الاثنين، 30 يونيو 2014

حملة إيرانية لاستقطاب استثمارات وسياح أميركيين

حسين عبدالحسين

يبدو أن إيران لا تعول على التوصل إلى اتفاق مع مجموعة الدول الست حول ملف طهران النووي لإعادة ارتباطها بالاقتصاد العالمي، بل تحاول استباق أي اتفاق وإعادة الانفتاح الاقتصادي بغض النظر عن نتائج المفاوضات.

في هذا السياق، دأبت مجموعة من مؤيدي النظام الإيراني في واشنطن على شن حملة في الاعلام الأميركي تحضّ فيها الأميركيين على البدء بالاستثمار في إيران وزيارتها للسياحة. في أقل من أسبوعين، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً حمل العنوان التالي: «بدأ حلم المستثمرين الأميركيين بالعودة إلى إيران». وبعد ذلك بأيام، نشر الموقع السياحي «سفريات البدو» مقالة مصورة بعنوان «79 سبباً لزيارة إيران»، في وقت نقلت تقارير عن نجم محطة «سي ان ان» انتوني بورداين، الذي يقدم برنامجاً يحمل اسمه ويتمحور حول زيارته دول العالم، قوله «لم أكن أتوقع ان من بين كل دول العالم، ستتم معاملتنا انا وفريقي بشكل حسن جداً من قبل غرباء، أينما ذهبنا في إيران».

وفي وقت قد يشعر بورداين بأن حسن المعاملة التي تلقاها اثناء زيارته إيران، وتصويره برنامجه، جاءت من قبيل الصدفة، وعلى ايدي «غرباء»، وفي وقت قد يشعر القارئ الأميركي بأن مقالة «واشنطن بوست» كتبت ونُشرت من قبيل المصادفة ايضاً، يعلم العارفون ان تقارير إعلامية من هذا النوع لا تمر من دون موافقة العيون الساهرة للنظام الإسلامي في إيران.

كاتب مقالة «واشنطن بوست»، على سبيل المثال، أميركي من أصل إيراني ويدعى جايسون راضيان ويقيم في طهران، ويراسل صحيفته من هناك بشكل متواصل. ومن يعرف كيفية عمل الأنظمة كما في إيران، يعرف أن شروط إقامة راضيان مبنية على كتابته مقالات تؤدي إلى تحسين صورة النظام، وربما تساهم في بث الدعاية له، وانه من دون العلاقة الوطيدة بين راضيان والنظام، لكانت طهران طردته منذ زمن بعيد.

«للمرة الأولى منذ عقود، يقوم رجال الأعمال من الولايات المتحدة بزيارة إيران بأعداد كبيرة للبحث في شراكات مستقبلية محتملة، فيما يبدأ المستثمرون الإيرانيون والأميركيون بإعداد تصورهم لإعادة فتح القنوات التجارية التي اغلقت منذ زمن بعيد»، يكتب راضيان، من دون تقديم أي مصادر أو أرقام لدعم ادعاءاته القائلة بأن أعداد الأميركيين ممن يزورون إيران كبيرة فعلاً.

وتشي القراءة بين السطور بأن زوار إيران من الأميركيين ليسوا أحراراً تماماً في زيارتهم، فالأميركي الذي يطلب تأشيرة دخول إلى إيران، يحتاج إلى مضيف، و «بالنسبة للمواطنين الأميركيين ممن منحوا تأشيرات»، وفق راضيان، «يقوم مضيفوهم المحليون بتنظيم برامج، والتي تضمنت أخيراً زيارات إلى شركات استثمار، وسوق أسهم طهران، ومعامل، ومزارع، ومشاريع تكنولوجية حديثة».

من هم هؤلاء المضيفون؟ ينقل راضيان عن العامل في «المجلس القومي الإيراني - الأميركي»، وهو لوبي في واشنطن معروف بتأييده للنظام الإسلامي ولإنهاء العقوبات حتى في حال عدم التوصل إلى اتفاق نووي، ان المجلس يتلقى سيلاً من الاتصالات يومياً من «أميركيين يودون السفر إلى إيران». ويقدم راضيان المجلس بالقول انه «من التنظيمات غير الحكومية القليلة الذي يتمتع باتصالات مستمرة مع الحكومتين» الأميركية والإيرانية.

إذاً، لا يختار المستثمرون الأجانب، ولا الإعلاميون من أمثال بورداين، مضيفيهم في إيران، بل يحصلون على هؤلاء المضيفين في الغالب عن طريق منظمات مقربة من النظام الإيراني، ما يعطي طهران إمكان اختيار المضيفين بعناية، وربما يكون بعضهم من الأمنيين المقربين من النظام او العاملين في «الحرس الثوري الإيراني» والمؤسسات المتنوعة التابعة له.

هكذا، قد لا يكون مفاجئاً اعتقاد راضيان بأن «شركات النفط الأميركية العملاقة وشركات صناعة السيارات، تجري محادثات مع نظيراتها الإيرانية منذ ان تسلم الرئيس حسن روحاني الحكم عام 2013»، فمن يعرف أن الحرس في إيران يسيطر على معظم مفاصل الاقتصاد الإيراني، وان شركات النفط الإيرانية هي، على عكس الأميركية، ملك الحكومة، يعرف ان هذه اللقاءات التجارية بين الأميركيين والإيرانيين هي في الواقع تقارب بين هؤلاء الأميركيين و «الحرس الثوري الإيراني» نفسه. وكما في مقالة «واشنطن بوست»، كذلك على موقع «سفريات البدو»، يكتب صاحب الموقع خواو ليتاو مقالة يلخص فيها الأسباب الواجبة لزيارة إيران على الشكل التالي: «أولاً، إيران من أكثر الأماكن أمناً التي زرتها، ومعدل الجريمة فيها أدنى كثيراً من معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة». ثانياً «الإيرانيون الأكثر ضيافة وصداقة في العالم»، وثالثاً، «إيران متطورة، ونظيفة، وشعبها مثقف ويتمتع بوعي ثقافي وسياسي». ويختتم بأن «كل ما تقوله قنوات التلفزة الغربية عن إيران هو دعاية ولا يمت إلى الواقع بصلة».

ومع ان ليتاو زار إيران قبل سنتين، الا ان توقيت نشر مقالته منذ فترة قصيرة قد يحمل دلالات، خصوصاً ان صحافيين أميركيين إيرانيين، مثل مراسل صحيفة «لوس انجيليس تايمز» بورزو داراغاهي، عمد إلى توزيعها على صفحته على موقع «فايسبوك» واغراقها بالمديح.

هل هي صدف ان ينشر الصحافيون الأميركيون من أصل إيراني مادة تحض الأميركيين على الاستثمار والسياحة في إيران؟ ام أن المفاوضات النووية بين مجموعة الدول الست وإيران تبدو متعثرة، ما يفرض سعي الحكومة الإيرانية إلى كسر العقوبات الدولية الخانقة بأي شكل ممكن؟

الإجابة ستبقى غامضة، خصوصاً في حال تعثرت الاتفاقية النووية وتم تمديد الاتفاقية الحالية الموقتة ستة أشهر أخرى حتى 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. في هذه الاثناء، لن تقف طهران جانباً في انتظار اتفاق، بل يبدو انها اوعزت إلى مناصريها بشن حملة ربما تنجح في كسر العقوبات، مع التوصل إلى اتفاق مع المجتمع الدولي او من دونه.

الأحد، 29 يونيو 2014

«نيوزويك»: المالكي كشف جواسيس الـ «سي آي اي» لإيران

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

في الوقت الذي ترسل فيه الولايات المتحدة 300 من مستشاريها العسكريين مهمتهم الأولى تحسين جمع المعلومات الاستخباراتية في العراق، وخصوصا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، كشفت مجلة «نيوزويك» ان حكومة نوري المالكي، وبمساعدة إيرانية، نجحت في كشف معظم عملاء «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» (سي آي اي) في العراق منذ العام 2007.

ونقلت المجلة عن عملاء سابقين في الوكالة، وعن مسؤولين رفيعي المستوى لم تفصح عن هويتهم، انه إثر الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003، قام الاميركيون بتعيين الجنرال محمد شهواني كرئيس جهاز الاستخبارات العراقي الجديد الذي انشأته «سي آي اي» العام 2004. وشهواني عراقي سني سبق ان عمل في جهاز استخبارات صدام وكان من عملاء الوكالة الأميركية لوقت طويل وساهم في التخطيط لإحدى محاولات الانقلاب ضد صدام.

لكن منذ اليوم الأول، شنّت إيران وحلفاؤها العراقيون «حملة عنيفة ضد الاستخبارات العراقية الجديدة وضد عملاء السي آي اي في العراق».

ويقول جون ماغواير، وهو عمل نائبا لرئيس محطة «سي آي اي» في العراق في 2004، ان «الاستخبارات العراقية التي انشأتها واشنطن تعرضت لحملة شعواء من وزارة الداخلية تحت اشراف المالكي، وطردوا كل من اشتبهوا فيهم، أي كل من قمنا نحن بتعيينهم في الاستخبارات العراقية... وفي العام 2007، اطاحوا بشهواني».

ويضيف ماغواير: «بعد ذلك بدأت عملياتهم التقنية ضد السي آي اي، ومنذ عامين (أي في العام 2012 على اثر انسحاب كل القوات الأميركية من العراق)، بدأوا بملاحقة عملائنا جديا».

وتنقل المجلة عن ماغواير ومسؤول آخر، ان «العراقيين حصلوا على أجهزة متطورة لمراقبة الهواتف الخليوية»، وانهم «الأرجح حصلوا عليها من إيران، وبدأوا بتعقب عملاء السي آي اي لكشف الجواسيس وخصوصا داخل حكومة المالكي». وأضاف المسؤولان ان «العراقيين لم يكونوا مهتمين بتحديد من هم عملاء السي آي اي بقدر اهتمامهم بتحديد مَن مِن العراقيين كان يتعامل معهم».

ويضيف العميلان ان العراقيين «عدوانيون جدا»، وان «بحوزتهم أفضل معدات لدى إيران، بما في ذلك الأجهزة المعروفة بـ (ستينغ رايز)، والتي يمكنها اختراق أجهزة الخليوي واستخراج داتا منه تتراوح بين لائحة المعارف والصور والموسيقى».

ويستطرد العملاء السابقون بالقول ان عملاء «سي آي اي» في بغداد يجعلون من السهل على الحكومة العراقية كشف هويتهم اذ هم يعملون من داخل المنطقة الخضراء بسبب المخاطر الأمنية خارجها، ما يعني ان عملهم يعتمد على خطوط التلفونات، «والعراق وإيران يمكنهم مراقبة ذلك».

وتتابع المجلة: «بالتعامل مع الازمة الراهنة، ستقدم الولايات المتحدة والعراق خرافة انهما حليفان، اذ حسب (البنتاغون)، سيعمل 90 مستشارا عسكريا على انشاء مركز معلومات مشترك، من اثنين، يتشارك فيه الاميركيون والعراقيون المعلومات الاستخباراتية».

وتنقل عن مسؤول في «سي آي اي» انه من الأفضل للأميركيين ان يتوخوا الحذر، «فالعراقيون سيكونون في كل مكان حولهم».

الجمعة، 27 يونيو 2014

أحداث العراق تسرق أضواء واشنطن بعيدا عن سورية

| واشنطن من حسين عبدالحسين |

اتساع الحملة التي يشنها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) داخل العراق، وابتعاد «جبهة النصرة» عن «الجيش السوري الحر» واقترابها من داعش، وتسليم الرئيس السوري بشار الأسد لترسانته الكيماوية، كل هذه التطورات دفعت كبار المسؤولين في إدارة الرئيس باراك أوباما الى تقديم رواية جديدة مفادها انها لطالما كانت على حق، وأن اولويتها في الشرق الأوسط كانت ولاتزال «مكافحة الإرهاب» الذي تمثله داعش والذي يتسع يوما بعد يوم، وان الأسد لا يشكل تهديدا على المصالح الغربية، وانه لا يمكن ان تأمن واشنطن للثوار السوريين وتعمل على تسليحهم لأنها لا تعرف من منهم ممكن ان ينقلب في موقفه وينضم الى داعش.

ويقول ديبلوماسيون أوروبيون في العاصمة الأميركية ان واشنطن أطلقت نبوءات مع اندلاع الثورة السورية، وفي وقت لاحق ساهمت سياستها في تحقيق هذه النبوءات، اذ ان الإرهاب لم يكن لينشأ لو أنها تدخلت في مراحل مبكرة لمنع الأسد من استخدام العنف المفرط ضد المدنيين، ولو كانت عمدت الى تدريب المعارضة المعتدلة وتسليحها قبل قيام المجموعات المتطرفة، ولو كنت فرضت على رئيس حكومة العراق مشاركة السلطة وعدم انحيازه للأسد.

ويقول ديبلوماسي أوروبي طلب عدم ذكر اسمه ان بلاده لطالما طلبت من اميركا، منذ العام،2012 إيلاء الوضع العراقي اهتماما أكبر: «تصوروا انه قبل احداث الموصل، لم يزر (وزير الخارجية) جون كيري العراق الا مرة واحدة منذ تعيينه مطلع العام الماضي».

وبالفعل، تراجعت أهمية العراق في دوائر القرار الأميركي في السنتين الاخيرتين، حتى ان وزارة الخارجية التي كانت خصصت نحو 100 من العاملين فيها والمتخصصين في شؤون الشرق الأوسط للعمل في «مكتب العراق»، خفضت عدد هؤلاء الى اقل من الربع، وانتقل بعضهم للعمل في «مكتب سورية». لكن الاهتمام الأميركي بالعراق يعود، ربما ليس الى سابق عهده، ولكن اهتمام الإدارة الأميركية بالشؤون العراقية عاد، من دون شك، الى صدارة اهتماماتها في الشرق الأوسط.

يتابع الديبلوماسي الأوروبي انه كما في سورية، كذلك في العراق، السياسة الأميركية مرتبكة ومتضاربة، ويقول: «في سورية، قال كيري ان بلاده تعمل على زيادة دعمها للمعارضة المسلحة المعتدلة، ثم خرج الرئيس (أوباما) ليقول عكس ذلك، وليشكك بجدوى تسليح هذه المعارضة التي وصف مقاتليها بالهواة، معتبرا ان لا أمل لديهم في مقارعة قوات الأسد او المجاهدين الاحسن تدريبا وتسليحا».

وفي العراق، «قالوا ان تدخلهم يشترط قيام حكومة وحدة وطنية عراقية تجمع كل الأطراف السياسية، ثم قال المسؤولون الاميركيون في جلسات خاصة معنا انهم يخشون ان يؤدي تأخر قيام حكومة عراقية الى نجاح داعش في تثبيت نفسها في مواقعها، لذا، لدى واشنطن الآن خطة بديلة للتدخل حتى من دون حكومة لمنع استفحال الامور».

ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان السياسيين العراقيين ملزمون، حسب الدستور، بتشكيل حكومة بعد 45 يوما من مصادقة المحكمة العليا على نتائج الانتخابات البرلمانية الأسبوع الماضي، وان هذا من شأنه ان يؤدي الى ولادة حكومة يمكن لواشنطن انشاء شراكة معها لاستعادة السيطرة على الأراضي التي خسرتها منذ 10 يونيو.

الديبلوماسيون الأوروبيون، بدورهم، قلقون من الارتباك الأميركي، ويعتقدون ان احداث العراق «لم تسرق الاضواء من سورية فحسب، بل نتوقع المزيد من التأجيج الطائفي والمواجهات في العراق وفي عموم المنطقة».

ويعتقد الأوروبيون ان «داعش» تتسع بسبب الفشل في سورية، لا بغض النظر عنه حسبما يعتقد اصدقاؤنا الاميركيون، وان كررنا سياسة سورية في العراق، فالأمور ستتجه الى المزيد من التعقيد والمواجهات والدماء».

يختم المسؤولون الأوروبيون بسخرية انه «اذا كانت سياسة أوباما الجديدة المبنية على البحث عن حكومات محلية وتحويلها الى شركاء في مكافحة الإرهاب، فان الأسد سيشكل النموذج الأفضل، وقد يكون الأسد شريكا ضد الإرهاب حتى افضل من المالكي بالنظر للأداء العسكري المزري للعراقيين مقارنة بالسوريين».

هي سياسة تخبط، قبلا في سورية والآن في العراق. اما جولات كيري المتواصلة في المنطقة وخطابات أوباما ومؤتمراته الصحافية اخيرا، فهي تبدو وكأنها «البعض من الشيء نفسه»، حسب التعبير الأميركي المعروف.

كيري التقى خادم الحرمين وأكد للجربا «أن بإمكانكم مساعدة العراق في مواجهة داعش»

عواصم - وكالات - استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، في جدة أمس، وزير الخارجية الاميركي جون كيري واستعرضا للأزمتين العراقية والسورية، والتهديد الذي يشكله تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش)، للمنطقة، كما تلقى خادم الحرمين اتصالا من العاهل الاردني عبدالله الثاني هنأه فيه بحلول شهر رمضان المبارك، كما تم خلال الاتصال بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، واستعراض مختلف القضايا على الساحتين العربية والدولية.

ولاحقا (وكالات)، أكد كيري عقب لقائه رئيس «الائتلاف السوري المعارض» أحمد الجربا، ان «المعارضة السورية المعتدلة (...) بامكانها لعب دور مهم في صد الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، ليس فقط في سورية وانما في العراق ايضا».

وتابع ان «الجربا يمثل قبيلة تنتشر في العراق وهو يعرف اشخاصا هناك كما ان وجهة نظره وكذلك وجهة نظر المعارضة المعتدلة ستكون مهمة للغاية للمضي قدما» مؤكدا «اننا في لحظة تكثيف الجهود مع المعارضة».

وتزامن اللقاء مع رئيس ائتلاف المعارضة السورية مع اعلان ادارة الرئيس باراك أوباما تخصيص مبلغ 500 مليون دولار من اجل «تدريب وتجهيز» المعارضة السورية المعتدلة.

وقالت الناطقة باسم مجلس الامن القومي كايتلين هايدن، في بيان: «بينما مازلنا نؤمن ان لا حل عسكري للأزمة، وانه لا يجب على الولايات المتحدة ان تزج بجنود اميركيين في القتال في سورية، يمثل طلبنا للكونغرس خطوة في اتجاه مساعدة الشعب السوري في الدفاع عن نفسه ضد هجمات النظام، وان يواجه العدد المتزايد من المتطرفين مثل (داعش) الذين يجدون ملاذا آمنا في الفوضى، وان يأخذ السوريون مصيرهم بأيديهم عن طريق تعزيز امنهم واستقرارهم على النطاق المحلي». وتابعت انه «كجزء من صندوقنا للشراكة لمكافحة الإرهاب، نحن نطلب 1،5 مليار دولار من اجل مبادرة تثبيت إقليمية تشمل جيران سورية – الأردن، لبنان، تركيا، والعراق – وكذلك المعارضة السورية المعتدلة». وأضافت: «بالخصوص، نحن نطلب 500 مليون دولار من اجل تخويلنا تدريب وتجهيز عناصر تم التدقيق بهويتها من المعارضة المسلحة المعتدلة».

من جهته، دعا الجربا الى تقديم «مساعدة اكبر من الولايات المتحدة للثوار السوريين»، كما طالب «واشنطن والقوى الاقليمية ببذل جهود قصوى لمعالجة الوضع في العراق».

الأربعاء، 25 يونيو 2014

حيرة واشنطن: حكومة عراقية قبل هزيمة داعش أم بعدها؟

حسين عبدالحسين

في الأيام الأولى بعد انهيار القوات الحكومية العراقية في الموصل، اشارت التقديرات الاستخباراتية الأميركية الى ان القوات المعادية للحكومة في طريقها لاجتياح بغداد بأكملها، وهو ما دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما الى عقد سلسلة مكثفة من الاجتماعات مع فريقه للأمن القومي، للتباحث في كيفية تدارك الخطر الذي قد ينتج عن سقوط بغداد. لكن أوباما رفض في الوقت نفسه تقديم عونٍ عسكري سريع للحكومة العراقية خوفاً من أن يظهر ذلك الولايات المتحدة وكأنها منحازة لشيعة العراق ضد القوات المتمردة، ذات الغالبية السنية.

وعن طريق التواصل مع الحكومة العراقية، أدرك أوباما ان رئيسها نوري المالكي والقيادات الشيعية كانت تشعر بخطر وجودي، وهو ما جعل الرئيس الأميركي يعتقد انه يمكنه ربط انقاذ بغداد، بإعادة ترتيب العملية السياسية، وإعادة العلاقات بين القيادات الشيعية ونظيرتها السنية والكردية بعد طول توتر وانقطاع.

وبناء عليه، أرسلت واشنطن تصورها الى إيران، طالبة منها دعم السيناريو المبني على تشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية يمكن تقديم كل المعونة لها في الحاق الهزيمة بالمتمردين، وخصوصاً تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).

لكن طهران تتكلم بألسنة متعددة، تقول المصادر الأميركية. فبعد أن أبدى رئيسها حسن روحاني استعداد بلاده للتعاون مع واشنطن، قال مرشدها الأعلى على خامنئي إنه يرفض التعاون، ويريد بقاء القيادة العراقية الحالية على ما هي عليه. ربما تعتقد طهران ان تمسكها بالمالكي يرميه في احضانها تماماً.

على ان بقاء المالكي رئيساً للحكومة يحتاج الى أكثر من تأييد خامنئي له، في وقت يسعى المالكي الى تأجيل موضوع تشكيل الحكومة الى ما بعد قلب الصورة العسكرية على الأرض، ربما اعتقاداً منه انه لو نجح في ذلك، فهو لن يعود بحاجة الى شركاء في ولايته الثالثة، لا محليين ولا دوليين، غير إيران.

هكذا، خافت واشنطن من أن يقوم المالكي "بعمل القرود"، وهي عبارة أميركية تفيد التلاعب، لتأجيل مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات. غير أن المحكمة صادقت على النتائج، وهو ما يعني، حسب الدستور العراقي، أنه امام مجلس النواب العراقي حتى آخر الشهر للالتئام واختيار رئيسه، وشهر بعد ذلك لانتخاب رئيس للجمهورية، و15 يوماً لتسمية رئيس للحكومة.

هذا الجدول الزمني الدستوري "جاء في وقته"، يقول المسؤولون الاميركيون، إذ هو يفرض تشكيل حكومة عراقية من دون التأجيل او حتى تبيان الوضع العسكري على الأرض. بعد ذلك، يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع، وهذه الحكومة التي ستسعى واشنطن الى شراكة معها في مواجهة القوات المتمردة.

لكن المسؤولين الاميركيين يعتقدون ان فترة 50 يوماً هي مدة طويلة تسمح لقوات، مثل داعش، بتوسيع رقعة سيطرتها على المزيد من الأراضي. صحيح أن خطر اجتياح بغداد صار بعيداً، الا انه كلما بقيت داعش أكثر في المناطق التي تسيطر عليها، كلما عززت سلطتها ورسختها. وينقل مسؤول أميركي في جلسة مغلقة مع صحافيين انه سمع من سياسي عراقي من نينوى ان داعش صارت ترفع علمها، بدلاً من العلم العراقي، على مبنى المحافظة.

كذلك، يُقلق واشنطن ان داعش استولت على المعابر الحدودية مع سوريا والأردن، وخصوصاً على بلدة الرطبة، التي يقول المسؤولون الأميركيون إنها ترتبط بطريق سريع بالسعودية والأردن، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لداعش لتوسيع رقعتها أكثر فأكثر، على الرغم من أن المسؤول نفسه يستبعد أن يكون لدى التنظيم المذكور العديد، والعدة اللازمة للتوسع الى هذا الحد.

ماذا ستفعل واشنطن من الآن وحتى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشن حملة عسكرية شاملة لإعادة سلطة الدولة العراقية على كافة أراضيها؟

تقول الأوساط الأميركية ان وصول المستشارين العسكريين الاميركيين الثلاثمائة الى العراق، ومشاركتهم مع القوات العراقية على ارض المواجهات، هدفه الرئيسي تعزيز عمل التجسس الجوي، الذي كثفته واشنطن منذ منتصف الشهر الحالي. ما يعني أنه في الوقت الذي يحين موعد استعادة الحكومة العراقية لأراضيها، يكون قد تشكل لدى القوات الأميركية، بالتعاون مع نظيرتها العراقية، بنك من الأهداف يرشد القوات الجوية ويساهم في رسم الخطة العسكرية بشكل مفصل.

ختاماً، يعتقد المسؤولون الاميركيون ان التعاطي مع مشكلة العراق من شأنه ان يساهم في رسم تجربة أميركية جديدة لإقامة شراكات عسكرية مع حكومات حول العالم لمكافحة الإرهاب، بحسب السياسة التي قدمها أوباما في خطابه في اكاديمية وست بوينت العسكرية في وقت سابق من الشهر الماضي. فإن نجحت التجربة العراقية، يمكن تكرارها في مناطق أخرى في الشرق الأوسط وافريقيا، حسب المسؤولين الاميركيين.

الثلاثاء، 24 يونيو 2014

البروفيسور اللبناني - الأميركي فؤاد عجمي: حكاية رحلة تأرجحت بين ناصر... وبوش الابن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قبل أعوام قليلة، اشتكى البروفيسور الأميركي من أصل لبناني فؤاد عجمي من ألم في الجهة اليمنى من رقبته. اعتقد انه بسبب جلساته الطويلة على جهاز «آيباد» وأجرى فحوصات طبية، فتبين انه يعاني من مرض خبيث انتشر في عظمه. كان العام الدراسي لم ينته بعد، لكن عجمي أعلن تقاعده وحصر نشاطه بالكتابات الصحافية المتفرقة في كبرى الصحف الأميركية واطلالته على القنوات التلفزيونية.

عجمي كان انسانا متكتما على شؤونه الشخصية، ولكن أصدقاءه نقلوا عنه انه ابدى تجاوبا مع العلاج وتحسن كثيرا. والأسبوع الماضي، نشر عجمي آخر مقالاته في صحيفة «وول ستريت جورنال» اليمنية معلقا على احداث الموصل، وحمّل فيه الرئيس باراك أوباما ورئيس حكومة العراق نوري المالكي مسؤولية ضياع الإنجازات التي كافح الاميركيون من اجلها لتثبيت الوضع في العراق.

بعد أيام، ردد مقربون من عجمي ان وضعه يسوء وانه انتقل الى بيت صيفي له في ولاية ماين الشمالية ليقضي فيها آخر أيامه. وصباح اول من أمس، أصدر مركز أبحاث هوفر، التابع لجامعة ستانفورد المرموقة، بيانا أعلن فيه وفاة الأكاديمي، الذي شغلت اعماله وآراؤه رجال القرار والسياسة والثقافة في العاصمة الأميركية وعواصم أخرى.

ولد عجمي في بلدة ارنون الجنوبية اللبنانية في 19 سبتمبر 1945. كان يردد ان عائلته من أصول إيرانية وانتقلت الى الجنوب اللبناني بسبب اعمالها في زراعة وصناعة التبغ. مع حلول الخمسينات، انتقلت عائلته الى بيروت حيث درس في مدرسة «انترناشونال كولدج»، ولم يكد يتم الثامنة عشرة حتى انتقل الى الولايات المتحدة حيث اتم دراسته الجامعية، وتزوج الأميركية ميشال وأنجب منها.

كان عجمي يصف نفسه انه في زمن اقامته في بيروت، كان من المعجبين بالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ومع أواخر السبعينات وحتى منتصف الثمانينات، برز اسم عجمي كواحد من الاكاديميين الاميركيين من اصل عربي الذين أيدوا الثورة الفلسطينية وعارضوا السياسات الإسرائيلية، مثله مثل الاكاديمي الراحل من اصل فلسطيني ادوار سعيد. حتى ان شريط فيديو على موقع «يوتيوب» يظهر عجمي في العام 1978 يساجل شابا إسرائيليا من خريجي جامعة «ام آي تي» المرموقة يبلغ من العمر 28 واسمه بن ناتاي.

بن ناتاي اليوم هو رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، وهو دخل في نقاش حاد مع عجمي حول حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم في مناظرة متلفزة في قاعة غصت بالحضور.

لكن «شهر العسل» بين عجمي والقضية الفلسطينية لم يدم. ربما هو الشعور الشيعي الذي ضاق ذرعا بالفصائل الفلسطينية المسلحة وممارساتها في جنوب لبنان في ما عرف بـ«فتح لاند» في ذلك الوقت، وهو ما وصل الى حد المواجهة بين «حركة امل» الشيعية، التي أسسها الامام موسى الصدر، وفصائل الثورة الفلسطينية.

وما يعزز فرضية اختيار عجمي هويته الشيعية على مناصرته للقضية الفلسطينية تأليفه كتاب «الامام المختفي» عن الصدر في منتصف الثمانينات، الذي قدم فيه سيرة حياة الصدر، وانتقاله الى لبنان، وصعوده، وتحريكه الشيعة سياسيا، حتى اختفائه في العام 1978.

وفي وقت لاحق، ابتعد عجمي أكثر فأكثر عن الخط العام للعرب الاميركيين الذين يلقون باللائمة على «الامبريالية» والسياسات الأميركية في المشاكل العربية. اما عجمي فصار أكثر تمسكا بفكرة ان احدى أكبر مشاكل العرب هي داخل بلدانهم ومجتمعاتهم، داعيا الى إصلاحها، وداعيا الغرب، خصوصا القوة الأميركية، الى لعب دور رئيسي في المساعدة في ذلك، وهو ما بدا جليا في كتابه «قصر أحلام العرب» في العام 1998.

هكذا، وجد عجمي نفسه في مواجهة مع سعيد وصحبه أدت الى خصام وافتراق، ووجد نفسه أكثر قربا وتماهيا مع التيار الذي يقوده البروفيسور الأميركي من أصل بريطاني برنارد لويس.

وعجمي، الذي يجمع قراؤه من الاميركيين والعرب، على انه يكتب نصوصه بأسلوب جميل ونادر، كان يتكلم الإنكليزية بطلاقة تشوبها لكنة عربية الى حد انه كان يقول «عرب» بدلا من «اراب»، وكان في اطلالاته المتكررة على محطة «سي ان ان»، خصوصا في الأسابيع الأولى التي رافقت اندلاع الثورات العربية، يقدم معلومات عن التاريخ العربي، ويكيل المديح للثقافة العربية، معتبرا ان تغيير بعض الأنظمة، ان عن طريق الحروب كما في العراق او الثورات كما في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، سيعطي الشعوب الفرصة لإظهار أفضل ما لديها والعيش بحرية.

لكن تأييد عجمي لحرب العراق الثانية وضعه في مواجهة واسعة، لا مع غالبية العرب والعرب الاميركيين فحسب، بل كذلك مع التيار الأميركي اليساري الذي عارضها، ما وضع عجمي في قلب التحالف الجمهوري اليميني الذي خطط لها.

هكذا، كان عجمي يعرض في كل خريف لتلامذته في جامعة جونز هوبكنز، التي علم فيها لعقود حتى تقاعده، بطاقات معايدة شخصية من الرئيسين جورج بوش الاب والابن، وعجمي كان، اثناء ولايتي الابن، من أكثر المقربين للإدارة واركانها، وعلى رأسهم نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومساعد وزير الدفاع بول وولفوفيتز. وكان عجمي من أبرز زوار البيت الأبيض على مدى سنوات حكم بوش.

لكن ما يؤخذ على عجمي في تأييده حرب العراق لم يدم، فهو كان من مؤيدي الضربة العسكرية ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد كذلك، وهو أمر كان يتمتع بتأييد غالبية عند العرب والعرب الاميركيين.

منذ الثمانينات، لم يزر عجمي لبنان، ربما خوفا على حياته، وهو ما حمل البعض على انتقاد ما اعتبروه تخليه عن جذوره، لكن ابن الجنوب اللبناني امضى جل عمره في اميركا، وتزوج أميركية، وانجب اميركيين، ما يجعله اميركيا اكثر منه لبنانيا.

لكن الراحل لم يستح بجذوره. كان يستمتع بشعر نزار قباني وبموسيقى ام كلثوم، ويكيل المديح للحضارة العربية امام محدثيه، خصوصا من الاميركيين. لم يكن عند عجمي مشكلة الدونية التي اتهمه بها البعض، لكنه لم يعتقد ان الجذور كانت تحتم على العرب ان ينطقوا بلسان واحد او ان يتشاركوا برأي واحد، وهو الامر الذي يبدو انه فات معظم منتقديه، من العرب كما من الاميركيين.

عجمي.. فقدنا مثقفا

حسين عبد الحسين 

لم أكن أخالني سأكتب يوما رثاء في أحد أكثر العقول العربية اتقادا، واطلاعا، وموسوعية. في مطلع شبابي، كنت متحمسا وعقائديا وأرى في الرأي الآخر خيانة. فيما بعد، غصت في عقل الرجل، واستمتعت بأسلوبه، وعلّقت على كتبه ومقالاته سلبا وإيجابا، فجاءتني تعليقاته على تعليقاتي، فأخجلتني لطافته وأسعدتني متابعاته.

أول من أمس رحل فؤاد عجمي، أحد الأكاديميين الأميركيين من أصل عربي ممن شغلت آراؤهم المشهد الثقافي والسياسي على مدى العقود القليلة الماضية هنا في العاصمة الأميركية كما في عواصم العالم.

وعجمي من مواليد قرية أرنون الجنوبية اللبنانية، انتقلت عائلته الميسورة إلى بيروت في العام 1949 وهو ابن أربع سنوات، ودرس في مدارسها وأقام فيها حتى إتمامه الثانوية العامة في العام 1963؛ حيث انتقل إلى الولايات المتحدة ونال شهادة الدكتوراه.

ومنذ مطلع الثمانينات، ألف عجمي أكثر من عشرة كتب، جاءت باكورتها في العام 1981 بعنوان «مأزق العرب»، وتناول فيه «الفكر السياسي العربي بعد العام 1967». وفي العام 1986 أصدر عجمي كتاب «الإمام المختفي» الذي عرض فيه سيرة حياة رجل الدين الإيراني اللبناني موسى الصدر، الذي اختفى في العام 1978 في ظروف غامضة.

وفي العام 1998 أصدر عجمي كتابا شيقا آخر حمل عنوان «قصر أحلام العرب». أما آخر كتبه فصدر في العام 2012 وحمل عنوان «الثورة السورية».

وكتب عجمي الصادرة على مدى أربعة عقود تظهر تطورا فكريا رافق الأحداث وواكبها، فهو في مطلع شبابه كان ناصري الهوى مؤيدا للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر ولشعاراته عن العروبة والوحدة العربية. لكن يبدو أن عجمي شعر فيما بعد أن ضحايا العروبة ناهزوا ضحايا الإمبريالية، خصوصا مع تصاعد المواجهة في جنوب لبنان بين «حركة أمل» (التنظيم الذي أسسه الصدر)، والفصائل الفلسطينية المسلحة التي حولت الجنوب إلى ما عرف بـ«فتح لاند».

ومع مطلع التسعينات واجتياح صدام حسين الكويت، كان عجمي من أكبر مؤيدي الحرب الأميركية التي حررتها؛ مما متن علاقاته بإدارة الرئيس السابق جورج بوش الأب.

ويبدو أن الأحداث المتوالية أقنعت عجمي أن «مأزق العرب» ليس في الإمبريالية فحسب، بل في تشرذم وضعهم وضعضعة مجتمعاتهم والمشكلات التي تشوبها، وهو موقف وضعه فورا في مواجهة كبيرة مع عرب أميركيين آخرين، تصدرهم الفلسطيني الأميركي إدوار سعيد.

على أن عجمي لم يكن وحيدا بين المثقفين الذين رفضوا إلقاء اللوم في الأزمات العربية على أميركا أو الغرب وحده وآثروا «نقد الذات»، فمن هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر، الأكاديمي السوري الكبير صادق جلال العظم، الذي ساجل سعيد كذلك، وخصوصا في مبدأ «الاستشراق». واعتبر العظم أن قول سعيد إن الغربيين ينظرون إلى العرب في كتاباتهم من دون تمييز، فيه نفس المشكلة التي تنظر إلى الغربيين بعين واحدة كذلك.

لكن العظم لم يتعرض لانتقادات العرب الأميركيين أو «اليساريين»، العرب كما الأميركيين، لمواقفه الداعية دوما، مثل عجمي، إلى نقد الذات قبل الإمبريالية. ربما لأن العظم نفسه يبدو يساريا، وأحيانا عروبيا، في كتاباته، فيما كان عجمي يتمتع بصداقات واسعة، خصوصا مع التيار الأميركي اليميني والمتمركز في الحزب الجمهوري.

وكان لعجمي علاقات وطيدة مع إدارة الرئيس جورج بوش الابن، الذي كان يستقبل عجمي بشكل متواصل في البيت الأبيض، وظل على علاقة شخصية معه حتى بعد خروجه من الحكم، فكان بوش يرسل لعجمي بطاقات المعايدة الشخصية بشكل دوري. وفي إدارة أوباما أيضا، كان لعجمي علاقات وطيدة بنائب الرئيس ديك تشيني، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ومساعد وزير الدفاع.

هكذا، كان من الطبيعي أن تتكئ إدارة أوباما إلى أفكار عجمي وأقواله ومقالاته أثناء حملتها لإقناع الرأي العام الأميركي بضرورة الذهاب إلى الحرب في العراق. وهكذا كان عجمي بطلا، في حرب العراق الثانية كما في الأولى، مدافعا عن ضرورة الحرب من أجل المصالح الأميركية، ومن أجل نشر الديمقراطية، وتحرير الشعب العراقي من نير الاستبداد الذي كان يعيش في ظله.

ومع أن عجمي تعرض لحملات انتقاد كبيرة لمساندته حرب العراق، إلا أنه وجد نفسه فيما بعد صديقا لكثير من منتقديه أنفسهم الذين راحوا يطالبون الإدارة الأميركية بشن ضربة عسكرية ضد أهداف لقوات الرئيس السوري بشار الأسد.

على أن الحزبية الأميركية سيطرت على مواقف عجمي، وهو ثابر في مهاجمة الرئيس باراك أوباما منذ ما قبل انتخابه رئيسا في العام 2008 وحتى المقالة الأخيرة التي كتبها في صحيفة «وال ستريت جورنال» في الثالث عشر من الشهر الحالي، أي بعد ثلاثة أيام على أحداث الموصل العراقية، ووجه فيها أصابع اللوم إلى أوباما ورئيس حكومة العراق نوري المالكي، معتبرا أن عدم متابعة الأول لسياسة بوش، وسحبه القوات الأميركية من العراق من دون الإبقاء على قوة صغيرة، مترافقا مع الممارسات الديكتاتورية للمالكي، هو الذي أطاح بالإنجازات التي تعبت إدارة بوش من أجل التوصل إليها لتثبيت الوضع الأمني في العراق مع حلول العام 2009.

وفي مقالة سابقة في الصحيفة نفسها، حمل عجمي مسؤولية التخبط الأميركي في سوريا لإدارة أوباما، وكتب أنه حتى قبل اندلاع الثورة في سوريا في مارس (آذار) 2011، كان أوباما مصرا على الانفتاح على بشار الأسد وكسر العزلة الدولية التي كانت مفروضة عليه.

يومذاك، ردا على مقالته، كتبت أن سياسة الانفتاح على سوريا كانت بدأت في الواقع أثناء إدارة الرئيس جورج بوش عندما دعت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في صيف العام 2007 نظام الأسد للمشاركة في مؤتمر أنابوليس للسلام العربي الإسرائيلي. وكانت رايس هي التي قدمت سياسة مفادها أن على النظام السوري «تغيير تصرفاته»، وهو ما كان بمثابة التراجع عن سياسات بوش أثناء السنوات الأولى لحكمه التي كانت تطلب ديمقراطية كاملة من الأسد أو إمكانية الإطاحة به.

يومذاك، خشيت أن تثير المساجلة مع عجمي انزعاجه، ولكنني عندما سمعت قوله لي عن طريق أصدقاء إنه «سعيد أن الجيل القادم يناقش الأفكار بدلا من أن يتبناها بعقائدية أو حزبية».

ذلك كان فؤاد عجمي، مثقفا، مستنيرا، أثار النقاش، فأرضى البعض وأزعج البعض الآخر، ولكن، إن لم يكن دور المثقف إثارة النقاشات والمشاركة في صناعة الرأي، فما هو دوره؟

الأحد، 22 يونيو 2014

واشنطن تستبعد أن يعطي قتال العراق فرصة للثوار للانقضاض على الأسد

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

في جلسة مغلقة في الكونغرس حول سورية، ابلغ مسؤولون في الإدارة الأميركية مشرعين ان الرئيس السوري بشار الأسد لن يتمكن من القضاء على المعارضة المسلحة، وان القتال سيستمر في الأشهر الاثني عشر المقبلة على الأقل، من دون ان يتكمن أي من الطرفين الحسم.

وقالت مصادر مطلعة على فحوى اللقاء ان التقديرات الأميركية تشير الى ان «الأسد استخدم كافة الأوراق المتاحة له من دون ان يتمكن من القضاء على الثوار». ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان «الأسد عمل على تدعيم قواته، التي تشكل نواتها وحدات نخبة يديرها مقربون منه، بمقاتلين أجانب من لبنان والعراق»، وان «مستشارين عسكريين إيرانيين يشرفون على سير المعارك، ويعملون على تدريب ميليشيات الجيش الشعبي لملء النقص في اعداد المقاتلين»، وهي مشكلة واجهها الأسد منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهات العسكرية قبل ثلاثة أعوام.

وعن مشاركة وفاعلية «حزب الله» اللبناني في العمليات العسكرية في سورية، يعتقد المسؤولون الاميركيون ان الحزب هو «القوة العسكرية الأبرز في تحالف إيران – الأسد»، وان «دخول قوات هذه القوات ساهم في قلب الموازين في مناطق كثيرة لمصلحة الأسد».

لكن لقوة «حزب الله» حدودا، حسب قول أحد المسؤولين المشاركين في اللقاء، الذي اعتبر ان الحزب اللبناني «قدم اقوى أداء له في مثلث القلمون والقصير في حمص والمناطق المحاذية للحدود اللبنانية»، فيما «لاحظنا ان قوة الحزب تبدأ في التقلص في العمق السوري وتخسر تفوقها تماما في مناطق في قلب الجنوب مثل درعا او في عمق الشمال مثل حلب.

ويعزو المسؤولون الاميركيون سبب تقلص قوة «حزب الله» بعيدا عن الحدود اللبنانية الى كون الحزب يفتقر الى الآلية المطلوبة للتموين البعيد ان كان نقل القوات ومعداتها، او مدها بالذخيرة والمؤن. ويقول أحد المسؤولين الاميركيين ان «حزب الله مصمم للقتال في قرى صغيرة بالاستناد الى بنية تحتية مشبوكة مع المدنيين. اما في العمق السوري، فالحزب يقاتل في أراض غريبة ومن دون دعم السكان، وهو ما يعني ان خطوط امداده تستند بالضرورة الى القوة اللوجستية للأسد».

وتابع المسؤول ان قوات الأسد «قدمت أداء كبيرا من حيث المقدرة اللوجستية، اذ من غير السهل نقل وحدات عسكرية ومعدات من منطقة الى أخرى وبشكل مستمر على مدى السنوات الثلاث الماضية».

هذا ما يجعل المسؤول الأميركي يعتقد ان قوة الأسد و»حزب الله»، بلغت ذروتها، وانه يمكن لهذه القوة ان تستعيد أي منطقة من الثوار، بعد قتال شرس، ولكنه لا يمكن لهذه القوات ان تستعيد كل المناطق التي تخسرها في نفس الوقت او ان تحافظ عليها، وهي تجد نفسها مضطرة الى الانتقال من منطقة الى أخرى، وفي مرات تقاتل من اجل استعادة الأرض نفسها للمرة الثانية او الثالثة او الرابعة.

هذا القصور في قوة الأسد – «حزب الله» هو الذي أجبر النظام السوري على ابتكار أساليب توقع أكبر حجم من الخسائر، لا بين صفوف الثوار فحسب، بل بين المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها. وتتضمن أساليب الأسد للعقاب الجماعي بحق المدنيين في مناطق المعارضة «فرض حصار خانق يهدف الى تجويع المدنيين، وقصفا عشوائيا بصواريخ سكود وبصواريخ مقاتلات وببراميل متفجرات محلية الصنع تلقيها المروحيات».

ويقول المسؤولون ان في حماة مصنعين او أكثر تعمل على مدار الساعة على انتاج البراميل المتفجرة البدائية الصنع.

ويرى المسؤولون ان «الأسد استنفذ أوراقه، ولن يتمكن من استعادة كل المناطق التي خسرها، وستتحول المعارك الى كر وفر بين الطرفين. ويضربون احداث الأيام الماضية مثلا، فيقولون «اننا شهدنا قوات النخبة لدى الأسد وحزب الله تستعيد معبر كسب على الحدود مع تركيا، لكن الأسد اضطر لسحب وحداته من مناطق أخرى، فتقدم الثوار في درعا وحماة وبعض مناطق حمص والقلمون من الحدود اللبنانية».

ويضيف المسؤولون الاميركيون ان اندلاع المواجهات المسلحة في العراق «لن يكون في مصلحة الأسد»، اذ تشير التقديرات الأميركية الى ان ما بين خمسة الاف وسبعة الاف مقاتل من العراقيين في صفوف قوات الأسد عادوا للمشاركة في معركة الدفاع عن بغداد، ما ترك فجوة في سورية ستؤدي الى المزيد من لإنهاك لقوات الأسد – حزب الله المتبقية.

ويختم المسؤولون ان معارك العراق ستجبر إيران على ارسال قادتها الميدانيين من سورية الى العراق، وستجبر طهران على تجيير بعض الموارد التي كانت تخصصها لسورية، وهذه كلها تنذر بأن الأسد لن يتمكن من الحسم عسكريا في المدى المنظور.

وبالإجابة عن سؤال ان كان القتال في العراق سيعطي ثوار سورية فرصة للانقضاض على الأسد، قال المسؤولون المشاركون في الجلسة: «نستبعد ذلك ونعتقد ان التعادل في القوى سيسود حتى تتغير أي من المعطيات المتوافرة الآن».

السبت، 21 يونيو 2014

هل يتنازل الإيرانيون في العراق مقابل اتفاقية نهائية مع المجتمع الدولي؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

علمت «الراي» من مصادر أميركية رفيعة المستوى ان طهران اقترحت ان تكون مساهمتها في التوصل الى حل في العراق، ومن ثم في سورية، بادرة حسن نية واداة بناء ثقة بين البلدين، فردت واشنطن ان «الحديث حول العراق منفصل تماما عن المفاوضات النووية وعن الوضع في سورية».

وتأتي مبادرة الانفتاح الإيراني في وقت تشير المعلومات المتواترة من فيينا الى تعثر كبير في المفاوضات النووية بين طهران ومجموعة الدول الست، وفي وقت صار يبدو حتميا تمديد الاتفاقية الموقتة بين الطرفين، والتي تم توقيعها في جنيف في 24 نوفمبر الماضي، وسمحت برفع جزئي للعقوبات الدولية المفروضة على إيران مقابل تجميد الاخيرة بعض نشاطاتها النووية.

والاتفاقية الموقتة مدتها ستة أشهر، بدأت في 20 يناير تاريخ وضعها موضع التنفيذ، وتنتهي في 20 يوليو، وممكن تجديدها لمرة واحدة فقط ولمدة ستة أشهر أخرى.

وتقول المصادر الأميركية ان المجتمع الدولي ابدى استعدادا للسماح لإيران بتشغيل 9 الاف طرد نووي مركزي من الجيل الأول، تخصب فيه اليورانيوم الى نسبة ثلاثة ونصف في المئة، وبكميات لا تزيد على 750 كيلوغراما، وهو ما يكفي لتشغيل معمل انتاج الطاقة النووي الإيراني الوحيد في بوشهر، الذي يتسلم حاليا وقوده النووي من روسيا.

الا ان إيران، التي تشغل 9 آلاف جهاز طرد حاليا، وتملك 9 الاف جهاز مثلها لا تشغلها، وألف طرد من الجيل الثاني غير عاملة كذلك، أبلغت المجتمع الدولي انها تريد ان تضيف 10 الى 15 ألف جهاز طرد مركزي جديد، وهو أمر «غير وارد ان يوافق عليه المجتمع الدولي بتاتا»، حسب المصادر الأميركية.

في هذه الاثناء، يقول الاميركيون ان الجولات الأخيرة من المفاوضات تمحورت حول محاولة المفاوضين الدوليين افهام إيران ان أي اتفاقية نهائية ستكون مبنية على «الوقت المطلوب للاختراق»، أي المدة الزمنية المطلوبة لإيران لصناعة قنبلة نووية واحدة.

وكان وزير الخارجية الاميركي جون كيري قال في جلسة استماع علنية في الكونغرس ان المدة الحالية المطلوبة لصناعة قنبلة نووية في إيران هي شهران، وان أي اتفاقية نهائية ستهدف الى تمديد هذه المدة الى سنة، وهي فترة كافية للمجتمع الدولي للتنبه لأي خرق إيراني، وبناء تحالف دولي لاحتوائه ان عن طريق الديبلوماسية والعقوبات او بالخيار العسكري.

الحديث الأميركي المتكرر عن «الوقت المطلوب للاختراق» دفع الإيرانيين الى الرد بإصدارهم بحثا حمل عنوان «خرافة الوقت المطلوب للاختراق» قالوا فيه ان إيران تحتاج الى ثلاث سنوات لإنتاج قنبلة نووية عن طريق تخصيب اليورانيوم، والى ما بين خمس وسبع سنوات لإنتاج قنبلة عن طريق البلوتونيوم.

لكن مركز أبحاث «معهد العلوم والأمن الدولي»، ومقره واشنطن، قال في بيان ان «الدراسة الإيرانية تضخم في شكل هائل وقت الاختراق المطلوب لسلاح نووي ايراني». واستخدم المركز الأرقام الواردة في الدراسة الإيرانية وأعاد الحسابات، ليتوصل الى نتيجة مفادها انه حتى حسب الأرقام الإيرانية، المدة المطلوبة لتخصيب 25 كيلوغراما من اليورانيوم العالي التخصيب هي شهران الى ثلاثة، وليس 18 شهرا كما افاد الإيرانيون.

وأضاف المركز ان «تقديرات الوقت المطلوب للاختراق تسمح بإجراء مقارنات بين المواقف المختلفة في المفاوضات وتقدم وسيلة لقياس وتحديد التسويات غير الممكنة تقنيا».

وتقول المصادر الأميركية ان كل الاختلاف في المفاوضات النووية مع إيران صار يتركز حول مبدأ الوقت المطلوب للاختراق، وان التباين في وجهات النظر بين المجموعة الدولية وإيران مازال كبيرا، ولا يبدو ان لدى أي من المشاركين أفكارا حول كيفية ردم الهوة.

ويبدو ان الهوة صارت واقعا يهدد بنسف المفاوضات بأكملها، وهو ما حدا بنائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الى التحذير بالقول انه «إذا ارتكبت الأطراف الأخرى نفس خطأ 2005، ستضيع الفرصة». بدوره، رد مسؤول أميركي رفيع ان «الفرصة ستضيع على الإيرانيين إذا تمسكوا بتصلبهم، وستبقى العقوبات مفروضة عليهم، وهي ليست فرصة للمجتمع الدولي».

هكذا، وفيما المفاوضات تتعثر، أطل وكيل وزير الخارجية الاميركي وليام بيرنز على الإيرانيين بحديث حول تفاهم في العراق، فرد الإيرانيون انهم مستعدون للتفاهم هناك، وانه ربما يكون بادرة حسن نية وبناء ثقة للتوصل الى اتفاقية نووية نهائية.

لكن يبدو ان من وجهة النظر الإيرانية، «التعاون في العراق يقتصر على القضاء على الإرهابيين» فيما حاول بيرنز اقناع الإيرانيين ان الحل في العراق يكمن في استخدام نفوذهم مع حلفائهم، وخصوصا رئيس الحكومة نوري المالكي، للدخول في تسوية مع السنة، وإقامة حكومة وحدة وطنية، والالتزام بالاتفاقات الموقعة بين الأطراف العراقية قبل أربع سنوات.

ويبدو ان الإيرانيين لم يعطوا الاميركيين إجابة حاسمة، ما حمل الرئيس باراك أوباما الى القول في مؤتمره الصحافي، اول من مس، انه ينتظر خيار الإيرانيين «في الأيام القليلة المقبلة».

فهل يتنازل الإيرانيون في العراق مقابل الحصول على اتفاقية نهائية مع المجتمع الدولي تسمح لهم بالمحافظة على بنيتهم النووية التحتية؟ وهل يقبل الاميركيون وحلفاؤهم بتسوية من هذ النوع؟

الإجابة، وبالاستناد الى تصريحات أوباما، تشي ان واشنطن تعتقد ان تعاون إيران في العراق هو في مصلحة طهران، وانه ليس في مصلحة طهران ان يكون على حدودها عراق متوتر، او ان تخوض هي حروبا متواصلة ومنهكة مع محيطها السني.

هكذا، يبدو ان كلا من الطرفين، الأميركي والإيراني، يعتقد ان الحل في العراق هو في مصلحة الآخر، ما يجعل الاميركيين واثقين انه يمكنهم الفصل بين العراق والنووي، ويجعل الإيرانيين يعتقدون انه يمكنهم ان يبادلوا الأول بالثاني.

الجمعة، 20 يونيو 2014

نشاط ديبلوماسي أميركي خلف الكواليس لاختيار بديل للمالكي... قد يكون الجلبي

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

بعد ان شكر الصحافيين وهم بالمغادرة، صاح أحدهم «إيران»، فاستدار الرئيس باراك أوباما وعاد الى المنصة، ليطلق مواقف صريحة جدا، كشف فيها ان بلاده طلبت من إيران دعم حكومة عراقية تشمل جميع الأطراف السياسة، وحذر من مغبة تصرف إيران في العراق «كقوة مسلحة باسم الشيعة فقط»، معتبرا انه ينتظر جواب إيران في «الأيام القليلة المقبلة».

وحسبما سبق لـ «الراي» ان نقلت أمس عن مصادر في البيت الابيض، قدم أوباما سياسته في اليمن كنموذج لتعامل بلاده مع الازمتين في العراق وسورية، وقال ان ادارته اتخذت خطوات عديدة للتعامل مع ازمة العراق، لكنه ربط أي مجهود عسكري أميركي هناك بقيام حكومة وحدة وطنية يوافق عليها السنة والشيعة والكرد، في وقت رفض ان يعبر عن تخليه عن رئيس حكومة العراق نوري المالكي، رغم انه لمح الى ذلك، في وقت تنشط ديبلوماسية أميركية خلف الكواليس في بغداد لاختيار بديل للمالكي، يرجح ان يكون النائب احمد الجلبي.

عن دور إيران في العراق، قال الرئيس الأميركي: «رأينا انه يمكن لإيران ان تلعب دورا بناء إذا أرسلت الى الحكومة العراقية نفس الرسالة التي نرسلها نحن، وهي ان العراق يبقى متماسكا إذا كانت (السلطة فيه مشاركة)، وإذا كانت كل مصالح السنة والشيعة والكرد محترمة». وأضاف: «(أما) إذا تدخلت إيران كقوة مسلحة باسم الشيعة فقط، او صورت الامر كذلك، فهذا على الارجح سيؤدي الى تفاقم الوضع، والى تقليص فرصة تشكيل حكومة (عراقية) يمكنها ان تكون بناءة على المدى البعيد».

وتابع أوباما: «اعتقد انه في الوقت الذي يعكف الزعماء العراقيون على اتخاذ قرار، اعتقد ان إيران سمعت منا (رأينا)، وأشرنا لهم انه من المهم لهم ان يتفادوا اتخاذ خطوات من شأنها ان تشجع نوع من الانقسامات الطائفية قد تؤدي الى حرب أهلية».

وأردف الرئيس الأميركي: «لدينا اختلافات عميقة مع إيران حول مواضيع كثيرة، وواضح ان ما يحصل في سورية هو جزئيا نتيجة دخول إيران بثقلها لمصلحة طرف واحد، وعلى إيران ان تعيد التفكير برؤيتها للمنطقة والمبنية على اعتبارات طائفية فقط، وقد يجدون أنفسهم يقاتلون في امكان كثيرة، وهذا على الارجح ليس جيدا للاقتصاد الإيراني والشعب الإيراني على المدى البعيد».

واعتبر أوباما انه قد يكون «البعض في إيران ممن يدركون» مغبة خوض حروب متعددة مع السنة في المنطقة، وان «عراقا غارقا في فوضى على حدود (إيران) ليس على الأرجح في مصلحتهم، ولكن العادات القديمة تموت ببطء، وسنرى ان كانوا سيختارون منحى واعدا أكثر في الأيام القليلة المقبلة».

ثم قدم أوباما اليمن كنموذج لسياسته في التعاطي مع الازمات في المنطقة، وقال: «تنظرون الى بلد كاليمن، بلد فقير جدا وتشوبه انقسامات طائفية وعرقية، هناك، لدينا شريك ملتزم في الرئيس (عبد ربه منصور) هادي وحكومته حيث نجحنا في المساعدة على تطوير قدراتهم من دون وضع عدد كبير من القوات الأميركية على الأرض».

في نفس الوقت، أضاف أوباما: «لدينا ما يكفي من مقدرات لمكافحة الإرهاب مكنتنا من الذهاب خلف أولئك الذين قد يحاولون ضرب سفارتنا او يحاولون تصدير الإرهاب الى أوروبا او الولايات المتحدة».

وتابع الرئيس الأميركي: «كيف يمكننا ان نخلق المزيد من نموذج (اليمن) سيكون جزءا من الحل في كل من سورية والعراق، ولكن حتى نستطيع القيام بذلك، سنحتاج الى حكومات فعلية على الأرض يمكننا ان نتشارك معها ولدينا ثقة بأنها ستتبنى سياسات مشاركة السلطة. في اليمن، على سبيل المثال، استغرق حوار وطني واسع ومتنوع وقتا طويلا، ولكن ساهم في إعطاء الناس الشعور بأن هناك كيانا سياسيا شرعيا لأي من المظالم التي قد تكون لديهم».

وعلى أثر المؤتمر الصحافي، عقد ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى من البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع جلسة مغلقة مع الصحافيين، قدموا فيها تفاصيل أكثر حول التعزيزات العسكرية الأميركية في الخليج.

كما قال المسؤولون انه، على عكس تصريحات المالكي الذي جعل المواجهة المسلحة أولوية على تشكيل الحكومة، فان الديبلوماسية الأميركية في العراق تعمل لحث الأطراف على تشكيل حكومة وحدة وطنية ضمن المهلة المنصوص عنها في الدستور العراقي والبالغة 30 يوما منذ تصديق المحكمة العليا على النتائج.

وأصر المسؤولون الاميركيون ان الحل السياسي في العراق يأتي قبل العسكري، وان الولايات المتحدة لن تنحاز في الصراع المسلح داخل العراق لطرف دون آخر، بل هي ستدعم – عسكريا -- حكومة وحدة وطنية تنال رضا كل الأطراف.

الخميس، 19 يونيو 2014

أوباما يريد اليمن نموذجاً... للتدخل في العراق

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

الرئيس باراك أوباما يريد التدخل الأميركي في اليمن نموذجاً لأي تدخل عسكري لبلاده في الأزمة العراقية، أي حصر النشاط الأميركي بضربات جوية تقوم بها طائرات من دون طيار، واستخدام قوات خاصة على الأرض ان اقتضى الأمر، ضد المجموعات والشخصيات، لا المتطرفة او الإسلامية، بل التي تخطط لاستهداف الولايات المتحدة أو سفاراتها او اميركيين حول العالم.

اما المجموعات المتطرفة التي لا تستهدف اميركا، او بكلام آخر التي لا تعلن «الجهاد العالمي»، فلا شأن لواشنطن بها او بأعمالها في العراق او في عموم الشرق الأوسط.

هذه هي خلاصة سلسلة اللقاءات التي عقدها أوباما على مدى الأسبوع الماضي في البيت الأبيض وخصصها للأزمة العراقية، وافتتحها باجتماع لفريقه للأمن القومي، تبعه لقاء مع زعماء الكونغرس من الحزبين الديموقراطي والجمهوري.

وتقول الأوساط المطلعة على فحوى اللقاءات ان الأول انعقد بمشاركة وزراء الخارجية والدفاع والعدل جون كيري وتشاك هيغل واريك هولدر ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس ورئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي ومديري وكالات الاستخبارات.

وقدمت القيادة العسكرية «سلما من الخيارات» للرئيس الأميركي يتراوح بين المراقبة عن بعد وبين الاجتياح العسكري الكامل، حسب الأوساط، التي تضيف انه بعد الكثير من النقاش، ارتأى أوباما ان يختار «النموذج اليمني» في العراق.

وتضيف الأوساط نفسها ان النقاش تراوح حول كيفية مكافحة المجموعات الإرهابية في العراق، وهذه لا تتضمن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) السنية فحسب، بل كذلك تنظيم «جماعة أنصار الإسلام»، السني كذلك، و«كتائب حزب الله» الشيعية.

ولأن التنظيمات التي تصنفها واشنطن إرهابية هي على ضفتي القتال الدائر في العراق، يعتقد المسؤولون الاميركيون ان لا مصلحة لبلادهم في التدخل لمصلحة تنظيم ضد آخر، بل يتوجب مراقبتها بالتساوي ومكافحة أي اعمال ممكن ان تخطط لها او تقوم بها ضد اهداف أميركية وأوروبية.

لكن استراتيجية أوباما الجديدة في العراق لم تمنع الحزبين من تراشق الاتهامات حول رؤيتيهما المتباينتين في السياسة الخارجية. وفيما حاول الجمهوريون تحميل أوباما مسؤولية الانهيار الحكومي الحاصل بالعراق بسبب خروجه منه بسرعة من دون ان يترك قوة صغيرة فيه، شن الديموقراطيون عن طريق زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ هاري ريد هجوما «بالأسماء» ضد نائب الرئيس السابق ديك تشيني ومساعد وزير الدفاع السابق بول وولفوويتز والصحافي وعراب مجموعة «المحافظين الجدد» بيل كريستول.

وقال ريد: «بعد كل هذه السنوات، لم تتغير اقتراحاتهم، فهم يعيشون في فقاعة زمنية... هؤلاء المدعوون خبراء متحمسون لإرسال الجنود الاميركيين الى حرب أخرى». وأضاف: «لمهندسي حرب العراق الذين يقدمون تحليلاتهم أقول شكرا، ولكن لا شكرا... لقد جربناها على طريقتكم وكانت أسوأ كارثة في السياسة الخارجية في تاريخ بلدنا».

الجمهوريون بدورهم، انقضوا على إدارة أوباما وحوارها مع طهران من اجل إيجاد حلول في العراق، فقال رئيس الكونغرس جون باينر انه يريد ان يرى «استراتيجية متكاملة» من أوباما حول العراق، لا مجموعة خطوات. وقال: «لا يمكنني ان اتخيل ما سيفكر به حلفاؤنا واصدقاؤنا في المنطقة حول اتصالنا بإيران في وقت تستمر إيران في تمويل الإرهابيين ورعاية الإرهاب، ليس فقط في سورية ولبنان، بل في إسرائيل كذلك».

وانضم السناتور الجمهوري عن ولاية انديانا دان كوتس في ادانة إيران، واصفا إياها بـ «أكبر راعي للإرهاب». وقال السناتور الأميركي: «عندنا مثل في جنوب انديانا يقول انك اذا نمت مع الكلب فستستفيق صباحا مع البراغيث».

وكان نائب الرئيس السابق ديك تشيني كتب في مقالة في صحيفة «وول ستريت جورنال» اتهم فيها أوباما بتسليم الدول الى أعداء اميركا، «أولا الروس في سورية، والآن يفكر في ادخال إيران الى العراق». وأضاف: «المجنون وحده هو من يعتقد ان العراق يجب ان يتم التنازل عنه لإيران، الدولة الراعية الأكبر في العالم للإرهاب».

ومن ناحيته، قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان الولايات المتحدة تدرس التواصل مع ايران لتبادل المعلومات في شأن هجوم «داعش» لكنها لا تسعى للعمل مع طهران لمعالجة الازمة.

وقال كيري في مقابلة مع شبكة «ان.بي.سي» أذيعت امس: «نحن مهتمون بالتواصل مع ايران. أن يعرف الايرانيون فيما نفكر وأن نعرف فيما يفكرون وأن يكون هناك تبادل للمعلومات لئلا يرتكب الناس أخطاء».

ولدى سؤاله عما اذا كانت الولايات المتحدة تبحث العمل مع ايران قال كيري «كلا. نحن لا نجلس معا ونفكر كيف سنفعل هذا او ما اذا كنا سنفعل هذا. هذا غير مطروح».

وردا على سؤال عن احتمال قيام بلاده بضربات جوية قال كيري «ليس هناك شيء غير مطروح على الطاولة» وان «كل الخيارات» لاتزال مطروحة امام الرئيس الذي يقيم كيفية الرد.

وأكد ان الولايات المتحدة تسعى لمساعدة كل العراقيين وليس رئيس الوزراء نوري المالكي.

اعتقال ابوختالة الليبي ينعش نهج أوباما في السياسة الخارجية

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

القاء قوات أميركية القبض على احمد ابوختالة، القيادي في تنظيم «أنصار الشريعة» الليبي الإسلامي، من شأنه ان ينعش نهج الرئيس باراك أوباما في السياسة الخارجية، والمبني على ضرورة حصر أي تدخل أميركي عسكري خارجي باستخدام القوات الخاصة او الطائرات من دون طيار.

وقال أوباما ان عملية القبض على ابوختالة «ترسل رسالة واضحة للعالم انه عندما يتعرض اميركيون لهجوم، لا يهم كم من الوقت يستغرق الامر، (لكننا) سنجد المسؤولين عن الهجوم ونحضرهم الى العدالة»، مضيفا: «سوف نجدكم».

وابوختالة هو الشخص الثالث من المطلوبين لدى الولايات المتحدة ممن نجحت قواتها الخاصة اما في قتلهم او في القاء القبض عليهم، بعد عمليتي قتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في باكستان في العام 2011 واعتقال نزيه الرقاعي، المتهم بالمشاركة في تفجير سفارتي اميركا في نيروبي ودار السلام في العام 1998، في ضواحي العاصمة طرابلس في أكتوبر الماضي.

وتتهم الولايات المتحدة ابوختالة وتنظيمه، الذي تصنفه إرهابيا، بشن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في 11 سبتمبر 2012 الذي اودى بحياة السفير كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين آخرين. كما تعتقد السلطات الأميركية ان من بين المشاركين في الهجوم على القنصلية الليبي سفيان بن قمو، وهو سبق ان كان معتقلا في غوانتانامو وسلمته واشنطن لنظام معمر القذافي، الذي أطلقه بدوره ابان اندلاع الثورة في ليبيا في العام 2011.

وقامت القوات الأميركية الخاصة باعتقال ابوختالة في عملية في عطلة نهاية الأسبوع، ولكنها لم تكشف عنها حتى تأكدت من خروج كل عناصرها من ليبيا آمنين. وقال المسؤولون الاميركيون انها قامت بالعملية «بشكل احادي»، أي من دون مشاركة قوات أميركية محلية او غير أميركية. كما لمح المسؤولون الى انهم سبق ان ابلغوا السلطات الليبية بنيتهم القيام بعمليات من هذا النوع.

ومع ان «صحيفة واشنطن» بوست علمت بالعملية اثناء وقوعها، الا ان السلطات الأميركية طلبت منها الحفاظ على سريتها، حتى يوم اول من أمس، من اجل حماية امن الاميركيين المشاركين بها. وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة الدفاع (بنتاغون) اعتقال ابوختالة وعودة كل الاميركيين المشاركين في العملية سالمين من بنغازي.

ابوختالة لم يصل الولايات المتحدة بعد، وتوقعت الأوساط في العاصمة الأميركية ان يكون على متن سفينة عسكرية في عرض البحار فيما تقوم السلطات بالتحقيق معه. اما السبب خلف «التحقيق في البحر» فمرده الى محاولة هذه السلطات تفادي القوانين الأميركية، التي تحظر اجراء تحقيقات مع متهمين من دون وجود محام، وتعطي المعتقل حقوقا واسعة للالتزام بالصمت. ومن المتوقع ان يصل ابوختالة، بعد التحقيقات، الى العاصمة الاميركية لتتم محاكمته امام محكمة مدنية.

وعلى الفور، اثار توقيت الاعتقال ونية محاكمته داخل اميركا حفيظة السياسيين الاميركيين من الحزب الجمهوري، وطالبوا بإرساله فورا الى معتقل غوانتانامو، ومحاكمته هناك امام القضاء العسكري بصفته «مقاتل عدو».

وكانت «واشنطن بوست» أوردت ان السلطات الأميركية قامت بتأجيل عملية اعتقال ابوختالة مرات عديدة خوفا من انكشافها، ما دفع الجمهوريين الى اتهام الرئيس أوباما بالتلاعب بتوقيت الاعتقال وتأجيله حتى اليوم بهدف إنقاذ سمعته المتهالكة في السياسة الخارجية، خصوصا بعد ازمة الموصل في العراق.

ومازالت السلطات الأميركية تلاحق بن قمو، الذي تعتقد انه يقيم في مدينة درنة الليبية.

على انه على الرغم من انتقادات اليمين لأوباما، لا شك ان عملية الاعتقال ستساهم في رفع رصيد الرئيس في السياسة الخارجية الى حد بعيد، فالاعتقال من شأنه ان يقفل ثغرة استغلها معارضو أوباما وخصومه لاتهامه بالضعف وبعدم الاستجابة لنداء الديبلوماسيين الاميركيين في ليبيا ابان الهجوم.

كذلك، من شأن الاعتقال ان يعطي دفعا لفكرة أوباما القائلة انه يمكن للولايات المتحدة حماية نفسها من الإرهاب والإرهابيين بمطاردة المسؤولين عنه شخصيا، ومن دون الدخول في حروب كبيرة مثل في العراق وأفغانستان، او سورية.

ويعمد معظم مطالبي الرئيس الأميركي في سورية الى القول انه من شأن تحول مناطق في سورية الى مرتع للإرهابيين ان يهدد الأمن القومي الأميركي، وان يتحول مركزا تنطلق منه عمليات هؤلاء ضد اهداف أميركية، الا ان إدارة أوباما غالبا ما ترد بالقول انه يمكن لها مواجهة هؤلاء من دون خوض حرب شاملة معهم، وان الحرب الشاملة لا تنفع مع أطراف من غير الدول لا تخوض مواجهات عسكرية بالمعني التقليدي ويمكن لمقاتليها الاختباء لفترات طويلة.

هكذا، من المتوقع ان يستخدم أوباما عملية اعتقال ابوختالة لتعويم رصيد سياساته الخارجية في وجه المشككين بها، داخل اميركا وخارجها، وهو الأمر الذي استفز الجمهوريين الذين عمدوا منذ الساعات الأولى للإعلان عن نجاح عملية الاعتقال الى التشكيك بتوقيتها والطعن بأهميتها.

العراق.. استعراض قوة أميركي ولا نية للتدخل

حسين عبدالحسين

"طيب يا (قاسم) سليماني، هذه لعينيك: الآن قواتك هي المنهكة في سورية ولبنان والعراق، ومقاتلينا في بيوتهم. طاب نهارك". هكذا لخص المعلق المعروف في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان السياسة الأميركية في هذه البلدان الثلاثة. والمعروف ان فريدمان هو من أكثر المقربين من الرئيس باراك أوباما، وهو يزوره في البيت الأبيض بشكل دوري، ما يعني ان مواقف الصحافي الأميركي تعكس الى حد كبير تفكير أوباما نفسه.


وفي المقالة نفسها، كرر فريدمان مواقف كان أدلى بها أوباما حول العراق، في العام 2008، اثناء حملته الرئاسية الأولى. وكتب فريدمان ان الولايات المتحدة تسعى الى رؤية عراق "يتمتع بالحد الأدنى من الاستقرار ولا يهدد أمننا"، مضيفاً: "مَن مِن العراقيين يمكننا أن نساعد؟ الإجابات غير واضحة، وحتى تصبح واضحة، سأكون مرتاباً جداً من التدخل".
وفريدمان كان أحد أبرز المثقفين الاميركيين الداعمين للحرب في العراق في العام 2003، وهو كان من مؤيدي سياسة "نشر الديموقراطية"، معتبراً أن "دولتين فيهما (سلسلة مطاعم) ماكدونالد لا تذهبان الى مواجهة عسكرية"، حسب ما ورد في أحد كتبه.


لكن فريدمان ما لبث ان تراجع، وصار من مؤيدي الانسحاب من العراق، ومن داعمي أوباما في هذا الشأن، وهو ما يعني انه ، من وجهة نظر الرئيس الأميركي، إذا كانت شخصيات ذات تأثير في الرأي العام الأميركي من امثال فريدمان، غير مقتنعة بالتدخل في العراق ضد "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، فأوباما نفسه لن يقحم نفسه في أي ضربة من هذا النوع.


في هذه الاثناء، تشير التقارير الواردة من داخل أروقة القرار الأميركي الى ان واشنطن قدمت لرئيس الحكومة العراقي نوري المالكي مجموعة من الشروط المطلوب تنفيذها، قبل ان تتدخل عسكرياً الى جانب قواته ضد متمردي الموصل، الا انه يبدو ان الإدارة الأميركية لا تعتقد ان المالكي يمكن ان يقبل بالشروط المطروحة.


وتفيد التقارير ان واشنطن اشترطت على المالكي البدء بمصالحة سياسية كاملة مع السنة والكرد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية معهم، والالتزام بالاتفاقيات السياسية السابقة التي نكث بها رئيس الحكومة العراقي، من قبيل منح السنة وزارات امنية، مثل الداخلية والدفاع، التي حجبها عنهم المالكي، وإعادة وزارة المالية اليهم، واسقاط التهم بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي، ومباشرة الحوار معه ومع الزعماء السنة العراقيين.


وتضيف التقارير نفسها أن واشنطن كانت نجحت في إقناع المالكي بوصل ما انقطع مع عشائر الأنبار وقوات الصحوات، وأن الأخيرة ساهمت في استرداد مناطق غربي العراق من أيدي "داعش"، وهو النموذج المطلوب تنفيذه اليوم في الموصل بإعادة الانفتاح على السنة سياسياً.


لكن الترجيحات الأميركية تقول إن المالكي لن يقبل الشروط الأميركية، وأنه سيسعى الى تحقيق فوزٍ عسكري على المتمردين، لإظهار نفسه كمخلص للعراقيين ورجل قوي. وفي نفس الوقت، يستبعد المسؤولون في واشنطن ان يتمكن المالكي من إلحاق أي هزائم عسكرية بخصومه.


هكذا، حركت وزارة الدفاع الأميركية حاملة طائرة "جورج دبليو بوش" من شمال بحر العرب الى جنوب شط العرب لتوجيه رسالة، لا لمتمردي الموصل فحسب، بل للمالكي نفسه، مفادها أن واشنطن جدية في نيتها مساعدته على إلحاق الهزيمة بالمتمردين، على شرط "تنفيذه الإصلاحات السياسية" التي حددتها.


على أن في تحريك حاملة الطائرات استعراضاً سياسياً أكثر منه عسكري، فلواشنطن مقاتلات في قاعدة انجرليك التركية، القريبة جداً من الموصل، وهي لا تحتاج لحاملة الطائرات فعلياً، لكنها تحتاج الى البيان العسكري الذي يوحي بجديتها. ثم ان إمكانية استخدام أوباما لمقاتلات أميركية في توجيه ضربة في الموصل، لا تبدو جدية، لأنها قد تضعه في موقف سياسي حرج داخلياً، فهو لا يمكنه شن ضربة في العراق من دون موافقة الكونغرس، تماماً كما طلب هذه الموافقة الخريف الماضي لتوجيه ضربة مماثلة لقوات الرئيس السوري بشار الأسد على إثر هجوم كيماوي في ضواحي دمشق، في شهر آب/أغسطس الماضي.


أما الموقف الأميركي الفعلي في العراق، ومثله في سوريا، فمبني على اعتقاد أوباما ان لا حلول عسكرية في أي منهما، وان الحلول تقضي بإقامة مصالحات سياسية بين الافرقاء المتحاربين، وبدخول الجهات الإقليمية في هذه المصالحات، ومن قبيل ذلك، جاءت تصريحات وزير الخارجية جون كيري عن إمكانية الحديث مع إيران لإيجاد حلول في العراق.


في الوقت نفسه، يعتقد أوباما ان الخطر الوحيد في العراق وسوريا يكمن في ان تتحول المناطق، في أي منهما، الى مناطق خارجة عن القانون، تسمح للمتطرفين بتجنيد وتدريب مقاتلين يمكنهم شن هجمات داخل أميركا في وقت لاحق، وهو للتعاطي مع هذا الموضوع، يعتقد ان بإمكان أميركا اتخاذ سلسلة إجراءات بوليسية، بالتنسيق مع الحلفاء، لمراقبة هذه التنظيمات ومقاتليها، على صعيد دولي، ومن دون تدخل عسكري أميركي مباشر في هذه المناطق.


الدلائل في العاصمة الأميركية تشير الى ان الولايات المتحدة لن تشن أي ضربة عسكرية، لا في العراق ولا في سوريا، على الأقل حتى تتغير المعطيات القائمة في الشرق الأوسط، أو ربما حتى تتغير الإدارة في واشنطن.