الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

روحاني وتراجع اللحظة الأخيرة

حسين عبدالحسين

بعد كل بوادر حسن النية، ومؤشرات الانفتاح على الولايات المتحدة، والمقابلات الاعلامية، والافتتاحيات في الصحف الاميركية، واعلان الرئيس الايراني حسن روحاني، نيته تقديم ايران في صورتها الجديدة اثناء اللقاء السنوي للأمم المتحدة في نيويورك، تراجع روحاني في اللحظة الاخيرة عن لقاء نظيره الاميركي باراك أوباما، متفادياً كل محاولات التقرب الأميركية.

وكان فريق أوباما عمل على عدم "حشر" جدول اعمال الرئيس الاميركي اثناء تواجده في نيويورك، بهدف ابقاء بعض الوقت للسماح للقاء "عن طريق المصادفة" مع روحاني. وارسل الاميركيون في تصريحاتهم العلنية إشارت عديدة حول نية رئيسهم لقاء نظيره الايراني، واعلنوا نية الرئيس الاميركي حضور وليمة الغذاء التقليدية التي يقيمها الامين العام للامم المتحدة، بان كي مون، على شرف رؤساء الدول المشاركة في اعمال الجمعية العمومية.

أوباما عادة لا يحضر هذه الوليمة، ولكنه قرر المشاركة فيها هذه السنة. ونقل فريقه الى الايرانيين نيته على الاقل مصافحة روحاني والدردشة معه، وإن بشكل عابر. وفي وقت لاحق، اتصل فريق أوباما مباشرة بفريق روحاني طالباً تنظيم عقد لقاء بين الرئيسين. الا ان الفريق الايراني قال للاميركيين إنه لا يمكن عقد اللقاء.

وبعد الرفض الايراني، اطل احد كبار المسؤولين في فريق أوباما على الصحافيين المرافقين للرئيس، وقال لهم إن الايرانيين رفضوا مشيرين إلى ان اللقاء بين الرئيسين "امر معقد كثيراً عندهم". وعلى الإثر، عمل روحاني على تفادي اي لقاء مع أوباما حتى انه لم يلب دعوة بان، ولم يحضر الوليمة التقليدية.

التراجع الايراني اعطى دفعة فورية للاميركيين المشككين بصدق دعوات روحاني حول تبني سياسة ايرانية اكثر اعتدالاً تجاه الولايات المتحدة. وتوزع هؤلاء بين قائل إن روحاني لا يمثل أصلاً دوائر القرار الايرانية، وان ابتساماته ويده الممدودة للاميركيين لا تعدو كونها جزءاً من حملة العلاقات العامة التي يشنها. 

في المقابل، اعتبر آخرون ان انفتاح روحاني هو جزء لا يتجزأ من "المراوغة" الايرانية وعملية "شراء الوقت" التي يقوم بها النظام حتى يتسنى له انتاج السلاح النووي.

وفور شيوع انباء رفض الايرانيين اللقاء الرئاسي، اصدر "معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى" اليميني، مقالات لباحثيه اعتبروا فيها أن انفتاح روحاني المزعوم لم يكن الا جزءاً من مناورة ايرانية اوسع. وكتب باتريك كلوسون، انه بالنسبة لروحاني، "الكلام رخيص فيما التنفيذ غير ممكن”.

ورأى زميله ستيفن ديتو، ان "سجل الرئيس روحاني يظهر انه ملتزم بعمق بالحفاظ على مصالح النظام الايراني، وغالباً ما يكون ذلك على تضاد مع مبادئ القانون الدولي".

وجاءت الانتقادات لتعكس مدى الخيبة الأميركية من قرار روحاني. وكان أوباما اشار اثناء خطابه امام الجمعية العمومية، الى لقاء مقرر بين وزيري خارجية البلدين، وقال إن بلاده جاهزة لتسوية مع ايران. لكن أوباما كرر موقفه القائل بأنه لن يسمح لايران بحيازة سلاح نووي، واشار، في لفتة الى القيادة الايرانية، الى مواقف مرشد الثورة الايراني علي خامنئي الرافضة لاقتناء ايران للسلاح نووي.

وفي خطاب مقتضب ادلى به اثناء وليمة بان، شدد أوباما على السياسة الخارجية في عهده، والتي ترفض الاحادية وتستند الى التعددية. واقتبس أوباما عن الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت، قوله ان "السلام العالمي لا يمكن ان يستند الى فرد او الى دولة، بل يستند الى تعاون العالم بأجمعه".

وتماهت كلمات أوباما مع ما كان ورد في مقالة لروحاني في "واشنطن بوست"، ومع ما ورد في خطاب روحاني في كلمته امام الجمعية العمومية، بعد ظهر امس، والتي قال فيها إن ايام الاحادية الدولية والعمل العسكري ولّت، وان النظام العالمي يجب ان يبنى على تعددية عالمية وتعاون دولي.

في المقابل، لم يحمل خطاب روحاني أمام الجميعة العام جديداً. وعلى الرغم من حديث روحاني عن تقديمه ايران بـ "صورة جديدة"، التزم بالمحاور الايرانية المعروفة لناحية تمسك طهران "بحقها" في تخصيب اليورانيوم، واعتقادها ان لا حوار في ظل "الخيار العسكري" الذي تكرر واشنطن انه يبقى على الطاولة. كما انتقد روحاني العقوبات الدولية والاميركية، ووصفها بمثابة العنف بحق شعبه.

وكرر روحاني ما يقوله المسؤولون الايرانيون لناحية ان اي حوار مع المجتمع الدولي، او اميركا، ينبغي ان يكون مبنياً على "الاحترام المتبادل". وقال روحاني إن "ايران لا تشكل خطراً على المنطقة"، على عكس ما يحاول تصويره "محبو الحروب من اصحاب المصالح داخل واشنطن". وتمايز عنهم بالشكل فقط، اذ كانت نبرته هادئة، وقال انه استمع بعناية لخطاب أوباما صباحا.

رغم كل ما جرى، يبدو ان أوباما استفاد سياسياً ودبلوماسياً من تراجع الايرانيين عن لقائه واكتفائهم باللقاء المقرر على مستوى وزيري الخارجية، وهو سيكون الارفع بين البلدين منذ سنوات، اذ بدا أوباما بمثابة الحريص على التوصل الى حلول ديبلوماسية، فيما ظهر روحاني وكأنه كان يناور على مدى الاسبوع الماضي، وأنه لم يكن يعني ما كان يقوله.

وفي السياق نفسه، قال مسؤولون اميركيون إن لقاء جون كيري - أحمد جواد ظريف سيسمح بالحديث عن امور متنوعة، ولا شك ان الموضوع السوري سيتصدرها، ولا سيما بعدما كتب المعلق المعروف بقربه من الادارة، دايفيد اغناتيوس، في "الواشنطن بوست"، الاسبوع الماضي، قائلاً إن ادارة أوباما تسعى الى معرفة إن كان يمكن لإيران التنازل عن الرئيس السوري بشار الأسد والانخراط في غطاء دولي لحكومة سورية انتقالية تخلفه، بموجب اتفاق جنيف بين واشنطن وموسكو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق