الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

عضو بمجلس الشيوخ الأميركي: لحظة الاتفاق مع إيران... مرّت

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

فجأة، توقفت الجلسات المغلقة التي دأب على عقدها كبار المسؤولين في البيت الابيض ووزارة الخارجية مع الصحافيين للحديث حول قرب التوصل الى اتفاق مع ايران. وحده وزير الخارجية جون كيري راح يدافع عن موقف حكومته التي قاربت توقيع المرحلة الاولى من الاتفاق مع طهران، قبل ان تنسفها باريس. 
كرر كيري ان واشنطن لم تكن لتسمح لايران بالحصول على السلاح النووي اصلا، ووجه اصابع اللوم الى الايرانيين في فشل الاتفاق.
لكن ارتباك كيري وادارة الرئيس باراك أوباما المتواصل صار يبدو وكأنه قاعدة في السياسة الخارجية: تبدأ الادارة باعلان هدف دخولها في مفاوضات، إما مع الروس حول سورية وإما مع الايرانيين حول النووي، وتنتهي مع تنازلها عن معظم اهدافها وخروجها باتفاق تحاول اقناع العالم بأنه لمصلحتها رغم اصرار الجميع، الاعداء والاصدقاء، على ان الاتفاق كان بمثابة خسارة فادحة لاميركا وحلفائها.
في جنيف، كان متوقعا ان تبطئ ايران تخصيبها لليورانيوم بوقفها تشغيل تسعة الاف من اصل الطرود المركزية الخمسة عشر الفا التي تملكها للتخصيب. كذلك، كان مطلوبا ان يحول الايرانيون معظم مخزونهم من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة الى قضبان لتوليد لطاقة والابحاث، وتجميد بناء مفاعل آراك للبلوتونيوم، وتجميد عملية اضافة المزيد من الطرود المركزية التي تخصب اليورانيوم.
في المقابل، يفرج المجتمع الدولي عن 3 مليارات دولار من الاموال الايرانية المجمدة حول العالم، ويسمح لايران ببيع ما يقارب 10 مليارات من الذهب وتسلم اموالها بالعملات الصعبة، وبيع ما يساوي 5 مليارات من البتروكيماويات، اي ان المصرف المركزي الايراني يحصل على نحو 18 مليارا مقابل الخطوات الايرانية.
تلك كانت المرحلة الاولى او التجريبية من اتفاقية كان من المتوقع ان تليها ستة اشهر من المفاوضات لتثبيت مفاعيلها، وتوسيعها، وتحويل التجميد الايراني المؤقت للبرنامج النووي الى وقف دائم، باستثناء نسبة ضئيلة من تخصيب اليورانيوم الى درجة 3.5 في المئة، حسب قول كبار المسؤولين الاميركيين المفاوضين قبل توجههم الى جنيف يوم الخميس الماضي.
كانت حسابات أوباما وكيري مبنية على ان خفض كمية التخصيب وتحويل اليورانيوم الايراني المخصب بدرجة 20 في المئة الى قضبان يبعد ايران عن موعد انتاج القنبلة. ومع ان حلفاء اميركا، مثل اسرائيل، كانوا يطالبون بأن تفضي اتفاقية جنيف الى التزام ايران بقرارات مجلس الامن، اي وقف التخصيب الايراني نهائيا، مقابل رفع العقوبات، الا ان الادارة الاميركية اعتقدت ان اتفاقية اولية يمكنها اسكات المعارضين للانتقال الى البحث في اتفاقية نهائية.
ولسبب ما، ظهر ان الاتفاقية الاولية تختلف حتى عما قاله المفاوضون الاميركيون للصحافيين في طريقهم الى جنيف، فايران لم تعد بتجميد تركيب طرود مركزية جديدة، وهي تضيفها بمعدل 500 في الشهر، ولم تقدم طهران وعدا بوقف بناء مفاعل آراك، وحافظت على عمل 9000 من الطرود لديها، وكل هذه الامور تشير الى ان ايران ماضية في تقليص المدة التي تحتاجها لبناء قنبلة نووية، وفوق ذلك، تحصل على 15 الى 20 مليارا من الدولارات من شأنها ان تنعش الاقتصاد الايراني المتهاوي، ما يعطيها المزيد من الوقت للمضي في برنامجها.
هنا تدخلت اسرائيل، اذ على عكس سورية، حيث تنازل كيري عن العمل العسكري وعن اصدار قرار مجلس الامن بالفصل السابع في الوقت نفسه، لم تكن تل ابيب لتسمح بتنازل نووي للايرانيين في صفقة وصفها رئيس حكومتها بـ «السيئة جدا جدا»، وهي عبارة راحت تتردد على ألسنة اعضاء الكونغرس من الحزبين، وباشر هؤلاء بشن حملة ضد أوباما، وراحوا يشيدون بفرنسا، التي يبدو انها نسفت الاتفاقية بعد تنسيق عن كثب مع الاسرائيليين.
وبدأ اعضاء الكونغرس حملتهم بحلقات دردشة مع الصحافيين، وقال السناتور الجمهوري مارك كيرك، الذي باشر العمل على اصدار قانون يشدد العقوبات على ايران، ان احتياطي ايران حاليا يبلغ 80 مليار دولار، منها 20 نقدا بحوزتها، و50 مودعة في حسابات مجمدة يمكنها استخدامها للمقايضة التجارية مع بعض الدول مثل الصين والهند واليابان، و10 مجمدة. وقال كيرك ان الافراج عن 20 مليار دولار للايرانيين يمثل 25 في المئة من حجم الاحتياطي الحالي، ويضاعف كمية النقد الاجنبي المتوفر لها حاليا. 
واضاف كيرك انه ان قامت مجموعة دول خمس زائد واحد بالسماح لدول مثل الصين والهند بتحويل المليارات الخمسين الى سيولة للايرانيين، يرتفع الاحتياطي الايراني النقدي من 20 حاليا الى قرابة 70، وهو ارتفاع كبير في ظل اتفاقية مؤقتة، ويسمح للايرانيين بالمماطلة في المرحلة الثانية للاتفاق، وبالمضي في «التوصل الى القدرة على بناء قنبلة».
واول من امس، توجه كيري الى الكونغرس، وباشر - مستندا الى تاريخه الطويل وعلاقاته - في حملة لمحاولة اقناع اعضائه بتأجيل اقرار المزيد من العقوبات على ايران، وفي اقناعهم بجدوى اتفاقية جنيف التي نسفها الفرنسيون. الا ان كيري سمع من احد الاعضاء، ساعة حضوره، التالي: «يا سيادة الوزير، الايرانيون جاؤوا ليفاوضوك في جنيف لا لاننا أجلنا اقرار العقوبات عليهم في الماضي، بل لأن عقوباتنا اجبرتهم على الحضور».
في الايام المتبقية قبل ان تلتأم مجموعة دول خمس زائد واحد في جنيف يومي الاربعاء والخميس المقبلين، سيحاول كيري في واشنطن، كما سيحاول ديبلوماسيوه في باريس وتل ابيب والرياض، «بيع الصفقة» مع الايرانيين للحلفاء والاصدقاء. 
لكن «اللحظة مرت»، يقول احد اعضاء مجلس الشيوخ.
على ان البعض في واشنطن، من امثال مسؤول ملف ايران السابق المبعوث الرئاسي دينيس روس، يعتقدون ان ما يحصل الآن هو تحويل معادلة «تجميد (التخصيب) مقابل تجميد (العقوبات)»، والتي رفضها الايرانيون في العام 2007، الى معادلة «وضع سقف (للتخصيب) مقابل وضع سقف (للعقوبات)». 
ويقول روس في مطالعة ان المشكلة تكمن في ان حلفاء اميركا يخشون من ان اي تراجع في العقوبات من شأنه ان يؤدي الى انهيارها كليا، من دون تنازلات ايرانية تذكر، وانه من المفيد لاميركا ان تشرح لحلفائها ولايران ان تعليق بعض العقوبات هو مؤقت فقط، ويمكن اعادته. 
عملية تواصل واشنطن مع حلفائها قد تكون ضرورية «خصوصا في وقت تحتاج الادارة الى ارسال رسالة غير تلك التي تقول فيها انها تقلص مصالحها في المنطقة، وان لديها مشاكل اكبر في مناطق اخرى من العالم»، وفق ما يرى روس.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق