الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

سوريا: تعويم الحل السلمي

حسين عبدالحسين

لا حل عسكريا في سوريا. هي عبارة كررها امين عام "حزب الله"، السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة. قبله قالها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، اثناء استقباله نظيره القطري، خالد العطية، الشهر الماضي. 

وبين التصريحين زيارة لوزير الخارجية التركي، احمد داوود اوغلو، إلى واشنطن، التقى فيها كبار المسؤولين الاميركيين، وكرر امامهم انه سمع من الايرانيين وعوداً بتخليهم عن الرئيس السوري بشار الاسد، في مقابل التوصل الى تسوية سلمية في سوريا، أي من دون حسم عسكري لمصلحة أي من الطرفين.

نصرالله، الذي كشف أن حزبه استقبل موفداً قطرياً رفيع المستوى مؤخراً وانه اعاد الاتصال مع تركيا، قال كلاماً يعزز ما نقله داوود اوغلو الى الاميركيين. ففي حوار دام اكثر من ساعتين، تحدث نصرالله عن استحالة "تغيير الوضع القائم" في سوريا عسكرياً، لكنه لم يستبعد صراحة امكانيات التغيير الاخرى.

ومن ارض المعركة السورية تسلمت وزارة الخارجية الاميركية تقريراً استخباراتياً يظهر تزايد عدد مقاتلي "جبهة النصرة"، التي تضعها واشنطن على لائحة التنظيمات الارهابية، بخمسة الاف مقاتل. كما يظهر التقرير ازدياداً مشابها في عدد المقاتلين الأجانب لفرع القاعدة المعروف بـ "الدولة الاسلامية في العراق والشام".

التقرير نفسه أشار الى ان رئيس اركان "الجيش السوري الحر"، سليم ادريس، مستعد للمشاركة في جنيف 2، المقرر انعقاده في 22 من الشهر المقبل، "حتى يتم اثناءه مناقشة تسليم (الرئيس السوري بشار) الاسد للسلطة"، اي ان ادريس والمعارضة السورية من غير الاسلاميين اسقطت شرط رحيل الاسد قبل انعقاد المؤتمر، وتبنت فكرة ان المؤتمر هو الذي يحدد كيف تنتقل السلطة من الأسد الى حكومة مؤقتة كاملة الصلاحيات، حسب ما ورد في وثيقة جينيف 1.

إذاً، المواقف الدولية في واشنطن والدوحة وانقرة وطهران، والمحلية من ادريس ونصرالله، بدأت تتقارب، وعنوانها الرئيسي القضاء على الاسلاميين المتطرفين داخل سوريا، والذهاب الى جنيف للبحث في حل سلمي من دون حسم عسكري.

أما مصير الأسد في الحل السلمي، فيلفه الغموض حتى في تصريحات حلفائه. نصرالله الذي أكد عودة العلاقات الايرانية التركية الى سابق عهدها، لم يقل إن الأسد باق، بل قال إن السوريين هم من يحدد مصير مستقبلهم، على الرغم من أن مقاتلي حزب الله لا ينتظرون السوريين ليحددوا مصيرهم بأنفسهم على ارض المعارك.

وفي ظل تشابه المواقف الدولية والمحلية، تبقى دولتان معنيتان بسوريا خارج الاجماع الدولي المزعوم.

الاولى هي روسيا التي توقع مسؤولوها علناً ان يترشح الاسد لولاية ثالثة هذا الربيع، ورفضوا قبول اي تلميحات حول تغيير النظام السوري، وراحوا يضعون بين الفينة والاخرى عراقيل لانعقاد مؤتمر جنيف 2، وهو اصلا فكرة روسية - اميركية مشتركة. 

العراقيل الروسية تكمن في رفض روسيا مؤخراً طلباً اميركياً لمشاركة فرنسا وبريطانيا في جنيف 2، على الرغم من اعتبار نصرالله ان مشاركة كل الدول المعنية، ولا سيما الأوروبية من التي تزود المعارضين السوريين بالسلاح، ضروري في مؤتمر الحل السلمي، وعلى الرغم من التحسن المضطرد في العلاقات بين طهران ولندن.

الدولة الثانية التي يبدو انها مازالت خارج التوافق الذي يتشكل حول سوريا ومؤتمر جينيف 2 هي السعودية. تصريحات المسؤولين فيها لا تزال تشير الى اعتقادهم بامكان الحل العسكري، او على الاقل، حسب قول نصرالله، يدعمون المقاتلين لاضعاف الاسد قدر الامكان قبل حضوره جنيف 2.

المواقف المحلية السورية واللبنانية تتغير، وكذلك الاقليمية والدولية، والولايات المتحدة ليست استثناء، ففي ظل الاقنية المتعددة والبعيدة عن الانظار المفتوحة مع طهران، لم يعد الاميركيون يعتقدون ان ايران هي جزء من المشكلة في سوريا، بل صاروا يرددون انها جزء من الحل، وان مشاركتها في جنيف 2 ضرورية.

في السابق وضع المسؤولون الاميركيون، علناً، تبني ايران لوثيقة جنيف 1 شرطاً لمشاركتها في جنيف. هذه الايام، يقول المسؤولون الاميركيون، سراً، إنهم يعتقدون أن ايران ليست متمسكة بالأسد، وفي الحالة هذه، لا ضرورة لوضع أي شروط على مشاركتها ففي حضورها تعزيز للمؤتمر ومصلحة لمن يريد استبدال الأسد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق