الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

خطة إماراتية – مصرية – روسية لإنقاذ الأسد

حسين عبدالحسين

لم يكن إعلان تمسك رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، هادي البحرة، بمقررات "مؤتمر جنيف 1"، بدلاً من جنيف الثاني، من قبيل المصادفة. ولم تكن إطلالته الإعلامية التي نفى فيها ما يتردد عن وجود مبادرات روسية ومصرية من باب المناورة. والبحرة كان صادقاً في قوله لصحيفة "الشرق الأوسط" إن "مصر تضغط لحل سياسي".

الحركة الديبلوماسية المكثفة، التي تجري خلف الكواليس لفرض حل سياسي في سوريا يؤدي لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، تقف خلفها كل من الامارات العربية المتحدة ومصر وروسيا.

الخطوة الأولى المطلوبة هي "تذويب" البحرة ومجموعته في جبهة معارضة واسعة تتضمن فصائل متعددة لا تمانع التوصل الى اتفاق سياسي في سوريا لا يؤدي للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. لذا استضافت مصر لقاء موسعاً للمعارضين، بعد سعي حثيث قام به نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، لإقناعهم بالذهاب إلى القاهرة وإنشاء جبهة موحدة تشارك في "مؤتمر موسكو" المزمع عقده الشهر المقبل.

ويبدو أن الهدف من لقاء القاهرة هو تحويل مجموعة البحرة إلى أقلية صغيرة في جبهة معارضة أكبر، فتصبح معارضته بقاء الأسد في الحكم أقل وزناً، ويصبح ذهاب المعارضة إلى موسكو للقاء وفد الأسد وتنفيذ مطالبه أمراً مؤكداً.

وذهاب المعارضة السورية إلى موسكو هو بمثابة انتصار سياسي مؤكد للأسد وداعميه الدوليين. فالبحرة قال إن لا أجندة حتى الآن لمؤتمر موسكو، وهذا صحيح، فالمؤتمر المذكور سيبنى على مقررات "مؤتمر جنيف" الثاني، لا الأول. أما في حال رفضت المعارضة السورية البناء على مقررات "جنيف 2"، فتظهر بمظهر معرقلة الحلول.

أما الفرق بين مؤتمري جنيف الأول والثاني فهو على الشكل التالي: في الأول، تفاجأت الولايات المتحدة قبول الروس عبارة تشكيل حكومة سورية مؤقتة تشرف على العملية الانتقالية، واعتبروا ان الحكومة المذكورة تعني حكماً تحييد الأسد واجراء الانتقال في غيابه. في مؤتمر جنيف الثاني، وتحت ضغط من الروس والأميركيين، ارتكبت المعارضة السورية خطأ بتراجعها عن مقررات "جنيف 1"، لكن عنجهية وفد الأسد انقذت المعارضين السوريين من هفوتهم.

ماذا حصل في مؤتمر جنيف الثاني؟ يروي السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، الذي كان من أبرز المشاركين في المؤتمر: "ذهبنا إلى جنيف في كانون الأول وشباط، ووضعت المعارضة على الطاولة أمام الأمم المتحدة اقتراحاً مكتوباً لحكومة وحدة انتقالية، ولم يطلب الاقتراح من بشار التنحي".

وتابع فورد في مقابلة أجرتها معه مجلة "بروسبكت" في وقت سابق من هذا الشهر: "حاولت الأمم المتحدة حمل النظام على قبول التفاوض كمخرج للأزمة السورية، لكن النظام رفض قطعياً التفاوض، لذا في ظل هذه الظروف، ليس غريباً أن نتوقع أن يفاوض النظام فقط إن شعر بالمزيد من الضغط العسكري".

ومما قاله فورد، يبدو أن الأسد كان يعتقد أن سبيله الوحيد للبقاء في الحكم يكمن في تحقيقه نصراً عسكرياً مؤكداً على الثوار. لكن بعد مرور قرابة العام، وبعدما بدا أن انتصار الأسد عسكرياً صار متعذراً، وبعدما أبدت دول كانت في مصاف مقاطعي الأسد ليونة في التعاطي معه، يبدو أن الأسد صار يدرك أن رياح الديبلوماسية الدولية تجري في مصلحته.

هكذا، سارع نظام الأسد إلى تأييد المشاركة في مؤتمر موسكو، حتى في غياب جدول أعمال للمؤتمر، فالأسد يدرك أن انعقاد المؤتمر، هو أمر في مصلحته. ولن يكون غريباً أن نسمع وفد الأسد يشيد بمقررات "جنيف 2"، ويدعو للتمسك بها في موسكو كنقطة إنطلاق للحل السياسي المزعوم.

أما في واشنطن، وبضغط ديبلوماسي هائل ونشاط اللوبي التابع للإمارات العربية المتحدة، تراجع الأميركيون المتمسكون برحيل الأسد، وصار فريق الرئيس باراك أوباما يتحدث عن النتائج المرجوة فقط: وقف إطلاق نار وهدنة إنسانية. أما كلام الولايات المتحدة عن ضرورة رحيل الأسد، فصار من الماضي، حتى أن أبرز الديبلوماسيين الذين حملوا هذا الشعار على مدى السنوات الثلاثة الماضية، صاروا جميعهم خارج وزارة الخارجية، فالسفير جيفري فيلتمان أصبح مستشار أمين عام الأمم المتحدة للشؤون السياسية، وفرد هوف تحول إلى محلل سياسي في "مركز رفيق الحريري" التابع لمركز أبحاث "مجلس الأطلسي"، فيما انضم فورد الى مركز أبحاث "معهد الشرق الأوسط".

عندما التقى المعارضون السوريون في مصر، وخصوصاً المتمسكين من بينهم برحيل الأسد، وجدوا أنفسهم في ضيافة ديبلوماسية مصرية لا تميز بينهم وبين عدائها لجماعة الإخوان المسلمين. هكذا، مارست القاهرة الضغط على البحرة وصحبه لتبني "جنيف 2" كأساس لحل يتم التوصل إليه في موسكو. أما البحرة، فوجد أن خلاصه الوحيد أمام عدوانية القاهرة كان يكمن في القول إن لا جداول أعمال ولا مبادرات، لذا لا مؤتمر في موسكو. وأطل البحرة عبر الإعلام العربي في ما بدا وكأنها محاولات دق نواقيس الخطر الداهم.

وكما في القاهرة، كذلك في موسكو، سيجد البحرة التمسك بخروج الأسد من الحكم أمراً بالغ الصعوبة، وسيجد الائتلاف السوري نفسه في مواجهة روسيا ووفد الجامعة العربية ووفد الأسد ومؤتمر "جنيف 2"، وسط تقاعس أميركي، بل تواطئ مع الأسد وداعميه.

ديبلوماسيون سوريون عادوا إلى السفارة السورية في الكويت لتصريف الأعمال، والإمارات وعمان لم تقطعا علاقاتهما بالأسد يوماً، وكذلك العراق والجزائر والسودان ولبنان، واليوم تونس.

في مؤتمر القمة العربية المقرر انعقاده برئاسة مصر في القاهرة في آذار/مارس المقبل، قد يجد الأسد نفسه في موقع جيد للعودة ليشغل كرسي سوريا الذي تقرر إعطاءه في قمة الكويت 2014 للمعارضة، وقد تجد المعارضة السورية نفسها في مواجهة عالم يقف ضدها، باستثناء بعض العواصم العربية التي صارت تبدو، بشكل متزايد، غير قادرة على فرض نفوذها وحماية المعارضين السوريين من تغلب الأسد عليهم ديبلوماسياً، بعدما فشل في إلحاق الهزيمة بهم شعبياً وعسكرياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق