الخميس، 8 أغسطس 2013

اليسار الليبرالي وهوليوود .. درس في “النسبية الثقافية”

حسين عبد الحسين

فيلم «أفاتار» هو خرافة علمية، تجري أحداثه في مستقبل بعيد، وتتمحور حول سباق بين كوكبين وشعبين: الأول بشر يتمتعون بمقدرات تكنولوجية وعسكرية هائلة، والثاني هو شعب «النافي» وهم مخلوقات خيالية عملاقة وزرقاء، تحافظ على اتصال مع البيئة، فتنام في أوراق الشجر، وتركب الطيور، وتحترم كل المخلوقات.

البشر، الذين يمثلون ما يعرف أميركيا بـ«المجمع الصناعي العسكري»، يسعون إلى اقتلاع الشجرة العملاقة التي يعيش فيها النافي لأن تحت الشجرة مصدر الطاقة مطلوبا. تدور حرب بين الاثنين، وينتصر النافي على جشع البشر على الرغم من تفوق البشر عسكريا. ويقود النافي بشري انقلب على صحبه وراح يقاتل بجسم نافي مستعار كانت صنعته التكنولوجيا البشرية.

الفيلم، وهو من إخراج جيمس كاميرون، يمثل درسا في «النسبية الثقافية»، وهي مدرسة تدعو العالم، خصوصا أميركا، إلى احترام خصوصيات الشعوب المختلفة حول العالم، حتى لو بدت هذه الشعوب متأخرة علميا أو اجتماعيا أو اقتصاديا. وكان صوت هذه المدرسة علا أثناء حربي العراق وأفغانستان، وأثناء محاولة الولايات المتحدة ممارسة ما عرف بـ«بناء الأمم» في هاتين الدولتين، مما دفع هوليوود، كما الأميركيين عموما، إلى مطالبة المؤسسة السياسية بالبقاء خارج شؤون الشعوب وشجونها، حتى لو اعتقد الأميركيون أن ما يفعلونه هو في مصلحة هذه الشعوب.

لكن «النسبية الثقافية»، وهي من أبرز الأفكار التي يستند إليها «اليسار الليبرالي» الأميركي في رسم مواقفه من السياسة الخارجية، تقدمها هوليوود بكثير من السذاجة، إذ من غير الضروري أن يعيش شعب النافي في الشجرة فقط للحفاظ على هويته، ولا ضير في أن يستفيد النافي من الاختراعات البشرية، من دون أن يضطرهم ذلك إلى الرحيل من أرضهم أو التخلي عن هويتهم وعلاقتهم المميزة بالطبيعة.
ثم إن انتصار النافي على البشر لم يكن ممكنا لولا ذلك المقاتل البشري الذي انقلب على صحبه وراح يقود قوات النافي بجدارة غير مسبوقة، مما يشي بأن كاميرون يعتقد أنه لا يمكن لهذه الشعوب المتأخرة أن تقدم قادتها، وأن المخرج، حتى لو أنه أراد الدعوة إلى الحفاظ على النافي بعيدا عن الحضارة، فهو لا يؤمن بجدارتهم على المنافسة من دون مساعدة خارجية.

«أفاتار» هو واحد من أفلام عديدة تصدرها هوليوود، التي يسيطر عليها بامتياز «اليسار الليبرالي» الأميركي، إلى درجة دفعت بعض المُمَولين من اليمينيين المحافظين الأميركيين إلى التفكير في تمويل صناعة سينمائية تنافس هوليوود، ولكن بأفكار يمينية. وما يغيظ اليمين هو أن هوليوود تسهم بشكل واسع في صناعة الرأي العام الأميركي، وبدرجة أقل العالمي، وتدفعه نحو اليسار وتبعده عن اليمين.

ولا حياء لدى أهل هوليوود من استخدام صناعتهم لأهدافهم السياسية، ففيلم «زيرو دارك ثيرتي» للمخرجة كاثرين بيغلو، والذي يروي أحداث كشف مخبأ أسامة بن لادن في باكستان وقتله، صدر قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في ما بدا وكأنه تذكير للجمهور الأميركي بدور أوباما في هذه العملية، وتاليا جدارته في قيادة «الحرب على الإرهاب» والسياسة الخارجية عموما.

توقيت الفيلم المذكور أثار سخط اليمين، الذي أثار أعضاؤه في الكونغرس تساؤلات حول كيفية فتح الوثائق السرية والأرشيف للمخرجة بيغلو دون غيرها من عموم الأميركيين.
أفلام أميركية عديدة أخرى صدرت مع مضمون وهدف سياسي يساري محدد. فعندما كانت أميركا في حمأة هجومها ضد إدارة الرئيس السابق جورج بوش واتهامها بالقيام بأعمال تعذيب ضد معتقلين في غوانتانامو، وبإسناد بعض التعذيب والاعتقال لأجهزة استخبارات حليفة، أصدرت هوليوود أحد أشهر أفلامها في هذا السياق، وحمل عنوان «بودي أوف لايز (جسم من الكذب)».

الفيلم الذي أخرجه ريدلي سكوت واقتبسه عن رواية كتبها المعلق في صحيفة «واشنطن بوست» ديفيد إغناتيوس، والمعروف بمعارضته لبوش وقربه من أوباما و«اليسار الليبرالي»، كان يروي علاقة الاستخبارات الأميركية بنظيرتها الأردنية في الفترة التالية لهجمات 11 سبتمبر (أيلول).

وأفلام هوليوود السياسية لا تتمحور حول السياسة الخارجية فحسب، بل غالبا ما تتناول الشؤون الداخلية كذلك، كما في فيلم «ميلك»، الذي يستعيد حياة الناشط المثلي في مدينة سان فرانسيسكو، هارفي ميلك، الذي قتل في العام 1978. الفيلم لاقى انتشارا ورواجا واسعا عند صدوره في عام 2008، وفاز الممثل المشهور شون بين، الذي لعب دور البطولة، بجائزة أوسكار لأفضل ممثل عن ذلك العام.
ومن نافلة القول، أن الرأي العام الأميركي صار يبدي تعاطفا تجاه المثليين جنسيا وحرياتهم وأوضاعهم القانونية، فقبل أسابيع قليلة، قامت المحكمة الفيدرالية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، بشطب عدد من البنود في قانون أقره الكونغرس في التسعينات وكان يعرف بقانون «حماية الزواج». وبقرارها، فتحت المحكمة العليا الباب للمثليين للزواج ولتحصيل مكتسبات قانونية لم تكن متاحة لهم من قبل. أما فضل هوليوود ويسارها الليبرالي على تأليب الرأي العام الأميركي في هذا الاتجاه، فهو واضح من دون أدنى شك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق