الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

خسارة أوباما انتخابات الكونغرس لن تثنيه عن التمسك بإيران

حسين عبدالحسين
المدن

على عكس ما يرجو كثيرون خارج الولايات المتحدة، ممن يعارضون سياسة الرئيس باراك أوباما، من غير المتوقع ان تؤثر خسارة حزبه الغالبية في مجلس الشيوخ، في سياسته الخارجية، وخصوصاً الشرق أوسطية، المبنية على التوصل لاتفاقية دائمة مع إيران كمفتاح لحل الأزمات الأخرى في سوريا والعراق واليمن ولبنان.

الدستور الأميركي يمنح الرئيس صلاحيات شبه مطلقة في السياسة الخارجية، على عكس الشؤون الداخلية. وفي الموضوع الإيراني، لطالما عارض الحزب الجمهوري، الذي انتزع الغالبية في مجلس الشيوخ وجددها في مجلس النواب، سياسة أوباما القاضية بالانفتاح على إيران، وتبنى سياسة تقضي بتشديد العقوبات عليها سبيلاً لإخضاعها واجبارها على القبول بالتخلي عن برنامجها النووي كاملاً.


ويعتقد الجمهوريون ان إيران جاءت الى طاولة المفاوضات بعدما أوجعتها العقوبات الأميركية والدولية، ويعتقدون ان اجبار إيران على التفاوض كان بفضل العقوبات، ما يعني ان المزيد من العقوبات ستجبرها على التنازل. لذلك، صادق الجمهوريون في مجلس النواب على قانون يقضي بتشديد العقوبات الأميركية على إيران، ولكن بمفعول متأخر يبدأ بعد نهاية مفاعيل اتفاقية جنيف المؤقتة في 24 من الشهر الحالي، في حال عدم التوصل الى اتفاقية دائمة بحلول ذلك التاريخ.


لكن أوباما يتعامل مع الملف الإيراني بحرص شديد، ولا يريد اثارة أي تشويش، من قبيل رفض أي عمل عسكري مباشر أو غير مباشر ضد الرئيس السوري بشار الأسد وقواته، لا لأن الرئيس الأميركي يؤيد بقاء الأسد، بل خشية ان تعكر أي خطوة من هذا النوع صفو المفاوضات مع الإيرانيين.


وكما في الموضوع السوري، كذلك في إمكانية فرض عقوبات جديدة على إيران يعارضها أوباما تماماً، وهو ما دفعه للإيعاز لزعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، برمي قانون الجمهوريين في سلة النفايات، ما عطله تماماً. لكن مع تحول الغالبية في الشيوخ الى الجمهوريين وترؤس ميتش ماكونيل المجلس، يصبح مرجحاً أن يعيد الجمهوريون الكرّة، فيقدمون قانون عقوبات جديدة على إيران تتم المصادقة عليه في مجلسي الكونغرس وإرساله للبيت الأبيض للتوقيع عليه. في هذه الحالة، يمكن لأوباما نقضه وإعادته ما لم يحز غالبية ثلثي الأصوات.


لكن حيازة ثلثي الأصوات لعقوبات جديدة على إيران أمر ممكن، وهو ان حصل يجبر أوباما على التوقيع. مع ذلك، يبقى القانون حبراً على ورق من دون إصدار الرئيس الأميركي لمراسيم تنفيذية لتطبيق العقوبات الجديدة، وهو ما يعني ان أوباما يمكنه ان يمنع فعلياً أي عقوبات جديدة على إيران، مثلما يمكنه منح إعفاءات لرفع بعض أو كل العقوبات الحالية المفروضة على الجمهورية الإسلامية، حتى لو أصدر الكونغرس مئات القرارات التي تطلب عكس ذلك.


السنتان المتبقيتان في حكم أوباما هما الفرصة الأخيرة لإيران للحصول على توقيع أميركا لرفع العقوبات الدولية عنها. حتى لو خلف أوباما رئيس ديموقراطي في البيت الأبيض، من غير المتوقع ان يصل الى الرئاسة الأميركية أي مسؤول يبدي استعداداً للاتفاق مع إيران كالرئيس الحالي.


على أن المراقبين الاميركيين لا يعتقدون ان إيران ستتلقف يد أوباما الممدودة، فمرشد الجمهورية، علي خامنئي، أعلن في خطاب رأس السنة الإيرانية ان خلاصته لهذا العام هي انشاء "اقتصاد المقاومة"، أي اقتصاد اكتفاء ذاتي، ولا يكون بحاجة لمبيعات النفط وعوائدها او للاستثمارات الخارجية للنمو. حتى أن خامنئي قال صراحة أن وضع الاقتصاد الإيراني لا يرتبط برفع جزئي او كلي للعقوبات. وما يؤكد نية المرشد رفض أي اتفاقية مع العالم سعي الرئيس الإيراني حسن روحاني وفريقه، منذ شهور، الى كسر العقوبات الدولية وتجاوزها حتى في حال عدم رفعها. ومع انهم لم يوفقوا حتى الآن، إلا أن سعيهم يشي بأنهم لا يرون الاتفاقية مع العالم تقترب.


ومع المماطلة الإيرانية، وإصرار أوباما ان الطريق الوحيد لحلول الشرق الأوسط يجب ان يمر في طهران، ومع الصلاحيات التي يتمتع بها أوباما حتى بعد الهزيمة المذلة التي تكبدها حزبه في انتخابات الكونغرس ومحافظي الولايات، من غير المتوقع ان يتغير الكثير في موقف أميركا من الملفات الشرق أوسطية الراهنة.


أوباما سيستمر في المماطلة في سوريا حتى لا ينهار الأسد وتفزع إيران، وستبقى حربه على تنظيم "الدولة الإسلامية" نصف حرب، تهدف الى وقف توسعه فقط من دون اللجوء الى تدميره الكلي المكلف مالياً وبشرياً. وسيستمر أوباما في منح موافقته الضمنية للهيمنة الإيرانية في العراق واليمن، كبادرة حسن نية، ولن يثيره غضب حلفائه في إسرائيل وتركيا والسعودية، فصلاحيات أوباما تسمح له الاستمرار في سياسته الخارجية، وهو على الغالب ما سيدأب على فعله على الرغم من خسارته المدوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق