الجمعة، 21 مارس 2014

سوريا: أميركا ملتزمة بالرمزية

حسين عبدالحسين

حتى فترة قصيرة قبل تقاعده وخروجه من وزارة الخارجية، تمسك السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، بإصراره على أن إخراج الاسد والإبقاء على نظامه هو الحل الوحيد للمشكلة السورية. وفي اللقاءات المغلقة التي عقدها مسؤولون في البيت الأبيض مع الصحافيين، غالباً ما أشار المسؤولون إلى ما اعتبروه تململاً في صفوف العلويين في شمال سوريا الغربي، مع ازدياد عدد القتلى في الدفاع عن بشار الأسد، من دون هدف واضح في الأفق. 

ولطالما ردد المسؤولون الأميركيون أمام الصحافيين أنهم يتلقون اتصالات وإشارات من مسؤولين رفيعي المستوى داخل نظام الاسد، مدنيين وعسكريين، وأنهم يعملون على إقناع هؤلاء بالانقلاب والإطاحة بالأسد، والدخول في حل سياسي مع المعارضة يضمن لهم بقاءهم كشركاء في السلطة في مرحلة ما بعد الأسد. 

لكن بعد مؤتمر "جنيف 2" المخيب للآمال، حتى باعتراف منظميه وفي صدارتهم الأمم المتحدة ومبعوثها الأخضر الإبراهيمي، فقدَ الأميركيون الأمل بإنقاذ ما تبقى من النظام السوري، وأيقنوا أن الأسد ونظامه منظومة لا تتجزأ، وأن لا جدوى من المراهنة على إخراج الرئيس السوري والحفاظ على نظامه لأن الأمر يبدو مستحيلاً، وخصوصا مع ازدياد تورط كبار مسؤولي الأسد في إهراق الدماء السورية. 

هكذا، قررت واشنطن التخلي عن فكرتها بالحفاظ على النظام أو أجزاءَ منه، واغتنمت فرصة تعيين الدبلوماسي دانيال روبنشتاين مبعوثاَ خاصاَ إلى سوريا، خلفاً لفورد، للإعلان عن توجهها الجديد الذي تمثل بإغلاق السفارة السورية في واشنطن وقنصليتين فخريتين في ميشيغان وتكساس. 

الهدف من الإغلاق، حسب مسؤولين أميركيين، هو توجيه رسالة مفادها أن أميركا قطعت أي أمل من الحكومة السورية وكل مؤسساتها العسكرية والمدنية، وأن السياسة الأميركية أصبحت تالياً مبنية على إسقاط الأسد مع نظامه بالكامل، وملاحقة أركان هذا النظام أمام الهيئات الدولية بتهم ارتكاب مجازر حرب وجرائم ضد الإنسانية، بحسب المؤسسات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. 

كذلك، يقول المسؤولون الأميركيون أن توقيت إغلاق السفارة لم يصادف مع إطلالة روبنشتاين على المسرح السوري فحسب، بل تزامن مع الزيارة التي قام بها الإبراهيمي إلى طهران لإقناعها بالتوسط لدى الأسد لثنيه عن ترشيح نفسه لولاية ثالثة في يوليو/تموز المقبل، إذ من شأن ذلك الإطاحة تماماً بأي مشاريع تسوية سياسية، فوثيقة "جنيف 1"، والتي انعقد مؤتمر "جنيف 2" بناء عليها، تنص على ضرورة نقل السلطة التنفيذية بالكامل، أي بما في ذلك صلاحيات الأسد، إلى هيئة انتقالية تتألف من ممثلي المعارضة والنظام. 

ويتابع المسؤولون الأميركيون أن "القطع التام للعلاقة الاميركية بالحكومة السورية يهدف الى القول بأن الامور وصلت الى نقطة اللاعودة، ويمكن للأسد ترشيح نفسه والفوز بولاية ثالثة، لكن واشنطن وحلفاءها وغالبية المجتمع الدولي لن يعترفوا بشرعية تمثيله او شرعية نظامه". هذا في الشكل. 

أما على ارض الواقع، فتأثير إغلاق البعثات الدبلوماسية السورية في الولايات المتحدة هامشي. صحيح أن السفارة السورية في دمشق لعبت دوراً محورياً بقيادة السفير السابق عماد مصطفى، إبان اندلاع الثورة في ربيع العام ٢٠١١، إلا أن نقل دمشق، لمصطفى، إلى الصين بعد ثبوت تورطه في مراقبة مواطنين أميركيين من أصل سوري تظاهروا ضد النظام في أميركا، بهدف ملاحقة أقاربهم داخل سويا، شكّل نهاية الدبلوماسية السورية في العاصمة الأميركية. 

وكان "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (أف بي آي) قدم إلى المحاكمة مواطنين أميركيين من أصل سوري، موالين للأسد، عمدوا إلى ترهيب سوريين - أميركيين مثلهم مؤيدين للثورة. وامتد ترهيب مؤيدي الأسد من داخل دمشق إلى داخل أميركا نفسها، وفي أوقات قامت المجموعات المؤيدة للأسد بإلحاق الأذى بمعارضين سوريين داخل أميركا، وهو ما دفع الـ"أف بي آي" إلى التحرك. 

لكن منذ مطلع العام الماضي، تراجع نشاط معارضي الأسد من السوريين الأميركيين في عموم الولايات المتحدة، وتراجع في المقابل دور مؤيدي الأسد في إرهابهم أو في تنظيم تظاهرات مضادة. وفي هذه الأثناء، ضمرت الدبلوماسية السورية، التي كانت تقوم بأدوار سياسية وكذلك بوليسية بحق السوريين، وتحولت السفارة السورية الواقعة على جادة وايومينغ إلى مبنى خاوٍ إلا من نفر قليل من الدبلوماسيين السوريين من الدرجات المنخفضة، ومن السوريين الأميركيين ممن يعملون في إمرتهم. 

مع إغلاق السفارة السورية في أميركا وقنصليتيها، طردت واشنطن آخر المتبقين من دبلوماسيي الأسد في حركة اكتسبت رمزية ولكن من دون تأثير فعلي، وهي الرمزية نفسها التي تستخدمها واشنطن في الأزمة السورية، وهي خطوة تشي بأن في الملف السوري، مازالت واشنطن غير مستعدة للقيام بأي خطوات فعلية غير خطواتها الرمزية ومساعداتها الإنسانية للسوريين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق