| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
اقتنص الرئيس باراك أوباما مناسبة تقديم العزاء بخادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليزور الرياض، أول من أمس، للمرة الثانية في أقل من سنة. المملكة لم تعر أهمية كبيرة لأوباما في زيارته الأخيرة في مارس الماضي، بل حرص الملك الراحل على عدم عقد لقاء قمة، واكتفى بتحويل الاجتماع بروتوكوليا الى «غداء عمل». هذه المرة، رأى أوباما في زيارة تقديم تعازيه فرصة سانحة لتقديم وجهة نظره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فقطع زيارته الى الهند، وعرج على الرياض.
وللوفد الذي اختاره أوباما لمرافقته في السعودية دلالة، فهو تضمن ثلاثة وزراء خارجية هم الحالي جون كيري والسابقان الجمهوريان جيمس بيكر وكوندوليزا رايس. كذلك، طلب أوباما ان يحضر من الولايات المتحدة الى الرياض برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي في زمن الرئيس جورج بوش الأب.
والى العلاقات التي يتمتع بها المسؤولون الأميركيون الثلاثة السابقون مع نظرائهم السعوديين، يتميز الثلاثة بتبنيهم، اثناء عملهم في الحكومة، سياسات انفتاح وانخراط على دول لم تكن عادة في مصاف الصديقة او الحليفة للولايات المتحدة. فبيكر هو مهندس التحالف الذي أخرج جيش صدام حسين من الكويت، وهو الذي أدخل سورية في التحالف ودعاها الى مؤتمر مدريد. وبيكر هو الذي هندس اتفاقية انهاء الحرب الاهلية في لبنان ووضعه تحت وصاية سورية. كذلك، كان بيكر من أبرز الجمهوريين المعارضين لحرب العراق، وهو قدم دراسة عرفت بدراسة «بيكر - هاملتون» دعا فيها وقتذاك لانسحاب فوري وتعاون مع سورية وايران. لكن بوش لم يستمع لرأي صديق والده، بل آثر المراهنة على خطة «زيادة القوات» ومصادقة عشائر غرب العراق، فانخفض العنف الى مستوى ما قبل 2003.
اما رايس، ورغم انها عملت لدى أحد أكثر رؤساء أميركا من الصقور في السياسة الخارجية، أي جورج بوش الابن، الا ان رايس هي مهندسة مؤتمر انابوليس للسلام العربي - الإسرائيلي، والذي فتحت بموجبه الباب لنظام الرئيس بشار الأسد للخروج من عزلته المفروضة عليه آنذاك منذ اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005. وفي وقت سابق، كانت رايس رعت التوصل لاتفاق الدوحة بين حلفاء أميركا «وحزب الله» في لبنان.
اما سكوكروفت، فنقل عن لسانه، الأسبوع الماضي في جلسة استماع في الكونغرس، صديقه زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الديموقراطي السابق جيمي كارتر، ان «إيران بدأت في التطور لتصبح دولة حضارية ومهمة جدا في التاريخ». وقال بريجنسكي انه يتشارك هذا الرأي مع سكوكروفت.
وجود هؤلاء الثلاثة وحدهم، أي بيكر ورايس وسكوكروفت، يشي بأن أوباما استنجد بأصدقاء سابقين للمملكة واستقدمهم لاقناع الرياض بقبول وجهة نظره القائلة بفائدة الانفتاح على إيران. وكانت مصادر أوباما عممت مؤخرا انها لا تمانع بقاء الأسد رئيسا لسورية، وأنها تدعم في هذا السياق مبادرة موسكو للخروج بحل سياسي سوري.
في الطائرة الرئاسية الأميركية، قال الناطق باسم «مجلس الأمن القومي» بن رودز، والذي حضر اللقاءات الثنائية في الرياض، للصحافيين ان اللقاء بين الزعيمين تطرق الى عدد من الأمور، لخصها بالترتيب التالي: «المجهود المشترك في محاربة الإرهاب، بما في ذلك مكافحة الدولة الإسلامية (داعش)، والعملية في سورية والحاجة الى تقديم الدعم المتواصل للمعارضة هناك، والوضع في العراق والحاجة الى الوحدة بين مكوناته». تلا ذلك حديث عن ضرورة إعادة الاستقرار لليمن، ثم حديث عن نشاطات إيران «المزعزعة للاستقرار»، والمفاوضات النووية الجارية معها.
وقالت مصادر في البيت الأبيض ان أوباما شدد على «رغبته في حل ديبلوماسي» مع الإيرانيين، وأضافت المصادر نفسها ان العاهل السعودي «لم يعلق على موضوع المفاوضات» لكنه قال انه يعتقد انه «لا يمكن لإيران حيازة أسلحة نووية».
وبالإجابة عن سؤال حول صحة الملك السعودي، قالت المصادر الأميركية انه خاض في حوار مع أوباما بالتفاصيل، ومن دون الركون الى أية ملاحظات مكتوبة او الى أوراق او مساعدين. وقالت المصادر نفسها ان الرجلين تحدثا في الأمور «بتفصيل» و«بعمق». لكن نبرة المصادر نفسها اوحت وكأن التباينات في الرأي مازالت سائدة.
ربما لهذا السبب تقرر بقاء بعض المسؤولين الاميركيين في السعودية بعدما غادرت «طائرة القوة الجوية رقم واحد» الرئاسية في طريقها الى المانيا ومن ثم الى واشنطن. هكذا، بقيت مستشارة أوباما لشؤون الأمن القومي ليزا موناكو وعدد من المسؤولين في الرياض لعقد المزيد من الاجتماعات والمباحثات.
الزيارة كانت إيجابية، على الأقل في الشكل وفي تصريحات المسؤولين من الدولتين، لكن التباين ظل واضحا. أوباما حاول اللجوء الى كبار اركان الدولة السابقين لتسويق التسوية الديبلوماسية مع إيران حلا وحيدا في المنطقة، والملك السعودي حافظ على صمته، ربما عملا بآداب الضيافة العربية لا أكثر.