الأربعاء، 14 مايو 2014

سوريا: المتظاهرون بقيادة الثورة ضيوف المتظاهرين بدعمها

حسين عبدالحسين

لم يكد رئيس أركان الجيش السوري الحر، عبدالإله البشير، ينهي ملاحظات كان أدلى بها أثناء إحد لقاءاته في العاصمة الأميركية، وقال فيها إن لا تنسيق بين قواته و"جبهة النصرة"، على الرغم من ان الطرفين يقاتلان ضد قوات بشار الأسد، حتى بدأت وسائل الاعلام تبث خبراً مفاده أن الجيش السوري الحر يهدد بوقف التنسيق مع "النصرة"، إن لم تفرج الأخيرة عن قائد المجلس العسكري في درعا، العقيد أحمد النعمة، الذي اختطفته قبل أيام في الجنوب السوري، وهو ما أظهر أن تصريحات البشير في واد، والواقع على الأرض في وادٍ آخر.


والمسؤولون الاميركيون يشعرون أن زوارهم لا "يمونون على الكثير" على الأرض في سوريا، لذا لا يخفي الأميركيون استخفافهم بالوفد السوري الزائر، ويعتقدون أن أحمد الجربا والبشير، لا يمثلان القوة الأساسية على الأرض، وأن أبرز الفصائل المقاتلة في السورية هي – إلى جانب "النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) اللتين تصنفهما واشنطن تنظيمين إرهابيين – "الجبهة الإسلامية"، فضلاً عن تنظيمات محلية متفرقة ومستقلة، تطلق على نفسها اسم الجيش السوري الحر، ولا تأتمر بأوامر قيادة الأركان التي يرأسها البشير.

ملاحظات البشير نفسها كانت تشي بأن الوفد السوري تم استقباله بالكثير من الشكليات وبقليل من المضمون. "لم يوجه الاميركيون أي انتقادات للأركان، وهو ما يدل على تغير في موقفهم"، قال البشير امام جمع من الجالية السورية في واشنطن، في تصريح يشي بانخفاض مستوى تطلعات وطموحات الوفد السوري الزائر، الذي من المتوقع ان يغادر العاصمة الأميركية الأربعاء، على الرغم من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يمنحه لقاءاً، كان مقرراً حسب وكالة "رويترز".

وكانت الإدارة الأميركية استبقت الزيارة السورية بإعلان حزمة من المساعدات "غير الفتاكة" بمبلغ 27 مليون دولار، في إشارة الى تمسكها بعدم تسليح الثوار السوريين. في لفتة أخرى، أعلنت الإدارة الأميركية منح صفة تمثيل ديبلوماسي لمكتبي الائتلاف السوري المعارض في واشنطن ونيويورك. طبعا للوهلة الأولى، يبدو الإعلان الأميركي اعترافاً بسيادة الائتلاف وحصرية تمثيله للشعب السوري، إلا ان الشيطان في التفاصيل.

الصفة الديبلوماسية لا ترتبط عند الحكومة الأميركية بالسيادة، فبعثة "منظمة التحرير الفلسطينية" تتمتع بتمثيل ديبلوماسي كامل في أميركا، لكنها لا تمثل حكومة ذات سيادة، بل على العكس، لطالما اتخذت الولايات المتحدة خطوات على مدى العامين الماضيين لوقف طلبات السلطة الفلسطينية بالانضمام الى الأمم المتحدة بصفة عضو مراقب، خوفاً من أن تتحول السلطة في وقت لاحق الى دولة عضو، تطالب بسيادة على الأراضي المصنفة فلسطينية، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، في الأمم المتحدة.

كذلك تمنح واشنطن جمعيات عديدة صفة التمثيل الديبلوماسي، مثل "البنك الدولي" وصندوق النقد الدولي" و"منظمة الأمم المتحدة" وغيرها. هذا التمثيل يمنح العاملين في الجمعيات "جوازات مرور" أميركية خاصة تشبه الجوازات الديبلوماسية، ولكن من دون ان يعني ذلك ان حاملي الجوازات يمثلون حكومة ذات سيادة.

الجربا، الذي أبلى بلاءً حسناً في اطلالته العامة، كان يعلم ان واشنطن مازالت بعيدة عن تقديم أي دعم يقلب الموازين العسكرية لمصلحة الثوار على الأرض السورية. لذا، رأينا المعارض السوري يقدم ائتلافه بقوله إن الائتلاف "ليس نظام الأسد ولا المعارضة المتطرفة" بل هو خيار ثالث بديل، وعلى أميركا أن تدعمه وتؤيده كخيارها الأفضل في المنافسة السورية.

وتصريح الجربا يظهر أنه يعلم تماماً، أن الإدارة الأميركية، في صميم تفكيرها، تركز على لاعبَين، هما نظام الأسد والمعارضة التي تصنفها إرهابية.

والمعلوم ان واشنطن لا تقف في صف المعارضة، الإرهابية وغير الإرهابية، بل تقدِم أحياناً على خطوات – على سبيل المثال حجب وصول أسلحة الى الثوار اثناء معارك معينة في الجنوب – تؤدي الى افادة الأسد وتسمح لقواته بالفوز في المواجهات العسكرية.

لم تقل الادارة الأميركية يوما إنها تساند تغيير النظام في سوريا، بل ينقل عنها زوارها قولها إنها تريد أن ترى تغييراً في قيادة النظام، أي بقائه ورحيل الأسد. في موازاة ذلك، تريد واشنطن ان ترى الهزيمة تلحق بفصائل الثوار، وهي ان كانت تصنف فصيلين منهم فقط في خانة الإرهابيين، الا انها تسعى الى حجب المال والسلاح عن غالبيتهم، وكأنها تريد القضاء عليهم، وبعد ذلك خروج الأسد، ربما عن طريق إقناعه وإقناع داعميه، وخصوصاً في إيران، بذلك.

الجربا ووفده لا يمثلون القوى الأساسية الفاعلة على الأرض في الثور السورية، على الأقل حسب الرأي الأميركي الغالب، وواشنطن لا تمثل داعمي الثورة، على الأقل بالحكم على أفعالها، ما يجعل من زيارة السوريين الى العاصمة الأميركية بمثابة زيارة من يتظاهرون بتمثيل الثورة السورية إلى من يتظاهرون بدعمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق