الجمعة، 1 أغسطس 2014

كيري يضاعف من ضعف أوباما

حسين عبدالحسين

لم يبد رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو يوماً الاحترام لرئيس الولايات المتحدة باراك أوباما. في زياراته المتكررة الى البيت الأبيض، لم يتوان المسؤول الإسرائيلي عن إحراج مضيفه، تارة بإعلانه نية حكومته تشييد المزيد من المستوطنات التي لم تعترف بشرعيتها واشنطن يوماً، وطوراً بإطلاق تصريحات نارية حول المفاوضات مع إيران.
أوباما مارس ضبط النفس، لكنه تحت الهواء، لم يخف كراهيته لنتنياهو، كما في حادثة الميكروفون المفتوح مع رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي.
وأوباما الذي كان متحمساً للتوصل الى اتفاقية سلام عربية إسرائيلية، تراجع عنها مع انقضاء نصف ولايته الأولى عندما قال لصحيفة "نيويورك تايمز" إن العملية اعقد مما كان يتصور، وان السلام يحتاج الى إرادة الأطراف المعنية التي يبدو انها غائبة. ومع تراجعه، التزم أوباما بإسرائيل بالقدر الذي تفرضه الادبيات السياسية في العاصمة الأميركية، او بالقدر الذي يفرضه نفوذ الكونغرس، حيث سطوة أصدقاء إسرائيل هي الأقوى.
فعلى مدى السنوات الخمس الماضية قدمت أميركا حماية كبيرة لإسرائيل في الأمم المتحدة في مواجهة الإعلانات الأممية التي منحت السلطة الفلسطينية عضوية في مؤسسات عديدة من المنظمة.
لكن جون كيري، الذي أصبح وزيرا للخارجية في مطلع العام 2013، بدا مصراً على "اصلاح ما أفسده الدهر"، وأعلن تصميمه على التوصل الى سلام، وقدم جدولاً زمنياً طموحاً. لم يستمع كيري للنصائح الأميركية العديدة حول انعدام جدوى مساعيه السلمية مع الإسرائيليين، والتي جاء آخرها من مدير الاستخبارات العسكرية الأميركية الجنرال مايكل فلن، الذي قال الأسبوع الماضي، في تصريحات صريحة أكثر من العادة، انه لا يعتقد ان السلام ممكناً. "هل سيكون هناك سلام في الشرق الأوسط؟ ليس في حياتي"، حسب فلن.
وإذا كان الرئيس الأميركي ومدير استخباراته العسكرية لا يعتقدان ان السلام الفلسطيني الإسرائيلي ممكنا، فلماذا ورط كيري نفسه في هذه المعضلة؟ الإجابة تكمن في شخصية كيري، فمن يعرف الوزير الأميركي، يعرف انه يندر ان يستمع للنصائح او لمستشاريه، وانه معتد برأيه الى حد عدم الواقعية.
اما لماذا لم يضع أوباما حداً لذلك، فمرده الى ان الرئيس الأميركي عمد، منذ اسابيعه الأولى في الحكم، الى حصر السياسة الخارجية بمجلس الأمن القومي المقرب منه (ومقره في البيت الأبيض)، مستبعداً وزارة الخارجية. ومع تعيينه كيري الطموح، لم يحاول أوباما ان يكبح جماح وزيره الجديد، بل "تركه" يفعل ما يشاء.
لكن أداء كيري، منذ تعيينه، أظهر انه مزرٍ، إن في سوريا، أو في العراق الذي لم يزره ولا مرة حتى خروج الموصل عن السيطرة الحكومية العراقية، أو في فلسطين، حيث رمى كيري بثقله خلف عملية السلام وخرج بخفي حنين. وان كانت بهلوانيات كيري لا تؤثر في سياسة أوباما الخارجية الفعلية، الا انها أزعجت الإسرائيليين منذ اليوم الأول، فلم يتردد اصدقاؤها في واشنطن في توجيه الصفعة له، مرة تلو الأخرى.
في احدى المرات التي تحدث فيها الوزير الأميركي في جلسة مغلقة بدعوة من الأكاديمي المعروف ومؤلف نظرية "القوة الناعمة" جوزف ناي، شبّه كيري إسرائيل بنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، فما كان من أصدقاء إسرائيل الا ان سربوا التصريح عن طريق الصحافي المقرب منهم جوش روغان، الذي يعمل في صحيفة "ذا دايلي بيست". وفي مرة أخرى، بثت شبكة "فوكس" اليمينية دردشة كيري قبل ان يعلم انه على الهواء، وهو بدا يسخر من زعم إسرائيل ان ضرباتها في غزة هي ضربات دقيقة.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة، دأب المسؤولون الإسرائيليون على تسريب تصريحات ركزوا فيها هجماتهم على كيري، ما حدا بإدارة أوباما الى الدفاع عنه، وان بشكل خجول.
أما لماذا يزعج كيري الإسرائيليين، فأغلب الظن لأنه "يصدق نفسه انه وسيط"، فيما إسرائيل ترى في وزير خارجية القوة العظمى حليفاً يدافع عنها "في الحلوة والمرة". هكذا عندما قدم كيري مبادرة سلام تشبه المبادرة المصرية، مع بعض التعديلات، رفضتها الحكومة الإسرائيلية بالإجماع، وقالت للأميركيين ان نصها يبدو وكأن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل هو الذي صاغها.
في إسرائيل، إما ان يواليها كيري، أو يصمت. في العراق، الأمر بيد وزارة الدفاع. في سوريا، لا يستمع أحد في واشنطن لكيري الذي يعد المعارضة بالسلاح. حتى نزع ترسانة بشار الأسد الكيماوية، التي ما دأب كيري ينتظر اتمامها حتى يعلنها انتصاراً لديبلوماسيته، لم تصل خاتمتها بسبب إصرار الأخير على عدم تدمير منشآت الإنتاج حسب ما كان متفقا عليه لعلمه أن لا عواقب عسكرية أميركية لعناده. أوباما ضعيف، داخلياً، وخصوصاً امام إسرائيل ومؤيديها مع اقتراب الانتخابات التشريعية النصفية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر، ووزير خارجيته مهمش ولا مصداقية لمبادراته ولا لتصريحاته. ربما لا يكترث الرئيس الأميركي لشؤون العالم، وربما يهتم ولكنه لا يدري ماذا يفعل. لكن الأكيد أن ضعف كيري يضاعف من ضعف أوباما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق