عن ان الرئيس الاميركي، على الرغم من تناقض تصريحاته واصرار بعض اركان ادارته ان تحريك الاسطول السادس لا يعني حتمية حصول الضربة، الا انه عمد هذه المرة الى ربط الضربة باثبات هجوم حدث في الماضي، اي ان الضربة ستقع لحظة اثبات هوية منفذي الهجوم الكيماوي، وهو امر لا يبدو عسيراً حسب التكهنات في اروقة القرار الاميركية، على عكس "الخطوط الحمراء"، التي تحدث عنها الرئيس في الماضي، والتي كانت مشروطة بفعل مستقبلي.

كما أن اللجوء الى هجمة صاروخية فقط من شأنه ان يفي بأكثر من غرض اميركي. هكذا هجمة تضعف الأسد من دون ان تطيح به، وتمتص الضغط الذي يمارسه حلفاء اميركا من اجل قيامها بعمل ما في سوريا، فضلاً عن أن الهجوم لا يحتاج الى حشد تأييد شعبي اميركي، او موافقة الكونغرس، لانه لا يرقى لكونه اعلان حرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق