الخميس، 29 يناير 2015

أوباما أكّد تمسّكه بتسوية مع إيران والملك سلمان لم يعلّق


| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اقتنص الرئيس باراك أوباما مناسبة تقديم العزاء بخادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليزور الرياض، أول من أمس، للمرة الثانية في أقل من سنة. المملكة لم تعر أهمية كبيرة لأوباما في زيارته الأخيرة في مارس الماضي، بل حرص الملك الراحل على عدم عقد لقاء قمة، واكتفى بتحويل الاجتماع بروتوكوليا الى «غداء عمل». هذه المرة، رأى أوباما في زيارة تقديم تعازيه فرصة سانحة لتقديم وجهة نظره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فقطع زيارته الى الهند، وعرج على الرياض.

وللوفد الذي اختاره أوباما لمرافقته في السعودية دلالة، فهو تضمن ثلاثة وزراء خارجية هم الحالي جون كيري والسابقان الجمهوريان جيمس بيكر وكوندوليزا رايس. كذلك، طلب أوباما ان يحضر من الولايات المتحدة الى الرياض برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي في زمن الرئيس جورج بوش الأب.

والى العلاقات التي يتمتع بها المسؤولون الأميركيون الثلاثة السابقون مع نظرائهم السعوديين، يتميز الثلاثة بتبنيهم، اثناء عملهم في الحكومة، سياسات انفتاح وانخراط على دول لم تكن عادة في مصاف الصديقة او الحليفة للولايات المتحدة. فبيكر هو مهندس التحالف الذي أخرج جيش صدام حسين من الكويت، وهو الذي أدخل سورية في التحالف ودعاها الى مؤتمر مدريد. وبيكر هو الذي هندس اتفاقية انهاء الحرب الاهلية في لبنان ووضعه تحت وصاية سورية. كذلك، كان بيكر من أبرز الجمهوريين المعارضين لحرب العراق، وهو قدم دراسة عرفت بدراسة «بيكر - هاملتون» دعا فيها وقتذاك لانسحاب فوري وتعاون مع سورية وايران. لكن بوش لم يستمع لرأي صديق والده، بل آثر المراهنة على خطة «زيادة القوات» ومصادقة عشائر غرب العراق، فانخفض العنف الى مستوى ما قبل 2003.

اما رايس، ورغم انها عملت لدى أحد أكثر رؤساء أميركا من الصقور في السياسة الخارجية، أي جورج بوش الابن، الا ان رايس هي مهندسة مؤتمر انابوليس للسلام العربي - الإسرائيلي، والذي فتحت بموجبه الباب لنظام الرئيس بشار الأسد للخروج من عزلته المفروضة عليه آنذاك منذ اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005. وفي وقت سابق، كانت رايس رعت التوصل لاتفاق الدوحة بين حلفاء أميركا «وحزب الله» في لبنان.

اما سكوكروفت، فنقل عن لسانه، الأسبوع الماضي في جلسة استماع في الكونغرس، صديقه زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الديموقراطي السابق جيمي كارتر، ان «إيران بدأت في التطور لتصبح دولة حضارية ومهمة جدا في التاريخ». وقال بريجنسكي انه يتشارك هذا الرأي مع سكوكروفت.

وجود هؤلاء الثلاثة وحدهم، أي بيكر ورايس وسكوكروفت، يشي بأن أوباما استنجد بأصدقاء سابقين للمملكة واستقدمهم لاقناع الرياض بقبول وجهة نظره القائلة بفائدة الانفتاح على إيران. وكانت مصادر أوباما عممت مؤخرا انها لا تمانع بقاء الأسد رئيسا لسورية، وأنها تدعم في هذا السياق مبادرة موسكو للخروج بحل سياسي سوري.

في الطائرة الرئاسية الأميركية، قال الناطق باسم «مجلس الأمن القومي» بن رودز، والذي حضر اللقاءات الثنائية في الرياض، للصحافيين ان اللقاء بين الزعيمين تطرق الى عدد من الأمور، لخصها بالترتيب التالي: «المجهود المشترك في محاربة الإرهاب، بما في ذلك مكافحة الدولة الإسلامية (داعش)، والعملية في سورية والحاجة الى تقديم الدعم المتواصل للمعارضة هناك، والوضع في العراق والحاجة الى الوحدة بين مكوناته». تلا ذلك حديث عن ضرورة إعادة الاستقرار لليمن، ثم حديث عن نشاطات إيران «المزعزعة للاستقرار»، والمفاوضات النووية الجارية معها.

وقالت مصادر في البيت الأبيض ان أوباما شدد على «رغبته في حل ديبلوماسي» مع الإيرانيين، وأضافت المصادر نفسها ان العاهل السعودي «لم يعلق على موضوع المفاوضات» لكنه قال انه يعتقد انه «لا يمكن لإيران حيازة أسلحة نووية».

وبالإجابة عن سؤال حول صحة الملك السعودي، قالت المصادر الأميركية انه خاض في حوار مع أوباما بالتفاصيل، ومن دون الركون الى أية ملاحظات مكتوبة او الى أوراق او مساعدين. وقالت المصادر نفسها ان الرجلين تحدثا في الأمور «بتفصيل» و«بعمق». لكن نبرة المصادر نفسها اوحت وكأن التباينات في الرأي مازالت سائدة.

ربما لهذا السبب تقرر بقاء بعض المسؤولين الاميركيين في السعودية بعدما غادرت «طائرة القوة الجوية رقم واحد» الرئاسية في طريقها الى المانيا ومن ثم الى واشنطن. هكذا، بقيت مستشارة أوباما لشؤون الأمن القومي ليزا موناكو وعدد من المسؤولين في الرياض لعقد المزيد من الاجتماعات والمباحثات.

الزيارة كانت إيجابية، على الأقل في الشكل وفي تصريحات المسؤولين من الدولتين، لكن التباين ظل واضحا. أوباما حاول اللجوء الى كبار اركان الدولة السابقين لتسويق التسوية الديبلوماسية مع إيران حلا وحيدا في المنطقة، والملك السعودي حافظ على صمته، ربما عملا بآداب الضيافة العربية لا أكثر.

الثلاثاء، 27 يناير 2015

إدارة أوباما: المجاهرة بالانحياز ضد السنة والتعاون مع الشيعة

حسين عبدالحسين

في خضم الأحداث المتلاحقة، لم تحز تصريحات مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، الأسبوع الماضي، الكثير من الاهتمام، لكنها أظهرت تحيزاً لا يقبل الشك للرئيس باراك أوباما وإدارته، لمصلحة التنظيمات ذات الهوية الشيعية وإيران، على حساب المجموعات والأنظمة السنية.

وفي جلسة استضافها "مركز الأطلسي" للأبحاث في العاصمة الأميركية، ورداً على سؤال حول إن كانت لبلاده "خطوط تنسيق استخباراتية" مع جماعة الحوثي في اليمن، أجاب فيكر بالإيجاب. بعد ذلك بأيام، أعلنت واشنطن انها قطعت التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي كانت تقوم به مع الحكومة اليمنية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي في وجه "تنظيم القاعدة".


وسبق لأوباما أن أشار في الماضي، مراراً، إلى ما اعتبره نجاح نموذج تعاون حكومته مع الحكومة اليمنية في مواجهة الإرهاب، أي "تنظيم القاعدة" حصراً من دون الحوثيين. لكن مع انهيار الحكومة اليمنية، حليفة واشنطن، أمام الحوثيين، لم تر إدارة أوباما ضرورة بناء تحالف دولي أو استخدام مقاتلاتها لمصلحة الحكومة الشرعية اليمنية، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة دفاعاً عن الحكومة العراقية في وجه تنظيم "الدولة الإسلامية". بل أن واشنطن قطعت صِلاتها بالحكومة اليمنية الشرعية المنهارة، في وقت أكد فيكرز أن العلاقة الاستخباراتية الأميركية مستمرة مع الحوثيين، في الغالب لمواجهة "تنظيم القاعدة" في اليمن. ولا يبدو أن شعارات الحوثيين القائلة بـ"الموت لأميركا ولإسرائيل ولليهود" تزعج أوباما أو فريقه.


ويأتي انحياز أوباما لمصلحة إيران ومجموعاتها في اليمن في نفس الوقت الذي كشفت واشنطن سرها حول الموضوع السوري، إذ أعلن وزير الخارجية جون كيري تأييد بلاده لـ"مؤتمر موسكو" المخصص للأزمة السورية، والذي يجمع المراقبون على أنه ينعقد لمصلحة إعادة تأهيل الأسد وضد مصلحة المعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.


وبعد كيري أطلت صحيفة "نيويورك تايمز"، في افتتاحيتها، الأحد الماضي، لتدعو الحكومة الأميركية لاعتبار داعش الخطر الداهم في سوريا، ولضرورة تبني سياسة عملانية تقضي ببقاء الأسد بدلاً من انفلات الأمور في حال رحيله. و"نيويورك تايمز" هي من أقرب الصحف الى الإدارة الأميركية، والأرجح أن افتتاحيتها المذكورة جاءت بإيحاء من اللوبيات التي تنفق عليها حكومة الإمارات العربية المتحدة أموالاً طائلة. واللوبيات نفسها هي التي دبرت لمجلة "الشؤون الخارجية" مقابلة مع الأسد، الاثنين، وهي اللوبيات نفسها التي تعتقد أن الظروف العالمية والأميركية والعربية ملائمة تماماً لشن حملة علاقات عامة لإعادة تأهيل صورة الأسد بهدف إبقائه في السلطة في دمشق.


طبعاً لم تر "نيويورك تايمز" قوات غير حكومية متطرفة في سوريا إلا في داعش والمجموعات السنية المسلحة، فيما لا يبدو أن المجموعات الموالية لإيران والأسد تقلق الصحيفة الأميركية المرموقة، وهو ما يؤكد فكرة أن أوباما صار منحازاً كلياً لمصلحة إيران والمجموعات الشيعية ضد خصوم إيران والمجموعات السنية، متطرفة كانت أم معتدلة.


والانحياز الأميركي ضد السنة في اليمن وسوريا يتكرر أيضاً في العراق، حيث وعدت أميركا العشائر السنية بإقامة "حرس وطني" مستقل من مقاتليها، لتتراجع عن وعدها وتصر أن ينخرط المقاتلون السنة في صفوف الجيش العراقي الحكومي، فيما لا يبدو أن الولايات المتحدة تمانع نشاط الميليشيات الشيعية العراقية غير الحكومية، على أنواعها، والمعروفة بالحشد الشعبي والتابعة لقائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" الجنرال قاسم سليماني.


هذه هي واشنطن أوباما، فوزير الخارجية جون كيري على علاقة ودية واتصال مباشر عبر البريد الالكتروني مع نظيره الإيراني جواد ظريف، وصور اللقاءات الثنائية المتكررة بينهما كثيرة، فيما يكاد يندر أن نعثر على صداقة تجمع كيري ونظرائه في أي من الحكومات ذات الغالبية السنية في منطقة الشرق الأوسط، من تركيا وقطر الى السعودية ومصر.


لماذا ينحاز أوباما للشيعة ضد السنة؟ الإجابات الأولية قد تشير الى "براغماتية قاتلة" و"عملانية وواقعية" تدفع الرئيس الأميركي الى تقليص التدخل الأميركي، والتعامل مع الوضع القائم، ومصادقة الطرف الأقوى. لكن بعض المتابعين داخل واشنطن قد يشيرون الى أسباب لا تمت الى الواقعية والدهاء السياسي بشيء.


ويقول العارفون إن أقرب المقربين من الرئيس الأميركي يعتقدون، وربما أقنعوه، أن إيران هي امبراطورية عريقة ذات تاريخ طويل، وأن التحالف معها أجدى من التحالف مع باقي دول المنطقة المتأرجحة في آرائها ومواقفها. ومن بين هؤلاء أقرب مستشاري الرئيس، فاليري جاريت، وهي تتمتع بصداقة معه ومع السيدة الأولى منذ عقود. وجاريت هي من مواليد مدينة شيراز الإيرانية الجنوبية، حيث قضت هناك ثماني سنوات الأولى من عمرها، حيث كان والدها يعمل طبيباً أميركياً مبتعثاً في إيران.


إلى جانب جاريت، أطل الأسبوع الماضي زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الديموقراطي السابق جيمي كارتر، في جلسة استماع في الكونغرس ليقول إن "إيران بدأت في التطور لتصبح دولة حضارية وهامة جداً في التاريخ". وقال بريجنسكي إنه يتشارك هذا الرأي مع برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي في عهد إدارتي رئيسين جمهوريين سابقين هما جيرالد فورد وجورج بوش الأب.


وبريجنسكي هو مستشار الأمن القومي الأميركي الذي وقعت اثناء عمله في البيت الأبيض الثورة الإيرانية في العام 1979، وهو كان مكلفاً من الرئيس كارتر بمباشرة الانفتاح على نظام الخميني، فالتقى المسؤول الأميركي مسؤولاً إيرانياً رفيعاً، هو مهدي بازركان في الجزائر، لكن تسارع الاحداث أجبر الخميني على قطع الطريق على الشيوعيين بإيعازه لمناصريه باجتياح السفارة الأميركية في طهران واحتجاز دبلوماسيين أميركيين رهائن، أو هذا على الأقل ما تظهره مذكرات كارتر ومسؤوليه.


ومما قاله بريجنسكي، مؤيد إيران كـ"حضارة ودولة هامة" في جلسة الاستماع: "لا أفهم لما نحن بهذا الحرص على الإطاحة بالاسد؟ هل الأسد عدونا؟ هل الأسد أسوأ من الأنظمة الأخرى في المنطقة؟".


أوباما ومسؤولون حاليون وسابقون ينحازون اليوم بشكل واضح لإيران والشيعة ضد السنة وأنظمتهم وتنظيماتهم، المعتدلة منها والمتطرفة. هذا الانحياز كان في الأقبية المظلمة وصار اليوم على صفحات الصحف وألسنة المسؤولين.

الاثنين، 26 يناير 2015

الأسد: الحوار المثمر هو بين الحكومة والثوار

واشنطن – من حسين عبدالحسين

قال الرئيس السوري بشار الأسد ان "كل حرب تنتهي بحل سياسي"، وان "الحوار المثمر سيكون بين الحكومة والثوار" فقط، معتبرا ان هؤلاء الثوار سبق ان قالوا ان معارضة الخارج لا تمثلهم. وأضاف الأسد، في مقابلة أجرتها معه مجلة "فورين افيرز"، ان "المعارضة تعني الوطنية" وانه "لا يمكنها ان تكون معارضة إذا كانت ألعوبة بأيدي قطر او السعودية او أي دولة غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة". لكنه أردف انه مستعد "للقاء الجميع، من دون شروط".
والمقابلة في المجلة الأميركية تبدو جزء من حملة "الربع الساعة الأخيرة" التي يقوم به اللوبي في واشنطن المؤيد لبقاء الأسد، والذي تمول معظم نشاطه دولة خليجية. وشن القيمون على هذا اللوبي حملة مكثفة في الآونة الأخيرة، ربما لاعتقادهم ان الوقت يداهمهم، وان النافذة الأخيرة المفتوحة لإعادة تأهيل صورة الأسد أميركيا قد يتم اغلاقها بحلول 24 مارس، موعد انتهاء مفاعيل التمديد الثاني لاتفاقية جنيف النووية المؤقتة بين مجموعة دول خمسة زائد واحد وإيران.
وفي حال تعثرت المفاوضات الأميركية الإيرانية، تحت ضغط هائل متوقع من الكونغرس الذي انقلبت غالبية غرفتيه جمهورية مطلع العام، يخشى اللوبي المؤيد للأسد ان تتفاقم المواجهة بين أميركا وإيران بشكل لا يسمح نيل موافقة واشنطن لبقاء الأسد في الحكم في سورية.
على هذه الخلفية جاءت مقابلة الأسد في "فورين افيرز"، وهي تلت تصريح وزير الخارجية جون كيري الذي اعتبر فيه ان بلاده تؤيد المجهود الروسي للتوصل الى حل سياسي في سورية. وبين تصريح كيري ومقابلة الأسد، جاءت افتتاحية صحيفة "نيويورك تايمز" – المقربة من إدارة الرئيس باراك أوباما – والتي اعتبرت فيها انه مقارنة بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، يبقى الأسد أهون الشرين، ويصبح التعامل معه ضرورة قد تحتم بقائه في السلطة.
لكن اللوبي المؤيد للأسد لم يقيض له الانفراد بتوجيه الرأي العام الأميركي، فأطل اليمين الجمهوري بافتتاحية شرسة في صحيفة "وال ستريت جورنال" جاءت بعنوان "رجلنا في دمشق"، وجاء فيها ان "مصادر الإدارة صارت تسرب ان الرئيس (أوباما) يعتقد ان الأسد ونظامه العلوي هما جزء من الحل". وتابعت الصحيفة انه يصعب رؤية كيف يساعد بقاء الأسد مصالح أميركا على المدى الطويل، اذ جل ما يفعله هو "تقويض خطر تنظيم داعش الجهادي الراديكالي في مقابل تقوية (تنظيم جهادي) راديكالي آخر شيعي ومدعوم بقنبلة" إيران النووية.
ويبدو ان اللوبي الذي يعمل على إبقاء الأسد، داخل واشنطن وفي عواصم العالم الأخرى، رأى من الضروري حض الأسد على تقديم تنازلات وان في الاعلام فحسب، فقال الرئيس السوري انه تخلى عن مواقفه السابقة التي كانت تقضي بضرورة القاء السلاح قبل موافقته على هدنة إنسانية في بعض المناطق. وقال الأسد: "اخترنا سيناريوات مختلفة او مصالحات مختلفة... في بعض المناطق، سمحنا لهم ان يتركوا المناطق الآهلة للوقاية من وقوع ضحايا بين المدنيين، فتركوا هذه المناطق بأسلحتهم، وفي مناطق أخرى تخلوا عن أسلحتهم وذهبوا، وهذا يعتمد على العرض الذي يقدمونه وعلى العرض الذي نقدمه".
وسألت "فورين افيرز" الأسد ان كان متفائلا بلقاءات موسكو، فقال: "ما يحدث في موسكو ليست مفاوضات حول الحل، بل تحضيرات فقط للمؤتمر". وشن هجوما على فرنسا، وقال انها أعطت تعليماتها للمجموعات الموالية لها بإفشال مؤتمر موسكو، كما شن هجوما على رئيس تركيا رجب طيب اردوغان، معتبرا ان بلاده هي المشكلة الرئيسية في السماح بعبور المال والمقاتلين والسلاح الى داخل سورية. وعزا الأسد موقف اردوغان بدعم من اسماهم مقاتلي القاعدة في سورية الى كون الرئيس التركي ينتمي الى تنظيم "الاخوان المسلمين".
واعتبر الأسد انه منفتح على تصريحات أميركا المؤيدة لمؤتمر موسكو، لكنه وصف حديث أوباما عن "المعارضة المعتدلة" ضربا من ضروب "الخيال"، وقال ان الثوار في سورية هم اما مع القاعدة، مثل تنظيمي داعش و"جبهة النصرة" و"مجموعات صغيرة" أخرى، وان الباقين من المعارضة المعتدلة "ليسوا معارضة بل ثوار"، وهم اما انضموا الى القاعدة، او عادوا الى الجيش السوري الحكومي.
عن دور إيران و"حزب الله" اللبناني في سورية، غمز الأسد من قناة "تخويف" الاميركيين ان ضعفه يؤدي الى ازدياد نفوذ الإيرانيين داخل بلاده. وقال الأسد: "عندما يكون هناك صراع وفوضى، يكون لدول أخرى نفوذ أكبر داخل دولتك، وعندما لا تكون مستعدا ان تحمي السيادة، سيكون هناك هذا النفوذ (الخارجي)".

واعتبر الأسد انه ليس لدى إيران "مطامع" داخل سورية، وان ما يحصل من تدخل عسكري إيراني في سورية يتم بالتنسيق مع حكومته. وتابع الأسد ان الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي، الذي سقط بغارة إسرائيلية في منطقة القنيطرة السورية الأسبوع الماضي، كان يلعب دورا، ولكن دوره ليس جزءا من "الهيمنة" الإيرانية داخل سورية، بل جزء من "التعاون" بين دمشق وطهران.

الخميس، 22 يناير 2015

المؤرخة ليلى فواز تروي "حرب الحفاة".. العالمية

حسين عبدالحسين

قبل أن يكون في لبنان 8 و14 آذار، كان فيه 6 أيار و2 أيلول. أنصار 6 أيار كانوا يطالبون بإقامة "عيد الشهداء" في ذلك اليوم، للدلالة على إعدام جمال باشا للبنانيين وعرب في "ساحة الشهداء"، حيث اختلطت دماء اللبنانيين والعرب. اما جماعة استقلال لبنان عن العرب والعروبة، فكانوا يحتفلون بذكرى الشهداء في 2 أيلول، أي اليوم التالي لذكرى إعلان الجنرال غورو الفرنسي قيام "دولة لبنان الكبير".

واستمر الانقسام اللبناني المذكور حتى نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، عندما تنازلت جماعة "2 أيلول" لمنافسيها في "6 أيار"، الذين تراجعوا بدورهم عن أحلام الوحدة العربية واكتفوا بلبنان "ذي وجه عربي". وأذنت نهاية الانقسام - ربما برعاية خفية للجنرال البريطاني سبيرز - بقرب الاستقلال اللبناني، الذي تحقق العام 1943 وأفضى الى قيام "الصيغة اللبنانية"، التي ما فتئ اللبنانيون يعدلون فيها حتى وصلوا الى "اتفاق الطائف" وفراغ الرئاسة وهامشية الحكومة.

قصة انقسام اللبنانيين الى معسكري أيار وأيلول تنقلها المؤرخة اللبنانية – الأميركية والبروفسورة في جامعة "تافتس" المرموقة، ليلى فواز، في كتابها الصادر مؤخراً بالإنكليزية بعنوان "أرض القلوب الموجوعة: الشرق الأوسط في الحرب الكبرى". وفواز هي صاحبة الكتاب الذي تحول مرجعاً لحرب اللبنانيين الأهلية العام 1860، والذي أصدرته العام 1995 بعنوان "مناسبة للحرب: الصراع الأهلي في لبنان ودمشق في 1860".

في سبعة فصول شيقة، تستعيد فواز أحداث الحرب العالمية الأولى بعد قرن على اندلاعها. تبتعد عن الرواية التاريخية الاكاديمية. فعنوان الكتاب شاعري، أقرب الى الرواية، وكذلك الفصول وترتيبها. فهي لا تتبع الترتيب الزمني، ولا تجعل من الأحداث السياسية او العسكرية مفاصل تسلسل الاحداث، بل تنتهج ترتيباً مختلفاً. تحدد فواز الثورة الصناعية الأوروبية نقطة انطلاق، وتعتبر أن هذه الثورة انتجت امبراطوريات صناعية ومركنتيلية متنافسة في أوروبا أدت الى قيام تكتلين أوروبيين، واحد بقيادة بريطانيا وفيه فرنسا وروسيا، وآخر بقيادة ألمانيا وفيه الإمبراطورية النمساوية – المجرية. وبسبب التنافس على الأسواق العالمية، وخصوصاً على طرق التجارة حول الكوكب، وصلت تأثيرات الثورة الصناعية الى الإمبراطورية العثمانية، وراحت القوى الأوروبية المتنافسة تنهش أراضي السلطنة وتحولها الى محميات لها.

لكن فواز – على عكس مؤرخين كبار سبق أن تناولوا الموضوع – لا تعير التنافس على طرق التجارة، وخصوصاً بين خطي قناة السويس وخط قطار برلين – بغداد، الكثير من الأهمية، بل تنتقل لتتناول تأثير السباق التجاري بين الامبراطوريات الأوروبية على الحصول على امتيازات في السلطنة لانشاء وإدارة مشاريع بنية تحتية ومواصلات ومرافئ. هذه الفورة في المشاريع درّت أموالاً طائلة، ليس على المستثمرين الأوروبيين وحدهم، بل على شركائهم المحليين والمدن التي استضافتهم. هكذا، تحولت المدن الساحلية، مثل الإسكندرية وبيروت وإزمير، الى مدن حديثة وصاعدة، وساهمت في تكريس الانقسام داخل السلطنة، ومصر، بين علية القوم وأثريائهم من ناحية، وبين العامة الريفية بغالبية 80 في المئة من إجمالي السكان من ناحية أخرى.

بعد وصفها رياح التغيير، توجز فواز الحديث عن اختيار تركيا، المعسكر الألماني، وتعتبر أن ضباط "الاتحاد والترقي" كانوا يصبون إلى تحالف مع بريطانيا، لكن الأخيرة لم تُبدِ اهتماماً، فوجدوا ضالتهم ونهاية عزلتهم السياسية ومتاعبهم المالية في تحالف مع الألمان. ثم تنتقل فواز الى أهم المعارك العسكرية، التي تصورها ببراعة عالية وبلغة مكثفة ونص مختصر، فتتحدث عن معركة شبه جزيرة غاليبولي، التي أطلقت شهرة الضابط المغمور مصطفى كمال اتاتورك، وتكشف عن الصدف التي منعت سقوط إسطنبول، بعدما قامت الحكومة التركية بنقل الوثائق الحكومية الى داخل الاناضول خوفاً من سقوط العاصمة. كما تسهب فواز في الحديث عن معارك تركيا وروسيا في القوقاز وأذربيجان وإيران، وتتطرق الى اقتسام بريطانيا وروسيا مناطق النفوذ في بلاد فارس، وعن مجهود "لورنس الألماني" في تأليب القبائل الإيرانية لإنشاء مقاومة شعبية ضد الحلفاء، على غرار تحريض الإنكليز للعرب والشريف حسين لإعلان الثورة العربية في العام 1916 ضد الترك. ولا تنسى فواز حملة البريطانيين، المتعثرة أحياناً، في "بلاد ما بين النهرين"، وخطط جمال باشا، قائد الجيش الرابع، لغزو قناة السويس، ثم حملات الإنكليز لغزو غزة، ومن بعدها فلسطين وسائر المشرق.

وبعد المعارك، تنتقل فواز الى معاناة البشر، وتبني على ثروة من الكتابات لكبار راحلين من أمثال السوسيولوجي العراقي علي الوردي، والمؤرخ الفلسطيني نقولا زيادة، وكتاب سوريين، وارشيف صحيفتي "المقطم" و"الأهرام" المصريتين، وروايات متنوعة مثل "الرغيف"، للبناني الراحل توفيق يوسف عواد، ومذكرات عنبرة سلام. وتصف فواز المجاعة التي ضربت لبنان وسوريا وفلسطين، وتلفت بشكل خاص الى التجار الذي أغنوا من الاحتكار، ولا تنسى الإشارة الى الحفلات الباذخة التي أقامها أهل المال، كعائلة سرسق، لأهل السلطة، مثل جمال باشا. وتتحدث بإيجاز عن سياسيي ذاك الزمن، وصعودهم، وتلفت الى ان خصوم السياسي السنّي الشهير سليم سلام، جد رئيس حكومة لبنان الحالي تمام سلام، كتبوا للقسطنطينية يشتكون ان سلام كان يوزع السكر الحكومي على أزلامه ومحاسيبه لضمان ولائهم.

وتعرج المؤرخة على أوضاع الجيش التركي، وتقول انه على الرغم من ان حكومة السلطنة كانت تصادر جزءاً كبيراً من المحاصيل للمجهود العسكري، الا أن الضباط كانوا غالباً يبيعونها في السوق السوداء لإثراء أنفسهم، حتى ان وزير الدفاع أنفر باشا سخّر أربعة آلاف عسكري للعمل في مزرعته في حين كان الجيش التركي يعاني من نسبة الفرار في صفوفه، والتي فاقت نصف مليون رجل.

وتقول فواز إن رعايا السلطنة أطلقوا على الحرب اسم "حرب الحفاة" لأن العسكر ذهبوا الى الجبهات من دون احذية أو معاطف أو تموين غذائي، فمات كثيرون من البرد والجوع، وراح الجيش التركي يغزو بلدات السلطنة الجائعة أصلاً، ويسطو على خيراتها. وكان التجار، إن رأوا العسكر يقترب، يقفلون مخازنهم ويلوذون بالفرار مع بضائعهم. كذلك، كان العسكر التركي يأمر أسرى التحالف بنزع ثيابهم واحذيتهم ليلبسوها بدلاً منهم، وكانوا يبحثون بين جثث جيوش الحلفاء عن حصص تموينية يقتاتون منها.

"المستقبل الموعود يبدو بعيداً جداً"، تكتب فواز. وتختم: "ان استخدام الماضي للمساعدة في الإضاءة على الحاضر والمستقبل، عملية ستستمر، لكن على المؤرخين ان يتنبهوا الى إسماع الأصوات الخافتة، وان يتأكدوا أن هذه الأصوات لا تسكتها طبول الحرب". 

الأربعاء، 21 يناير 2015

أوباما يريد سياسة داخلية تخلّد ذكراه وخارجية «بالتي هي أحسن»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

رغم أن «خطاب حال الاتحاد»، الذي يدلي به الرئيس الأميركي امام الكونغرس مطلع كل عام، يخصص في الغالب لشؤون الولايات المتحدة الداخلية، الا ان الظروف الدولية تفرض نفسها بين الحين والآخر، وهي سبق ان انتجت خطابات أدت الى تغيير مجرى العلاقات الدولية، من قبيل خطاب الرئيس السابق جورج بوش في العام 2002 والذي تلفظ فيه بعبارته الشهير عن «محور الشر»، الذي كان يتألف من «إيران وحلفائها الإرهابيين».

أمس، ورغم احداث «شارلي ايبدو» في باريس، ورغم اطلالة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) مع رهينتين يابانيتين في بزة برتقالية تنذر باقتراب اعدامهما، ورغم التقارير التي تشير الى فشل أميركا وحلفائها حتى الآن في تعطيل «داعش» او وقف تمدده، لم يبال الرئيس باراك أوباما بكل هذه الاحداث على المسرح الدولي، فوقف امام الكونغرس ليكرر تبجحا صار يبدو زائفا حول الإنجازات الأميركية في مواجهة التحديات، وخصوصا التي تطرحها التنظيمات الإرهابية.

ولم يبال أوباما أيضا بالتناقض الذي شاب المقطع الذي خصصه للحرب ضد التطرف، فقال ان «في العراق وسورية، القيادة الأميركية بما في ذلك القوة العسكرية، توقف تقدم داعش»، مضيفا انه «بدلا من ان ننجر الى جولة جديدة من الحرب البرية في الشرق الأوسط، نحن نقود تحالفا واسعا، يتضمن دولا عربية». وكرر أوباما مقولته ان هدف الحرب الدولية هو «اضعاف، وتاليا تدمير، هذه المجموعة الإرهابية».

ثم تابع أوباما حديثه، فتطرق الى سورية، ولم يأبه الى التقارير التي تشير الى ان معسكرات تدريب القوات العراقية تفتقد الى الذخيرة، ولم يهتم للشكاوى حول بطئ عملية «تدريب وتجهيز» خمسة الاف مقاتل من «المعارضة السورية المعتدلة»، والتي وعد بها الصيف الماضي والتي لم تبدأ فعليا حتى اليوم، بل قال الرئيس الأميركي: «نحن ندعم المعارضة المعتدلة في سورية التي يمكنها ان تساعد في هذا المجهود (أي محاربة داعش فقط)، ونساعد الناس أينما كانوا ممن يقفون في وجه أيديولوجية العنف المتطرف المفلسة».

وتابع أوباما: «هذا المجهود سيتطلب وقتا، وسيحتاج الى تركيز، لكننا سننجح، والليلة انا أدعو الكونغرس ليظهر للعالم اننا متحدون في هذه المهمة بالمصادقة على قرار استخدام القوة ضد داعش».

ولم يكد الرئيس الأميركي ينهي خطابه حتى تعالت الانتقادات، وتساءل أعضاء في الكونغرس: «كيف يمكن للرئيس ان يقول اننا نستخدم القوة العسكرية، ثم يطلب منا تخويلا لاستخدام القوة؟» واعتبر الأعضاء المعارضون، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ان حديث أوباما حول السياسة الخارجية هو «تكرار لنقاط الكلام نفسها التي دأب وفريقه على تكرارها على مدى الأشهر الماضية، والنتيجة مازالت واحدة»، وهي تخبط أميركا وحلفائها، واستمرار تمدد المجموعات المتطرفة في سورية والعراق ودول أخرى في العالم.

عن إيران، كرر أوباما موقفه القائل انه «لأول مرة منذ عقد، نجحنا في وقف تقدم برنامجها النووي، وقلصنا مخزونها من المواد النووية». وتابع انه «بين الآن والربيع، لدينا فرصة في التوصل الى حل تفاوضي شامل يمنع (قيام) إيران مسلحة نووية، ويمنح الأمن لأميركا وحلفائها – بمن فيهم إسرائيل». وأضاف: «لا ضمانات ان المفاوضات ستنجح، وانا ابقي كل الخيارات على الطاولة لمنع (قيام) إيران نووية، لكن عقوبات جديدة يمررها الكونغرس في هذا الوقت، ستضمن فشل الديبلوماسية، وستعزل أميركا عن حلفائها، وستضمن عودة إيران الى برنامجها النووي».

وكما في العام الماضي، ورغم ان الغالبية أصبحت في يد الجمهوريين ما يزيد من فرص تجاوز الفيتو الرئاسي، هدد أوباما بممارسة حق النقض ضد أي قانون يصادق عليه الكونغرس لعقوبات جديدة على إيران.

مقاطع السياسة الخارجية في خطاب أوباما تكاد تكون متطابقة وخطاب العام الماضي، وهي جاءت مترافقة مع برودة رئاسية صارت علامة أوباما الفارقة بين الرؤساء الاميركيين.

ما سبب تساهل أوباما بالسياسة الخارجية، وبضرورات مكافحة التطرف الذي يبدو في وتيرة تصاعدية؟ ولماذا لا يبدو الرئيس الأميركي مكترثا، لا بالسياسة الخارجية ولا بالانتقادات الداخلية حول تقاعسه؟

الإجابة موجودة في الأجزاء الأخرى من «خطاب حال الاتحاد»، الذي أدلى به أوباما امام الكونغرس 144، والذي سيطرت على غرفتيه غالبية من الحزب الجمهوري للمرة الأولى منذ تسلم أوباما الرئاسة في العام 2009. فتحت قبة الكونغرس، لم يكترث أوباما لشؤون العالم لأنه وقف يتبجح بسجل إنجازاته في السياسة الداخلية، اذ تشير كل التقارير الى انه على مدى السنة الماضية، وحده الاقتصاد الأميركي الذي حقق نموا بين اقتصادات الدول المتقدمة.

وتشير التقارير الى ان النمو الأميركي في العام 2014 هو الذي دفع النمو العالمي، وترجح ان اميركا ستستمر في قيادة النمو العالمي العام الحالي. وفي وقت خفض «صندوق النقد الدولي» توقعاته لنمو العالم الى 3.4 في المئة لهذا العام، اشارت التقديرات الى ان أميركا قد تنعم بنمو يصل الى 3.6، أي أعلى من المعدل العالمي.

وبالنظر الى ان الصين حققت أدنى نمو لها منذ العام 1990 بلغ 7.3 في المئة العام الماضي، وهو نفس الرقم المتوقع العام المقبل، يبدو ان الفجوة في النمو بين أميركا والصين تقلصت الى قرابة 3 في المئة، وهي الأدنى منذ أكثر من عقدين. وفي نفس الوقت، تستمر بيانات الوظائف الأميركية في اظهار نمو اعلى من 200 ألف وظيفة شهريا، فيما يستمر نمو الوظائف بشكل عام منذ أكثر من 58 شهرا، وهي الفترة الأطول منذ منتصف التسعينات.

قوة الاقتصاد الأميركي، وتفاؤل الاميركيين بشكل عام، جعلت رئيسهم يتباهى بإنجازاته ويعتقد ان التاريخ سيصنفه في خانة رؤساء أميركا الكبار. هذا يعني، ان كل ما على أوباما فعله – في السنتين المتبقيتين من حكمه – هو «عدم القيام بشيء غبي»، على حد تعبير سابق له. والأشياء الغبية هذه، يعتقد أوباما، غالبا ما تحصل عسكريا على المسرح العالمي، كما حدث مع كلينتون في الصومال ومع بوش الابن في العراق وأفغانستان.

إذا، سياسة داخلية تخلد ذكراه بعد رحيله وسياسة خارجية «بالتي هي أحسن» هي الصورة التي يسعى أوباما جاهدا لرسمها، وهي بدت واضحة في خطابه السنوي امام الكونغرس أمس. اما السوريون والعراقيون، فلهم ان يستمعوا الى إنجازات أوباما المزعومة في الحرب على داعش وفي تدريب مقاتليهم وتسليحهم. اما ان يصدقوه ام لا، «فذلك شأنهم»، او هذا ما يردده غالبا رئيس أميركا الرابع والأربعين.

واشنطن تتوسّط بين إيران وإسرائيل لمنع تفاقم المواجهة بعد ضربة القنيطرة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

سرت انباء مفادها ان واشنطن تواصلت مع طهران عبر قنواتها المفتوحة، السرية والعلنية والمباشرة وغير المباشرة، للتأكيد للإيرانيين ان مقتل ستة من ضباطهم ومسؤولين في «حزب الله» في غارة شنتها إسرائيل ضد موكب سيارات في منطقة القنيطرة في الجولان السوري، قبل أيام، «لم تكن مقصودة»، وان إسرائيل اعتقدت ان الهدف المتحرك كان لمقاتلين من مرتبات وسطى او متدنية.

وجاءت هذه الأنباء، بعد تقارير أفادت ان إسرائيل سارعت، عبر قنوات سرية وعلنية، الى ابلاغ إدارة الرئيس باراك أوباما ان قيامها بتصفية ستة من مسؤولي «حزب الله» وإيران في الغارة المذكورة لم يكن عملا استخباراتيا مقصودا، بل جاء عن طريق المصادفة. وقالت المصادر الأميركية «ان الإسرائيليين كانوا يتعاملون مع الوضع بشكل روتيني، وانهم لم يكونوا على علم من في داخل السيارة».

وأضافت المصادر الأميركية ان إسرائيل لا تعتقد ان «جهاد عماد مغنية هو هدف ذو أهمية كما كان والده، فالابن كان ما زال حديث العهد، ولا يعرف عنه امتلاكه مهارات او خبرات عسكرية او استخباراتية معينة عدا كونه ابن القائد السابق» لحزب الله.

اما عن المسؤولين الآخرين، وخصوصا الجنرال في «الحرس الثوري الإيراني» محمد علي الله دادي، فينقل الاميركيون عن الإسرائيليين قولهم ان لا سبب معين لدى الإسرائيليين لاستهداف الضابط المذكور.

ومع ان الاميركيين ينقلون عن الإسرائيليين حرصهم على عدم اشعال مواجهة مع إيران، خصوصا بهدف عدم عرقلة مجهود المفاوضات بين مجموعة دول خمس زائد واحد وإيران حول ملف الأخيرة النووي، الا انهم يقولون أيضا ان «إسرائيل عبرت لواشنطن عن مخاوفها من النشاط المتزايد للإيرانيين على مقربة من حدود إسرائيل الشمالية».

وتقول المصادر الأميركية ان «الضحايا الستة لم يكونوا في نزهة»، وان «الإسرائيليين يعتقدون ان وجودهم في القنيطرة كان بهدف استطلاع الحدود مع إسرائيل او زرع شبكات مقاتلة او قواعد صاروخية، وكل هذه الاحتمالات تثير قلق تل ابيب من إمكانية نقل حزب الله نشاطه المعادي لإسرائيل من جنوب لبنان الى جنوب سورية».

وتابعت المصادر الأميركية ان «تل ابيب أبلغت واشنطن انها وضعت قواتها في حالة تأهب». واضافت ان واشنطن ردت على الإسرائيليين بالقول ان «الولايات المتحدة متمسكة بحق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وان اميركا مستعدة لتقديم الدعم اللازم في حال وجدت إسرائيل نفسها في وسط مواجهة عسكرية من أي نوع».

ويخشى بعض المراقبين الاميركيين من ان تجد إيران الفرصة سانحة لإشعال حرب مع الإسرائيليين تقدم مخرجا للإيرانيين من المفاوضات النووية، التي وصلت الى خاتمتها وتنظر فقط موافقة الإيرانيين عليها. ويقول المتابعون الاميركيون ان واشنطن رصدت قيام طهران اخيرا «بخطوات استفزازية»، مثل الإعلان عن نيتها بناء منشأتين نوويتين اضافيتين، في وقت يسعى العالم الى التوصل الى اتفاق حول المنشآت الحالية المثيرة للجدل أصلا.

ويختم المسؤولون الاميركيون ان «المسؤولين الإسرائيليين لم يخفوا غبطتهم بعد اكتشاف هوية الضحايا، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون ان يتطور الوضع الى مواجهة أوسع مع إيران او حزب الله»، وهي رسالة حملتها وساطات وقنوات دولية متعددة الى الإيرانيين على مدى الأيام الماضية.

الثلاثاء، 20 يناير 2015

مهزلة أميركية جديدة: برامج تدريب عسكرية من دون ذخيرة

حسين عبدالحسين

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" أن جنوداً عراقيين يتدربون على أيدي أميركيين يصرخون "بانغ بانغ"، للتظاهر وكأنهم يطلقون النار أثناء التدريبات، في ما يقوم أحد المدربين الأميركيين بقرع مطرقة على سطل من التنك لخلق جو مشابه للمعركة. وهذا النوع من التدريبات غالباً ما يتم بالرصاص الفارغ، لكن مخيمات التدريب الأميركية في العراق تفتقد الذخيرة، وهو ما يجبر المدربين على الطلب من المشاركين بالصراخ والتظاهر بإطلاق النار.

مسرحية مضحكة هي معسكرات التدريب التي أعدها الاميركيون لتدريب القوات العراقية، في وقت أشارت الأنباء إلى وصول 400 مدرب إلى كل من تركيا والسعودية والأردن للبدء بتدريب "خمسة آلاف مقاتل سوري من المعارضة المعتدلة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية فقط".

والحديث عن تدريب عراقيين وسوريين كان بدأ مع أولى الضربات الأميركية الجوية ضد داعش، الصيف الماضي، وكان من المقرر أن يؤدي الى إقامة "حرس وطني" مؤلف من مقاتلي عشائر غرب العراق السنية، يكون تحت امرة الإدارة محلية، فضلاً عن إنشاء قوة سورية مقاتلة تابعة لـ "هيئة الأركان العامة"، المنبثقة عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

لكن حكومة العراق الاتحادية برئاسة حيدر العبادي، رفضت – على الأرجح بتعليمات من طهران – قيام قوة سنية مستقلة، وأصرت على ربطها بوزارة الدفاع، ما جعل استقطاب العشائر السنية العراقية أمراً معقداً.

وفي سوريا، وجّهت طهران تحذيراً مباشراً لواشنطن مفاده أنها تعتبر إشرافها على تدريب وتسليح الثوار عملاً عدائياً يؤثر على مجرى المفاوضات النووية ويعرقل الحل السياسي السلمي في سوريا، ما دفع إدارة الرئيس باراك أوباما الى التراجع وتقليص الميزانية الاساسية من 500 مليون دولار للعام 2015 الى 225 مليوناً. كذلك، صارت واشنطن تصر على ربط رعايتها قيام القوة السورية بحصر نشاطها القتالي بمواجهة داعش و"جبهة النصرة" فقط، وهو ما يرضي طهران.

"نحن نعطي صفوفاً حول المشيئة للقتال"، يقول أحد المدربين الاميركيين الذين شاركوا في تدريب الجيش العراقي، بتكلفة بلغت أكثر من 25 مليار دولار، في العامين 2007 و2008. ومنذ ذلك الحين، تنفق وزارة دفاع العراق أكثر من سبعة مليارات سنوياً، وهي من أعلى موازنات الدفاع في العالم مقارنة بناتج النمو المحلي.

ولكن لماذا ينجح المدربون الأميركيون في العراق أو سوريا هذه المرة بعدما باءت جهودهم في التدريب، منذ حوالي العقد، بالفشل؟ ولماذا تنجح مسرحيات التدريب الصوتية حيث فشلت التدريبات الفعلية، التي أفضت إلى تزويد العراقيين بأرفع أنواع الأسلحة، والتي أدت إلى هروب العراقيين من مسرح القتال وتركهم العتاد والأسلحة لداعش على إثر "غزوة الموصل" في 8 حزيران-يونيو الماضي؟

واشنطن ربما تعرف الإجابة ولكنها تفضل السكوت، ورعايتها برامج تدريب صورية تهدف إلى تخفيف ضغط حلفائها العرب وتركيا، من دون إنشاء قوات عراقية أو سورية مقاتلة قادرة على طرد داعش وابقاء أي قوات غازية، غير داعش، خارج بلداتها وقراها.

طهران، بدورها، تعرف الإجابة، وغالباً ما يرددها مسؤولوها بالقول إن "لا مشيئة قتالية" لدى الجيوش الحكومية والنظامية، التي أثبت الاحداث المتعاقبة أنها غالباً ما تنهار وتلوذ بالفرار، في الغالب قبل السكان. لذلك، تعتقد إيران أنه لتحفيز "المشيئة القتالية"، التي يعتقد المدربون الأميركيون أنه يمكنهم تلقينها للمقاتلين في صفوف وكراسات، لا بد من إقامة وحدات مقاتلة عقائدية، أو مجموعات مسلحة مكونة من "الأهالي" الذين يمكنهم وحدهم أن يذودوا في الدفاع عن أرضهم، حتى أنه يمكن تطوير عقيدة الدفاع والاستشهاد هذه وتحويلها إلى حرب "دفاعية وقائية"، على غرار تلك التي يصور "حزب الله" اللبناني لمناصريه أنه يخوضها في سوريا.

وفي ما تسهر "الجمهورية الإسلامية" على إنشاء ورعاية مجموعة متنوعة من الميليشيات غير الحكومية العقائدية، على غرار "لواء أبو الفضل العباس"، و"جيش المهدي"، و"لواء بدر"، وغيرها، وتسعى لإقامة قيادة موحدة لها تحت اسم "ميليشيات الحشد الشعبي"، وتفرض على الحكومة العراقية رعايتها وتزويدها بأسلحة الجيش العراقي، الأميركية الصنع، تبدو واشنطن كسولة ومترددة وخائبة، فتستغرق المصادقة على برنامج "تدريب وتجهيز" ثوار سورية أكثر من ستة شهور، تليها أسابيع طوال لتوقيع اتفاقيات مع الحكومات المستضيفة مخيمات التدريب، وأسابيع أطول لوصول طلائع المدربين، وحتى عندما يصل المدربون الأميركيون، يصلون من دون ذخائر ولا أسلحة، بسبب تجربة الجيش العراقي في الموصل الذي أوصل فشله السلاح الأميركي الى أيدي داعش.

منذ العام 2003، لم تنجح الولايات المتحدة في إقامة أي قوة مسلحة – لا حكومية ولا غيرها – قادرة على القيام بأي دور يذكر؛ لذا، لا سبب يدعونا للاعتقاد أن تكرار التجربة نفسها سينجح هذه المرة، أو على قول المثل العامي الشائع "من جرب المجرب كان عقله مخرب".

"لقد مر عام على عدم قيام الولايات المتحدة بأي مجهود لإنهاء الحرب السورية، في وقت تستمر الإدارة في عدم تقديم أي استراتيجية لإنهاء اعتداءات النظام على القوات السورية المعتدلة التي تعتمد عليها أميركا لقتال الدولة الإسلامية"، تقول "واشنطن بوست" في افتتاحيتها. "لقد تجاهلت إدارة (أوباما) التقييمات التي تشير إلى أن برنامجها لتدريب القوات السورية هو برنامج صغير جداً، وبطيء جداً" تختم الصحيفة.

الاثنين، 19 يناير 2015

أميركا: تباين حول قوة الاقتصاد وتعافيه

واشنطن - حسين عبدالحسين

الأداء القوي للاقتصاد الأميركي، على رغم التباطؤ العالمي، يربك معظم الخبراء الأميركيين الذين انقسموا فئتين: واحدة تعتقد ان الماكينة الأميركية عادت الى سابق عهدها وأنها ستقود الاقتصاد العالمي وتنعشه، وأخرى تخشى ان يبلغ التباطؤ العالمي الشواطئ الأميركية.

يقول المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد بول كروغمان «فجأة يبدو اقتصاد الولايات المتحدة في شكل أفضل». ويضيف ان الأمور تتحسن منذ فترة ولكن هذه المرة «علامات التحسن لا يمكن ان تكون خاطئة، مثل زيادة عدد الوظائف، والتسارع في نمو الناتج المحلي، وارتفاع الثقة عموماً».

وكانت وزارة الاقتصاد أعادت النظر في نسبة النمو للفصل الثالث من العام الماضي، ورفعتها من 3.9 الى 5 في المئة، وهي النسبة الأعلى في 11 سنة. وكان النمو تقلص 2 في المئة في الفصل الأول من عام 2014، لينمو بواقع 4.6 في المئة في الفصل الثاني، وإذا صدقت التوقعات وبلغ النمو في الفصل الأخير نسبة 3 في المئة، يقفل عام 2014 على معدل نمو 2.7 في المئة، وهو مرتفع مقارنة بـ1.9 في المئة من 1999 الى 2013.

كذلك، تشير التقديرات الحكومية الى ان نمو الاقتصاد الأميركي سيتراوح بين 2.6 و3 في المئة هذا العام، وهو ان حصل، يشي بأن عودة الاقتصاد الى التعافي «حقيقية» هذه المرة، وغير مدفوعة بعوامل ظرفية مثل إنفاق حكومي دفاعي موقت، على غرار ما يعتقد بعضهم انه حصل في الفصل الثالث من العام الماضي.

كذلك أظهرت الأرقام ان الاقتصاد الأميركي أضاف 2.7 مليون وظيفة العام الماضي، وهي النسبة الأعلى منذ عام 1999، وفي وقت تستعد العاصمة الأميركية لبيانات الوظائف، التي تشير التوقعات الى انها ستتعدى الربع مليون للشهر الأخير من السنة الماضية، ما من شأنه ان يقلص نسبة البطالة الى 5.1 في المئة، وهي نسبة قريبة جداً مما تعتبره الحكومة «سوق عمل طبيعية». بدوره، أظهر إحصاء قامت به وكالة «رويترز» وجامعة ميشيغان، ان الأميركيين يعتقدون بأن مداخيلهم سترتفع بمعدل 1.7 في المئة هذه السنة، وهو الارتفاع الأعلى منذ عام 2008. ويشير الاستطلاع الى ان من هم تحت 45 عاماً يعتقدون ان مداخيلهم سترتفع بمعدل 4.5 في المئة. وكان معدل مداخيل الأميركيين عام 2014 ارتفع فعلياً بنسبة 1.6 في المئة.

ووسط تدفق الأرقام الإيجابية هذه، أصدرت وكالة «فاني ماي» المتخصصة بقروض المنازل، تقريراً توقعت فيه ان ترتفع مبيعات المنازل بنسبة 5.4 في المئة فتصل الى 5,7 مليون، بعد ان انخفضت 2.7 في المئة العام الماضي. وستترافق هذه الزيادة مع ارتفاع قيمة القروض لشراء منازل، من 672 بليون دولار العام الماضي الى 714 بليوناً هذه السنة. ويعتبر نمو سوق المنازل المحرك الرئيس للاقتصاد الذي يعول عليه الخبراء الأميركيون، إذ إن المؤشرات الأخرى، مثل نمو الصادرات وقطاع الطاقة الأحفورية، قد تشهد اهتزازات مع تباطؤ أكبر اقتصادات العالم، خصوصاً في الصين والاتحاد الأوروبي.

وفي حين أظهرت بيانات نمو الناتج المحلي في الفصل الثالث ان الصادرات الأميركية لعبت دوراً في دفعه الى رقم 5 في المئة المرتفع، يتخوف بعض الخبراء من ان يؤدي الارتفاع في قيمة الدولار على مدى الأسابيع الماضية، الى لجم ازدهار الصادرات الأميركية وأضعاف القطاع السياحي. كما من شأن قوة الدولار ان ترفع الواردات، ما يؤدي الى مزيد من العجز التجاري الذي يؤثر بدوره سلباً على نمو الناتج المحلي الأميركي.

ومع ان انخفاض سعر النفط العالمي من شأنه ان ينسف عدداً كبيراً من الوظائف في قطاع الطاقة الأحفورية، الا ان من شأن الانخفاض أيضاً ان يقلص العجز التجاري، ويترك فائضاً من الأموال في أيدي المستهلكين الأميركيين الذين يمكنهم استخدامها لدفع الاقتصاد قدماً.

ربما يأمل الأميركيون في ان يتحرك المصرف الأوروبي لتنشيط اقتصاد الاتحاد، ما قد ينعكس إيجاباً على الصادرات الأميركية. ربما يأملون كذلك بأن تحاول الصين جدياً هذه المرة، التحول من اقتصاد يعتمد على الصادرات وحدها للنمو، الى آخر يعتمد على الاستهلاك، ما من شأنه ان ينعكس إيجاباً على الولايات المتحدة كذلك.

في هذه الاثناء، يأمل مجلس الاحتياط الفيديرالي أن تستمر التوقعات للعام الحالي على حالها، ما سيسمح للمصرف المركزي الأميركي بالتفكير في رفع طفيف للفائدة، ربما مع حلول الخريف المقبل، وهو ان حصل، يكون مؤشراً الى ان أعلى سلطة مالية في البلاد صارت ترى فعلاً ان الاقتصاد الأميركي يتعافى، وتتصرف على هذا الأساس.

الجمعة، 16 يناير 2015

هل يخرج الكندري من «غوانتانامو» قبل أن يوقف الجمهوريون اندفاعة أوباما؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

إدارة الرئيس باراك أوباما في سباق مع الزمن للافراج عن أكبر عدد ممكن من المعتقلين من سجن غوانتانامو العسكري في كوبا، اذ أفرجت أول من أمس عن خمسة معتقلين يمنيين، لينخفض اجمالي عدد السجناء الى 122، منهم كويتي واحد هو فايز الكندري.

ويعتقد المتابعون ان الرئيس الأميركي يسعى الى تقليص عدد المعتقلين الى نحو خمسين معتقلاً، فتصبح تكلفة ابقاء المعتقل مفتوحاً كبيرة جداً، ما يجبر الكونغرس على اقفاله. وكان عدد المعتقلين بلغ ذروته في العام 2003 عندما كان يؤوي 680 معتقلاً.

وتبلغ تكلفة كل معتقل حاليا 3.3 مليون دولار سنوياً، مقارنة بـ 78 الف دولار سنوياً للسجين الواحد في السجون ذات الأمن المشدد داخل الولايات المتحدة، ما دفع عددا من المشرعين الى الدعوة لاقفال المعتقل ونقل من تبقى من نزلائه الى سجون أميركية.

على ان مشكلة نقل المعتقلين الى الاراضي الأميركية تكمن في انها تمنح السجناء فوراً كل الحقوق التي يتمتع بها الاميركيون، خصوصاً حقوقياً، لناحية الزامية الافراج عنهم في مدة زمنية قصيرة في حال عدم توافر دليل مقبول ضدهم بالمعايير الأميركية.

اما غوانتانامو، فهي قاعدة عسكرية أميركية في كوبا، ما يعني ان القضاء المتوافر فيها هو قضاء عسكري، وما يحول المعتقلين الى «مقاتلين اعداء» ويعدل من اسس محاكمتهم. ولطالما لجأت السلطات الأميركية الى استبقاء معتقليها، مثل أبو أنس الليبي المتوفى حديثاً، على متن سفن حربية أميركية، حيث يمكن للمحققين الاميركيين استجوابهم في غياب محام، على عكس ما تفرض القوانين الأميركية.

وفي العام2014، نجحت الحكومة الأميركية في الافراج عن أكبر عدد من السجناء منذ تسلم أوباما الرئاسة في يناير 2009، فتقلص عدد نزلاء المعتقل من 242 الى 122. ومنذ مطلع يناير وحتى اليوم، أفرجت الادارة عما مجموعه 26 معتقلاً، كان بينهم الكويتي فوزي العودة.

لكن الخبراء يرون استحالة الافراج عن كل المعتقلين قبل خروج أوباما من البيت الابيض في يناير 2017 بسبب اشتداد معارضة الجمهوريين، الذين صاروا يسيطرون على الكونغرس بغرفتيه، والذين قام عدد من مشرعيهم بتقديم مشاريع قوانين تجبر الادارة على وقف عملية الترحيل.

«الراي» حاولت استطلاع رأي بعض الخبراء حول توقعاتهم في قضية الكندري (39 عاماً)، واذا كانت عملية الترحيل المستمرة ستشمل الكويتي المعتقل منذ العام 2002 في باغرام، افغانستان، حيث قام سكان محليون بتسليمه الى السلطات المحلية التي سلمته الى الاميركيين وتم نقله الى غوانتانامو.

المدعي العام العسكري كان وجه في 2008 تهمة ارتكاب «جرائم حرب» الى الكندري لدخوله في معسكر تدريب «خلدان»، لكن الادعاء لم يقدم أي وثائق تثبت تورطه، بل يبني الادعاء قضيته على أقوال شفهية، وهو أمر غير مقبول حسب القانون الاميركي ومعظم القوانين الدولية.

وفي اكتوبر 2008، عينت المحكمة باري وينغارد محامياً للدفاع عن الكندري. وحاولت «الراي» الاتصال بوينغارد، لكنه رفض التعليق، ربما بهدف الابقاء على حظوظ المعتقل الكويتي في الافراج عالية. وكان وينغارد قال، قبل سنوات، لصحيفة «بيتسبرغ بوست غازيت» ان الادعاء لم يقدم «أي دلائل ملموسة يمكننا دحضها... قالوا انه تم اعتقاله في الامارات، قلنا لهم زودونا ببيانات الاعتقال وتواريخه، ولم يفعلوا ذلك».

وكان الكندري قد قال ان بامكانه اثبات ان رحلته الى افغانستان كانت بهدف القيام باعمال خيرية وحفر آبار ارتوازية للسكان، وان بامكانه اثبات اقواله لو اعادت السلطات الأميركية له جواز سفره ووثائقه التي تمت مصادرتها.

وقال وينغارد: «لا يوجد دليل (ضد الكندري) سوى انه مسلم كان في افغانستان في الوقت الخطأ، وتم بناء القضية ضده على أقوال متواترة عبر شخصين او ثلاثة».

على ان المصادر الأميركية تقول لـ «الراي» ان الافراجات الجارية من معتقل غوانتانامو تحصل على اساس الاتفاقات التي تتوصل اليها الحكومة الأميركية مع حكومات العالم. وفي حالة اليمنيين الخمسة، تم التوصل الى اتفاق مع سلطنة عمان لترحيلهم. اما في حالة معتقلي غوانتانامو السابقين من الكويتيين، فتم ترحيلهم بناء على اتفاق مع الحكومة الكويتية.

وتقول المصادرالاميركية ان الحكومة الكويتية قد تكون «الاكثر نشاطاً» بين حكومات العالم في محاولتها الافراج عن معتقليها في غوانتانامو على مدى العقد الماضي، وان الحكومة الكويتية «استندت الى علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة للعمل على الافراج عن هؤلاء».

وتضيف المصادر انه «لم يحدث ان انعقد لقاء بين مسؤولي أميركا والكويت، على أي مستوى، من دون أن يثير الكويتيون مسألة معتقليهم في غوانتانامو».

هل يعني ذلك قرب الافراج عن الكندري؟ التكهنات صعبة، ورغم ان الحكومة الكويتية قدمت الضمانات المطلوبة للادارة الأميركية لاسترداده، الا ان بعض القوانين تقيّد حرية الحكومة الأميركية نفسها في عملية الافراج.

المصادر الأميركية تختم ان واشنطن تسعى الى الافراج عن جميع المعتقلين في اسرع وقت ممكن، على أمل الا ينجح الكونغرس في تعطيل هذا المسعى قبل وصوله الى خاتمته.

مشرّعون أميركيون يسعون إلى إقرار «رزمة» عقوبات جديدة على طهران

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

كما كان متوقعاً، وفي أقل من أسبوعين منذ سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس الاميركي بغرفتيه، بدأ مشرعون تقديم قوانين تهدف لإقرار «رزمة» عقوبات أميركية جديدة على إيران.

وقام العضو الديموقراطي اليوت انغل في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، بصياغة نص بالتشاور مع رئيس اللجنة الجمهوري اد رويس. والقوانين التي يبادر الى تقديمها الحزبان، غالبا ما تحوز اجماعا وتحصد أصواتا كثيرة للمصادقة. ومع ان النص الاولي لم يتم تقديمه الى قلم المجلس، الا ان مصادر انغل قالت لـ «الراي» ان «القانون الجديد سيأتي على شكل القانون الذي أقره مجلس النواب في يوليو الماضي بغالبية ساحقة بلغت 400 من أصل 438 عضوا».

وكان قانون 2014 نص على ربط رزمة العقوبات الجديدة على إيران «بفشل المفاوضين في التوصل لاتفاق مع تاريخ نهاية اتفاقية جنيف الموقتة في 23 نوفمبر». وبعد مصادقة مجلس النواب، انتقل القانون الى مجلس الشيوخ، الذي كانت تسيطر عليه غالبية ديموقراطية، فرماه زعيمه هاري ريد في الادراج بطلب من الرئيس باراك أوباما.

هذه المرة، يأمل انغل ان التغيير في الشيوخ سيعني حتمية مصادقة الكونغرس بغرفتيه على القانون.

وأنغل هو أحد متابعي شؤون الشرق الأوسط منذ زمن بعيد، وهو مؤلف قانون «محاسبة سورية وسيادة لبنان للعام 2002». وفي اثناء رحلة أوباما لزيارة إسرائيل في مارس 2013، دعا الرئيس الأميركي انغل ليرافقه في الطائرة الرئاسية. وتقول الأوساط الأميركية ان انغل، وهو من أبرز الداعمين للثورة السورية ضد الرئيس بشار الأسد، قدم مطالعة مطولة لأوباما وحاول اقناعه بضرورة تدخل واشنطن لإخراج الأسد من الحكم.

على ان السرعة في المصادقة على قانون عقوبات جديد على إيران لم تكن في مجلس النواب وحده، اذ سارع مجلس الشيوخ بدوره لتقديم نصه، وسعت في هذا السياق لجنتان هما الشؤون الخارجية والمصارف الى العمل على ابرام نص يتم تقديمه للهيئة العامة.

لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ انتقلت رئاستها من الديموقراطي بوب مينينديز الى الجمهوري بوب كوركر. ومينينديز كان من أكثر المتحمسين لإقرار قانون عقوبات على إيران الصيف الماضي، ونجح في تمريره في لجنته، ليصطدم بعقبة هاري ريد، الذي أبقى القانون خارج جدول اعمال الهيئة العامة. الآن، يعود مينينديز وقانونه، هذه المرة بدعم زميله ورئيس اللجنة كوركر، وهو من المشرعين الجمهوريين من أصحاب الوزن السياسي الثقيل في العاصمة الأميركية، لتقديم نسخة جديدة لهذا القانون.

هذه المرة، لن يخشى ثنائي مينيندير – كوركر الرئاسة، التي أصبحت في عهدة الجمهوري ميتش ماكونيل.

بدورها، سارعت لجنة المصارف كذلك لتقديم نسختها من قانون للعقوبات على إيران. وفي خضم السباق، أعلنت لجنة المصارف عقد جلسة استماع في العشرين من الجاري بعنوان «الضرورة الاستراتيجية لعقوبات على إيران». ومن المتوقع ان تصادق هذه اللجنة بسرعة على نسختها من القانون.

على انه رغم حتمية إقرار مجلس الشيوخ لقانون العقوبات الجديد، الا ان القانون سيحتاج الى غالبية الثلثين، أي 60 عضوا، حتى يتجاوز عقبة الفيتو الرئاسي. ومع ان البيت الأبيض بدأ جولات «لي الاذرع» باتصاله بالشيوخ الديموقراطيين وحضهم على التصويت ضد القرار حتى لا يصل الى غالبية الستين، اذ يملك الحزب الجمهوري غالبية 54 فقط، الا ان مهمة إدارة أوباما صعبة، ويفترض ان ينجح الشيوخ في إقرار القانون بغالبية عظمى، وهو ما يحرم أوباما من حق النقض «الفيتو».

ورغم إمكانية ابرام قانون جديد يفرض المزيد من العقوبات على إيران، الا ان تطبيق القانون يبقى رهن إرادة أوباما، الذي يمكنه تجاهل القانون تماما وعدم تطبيق أي من بنوده، بل أنه يمكن للرئيس الأميركي، في حال التوصل لاتفاقية نووية مع إيران، ان يرفع كل العقوبات الماضية، حتى وسط معارضة الكونغرس ومصادقته على قوانين عكس ذلك.

ربما يفطن الإيرانيون انه طالما ان أوباما موجود في البيت الأبيض حتى يناير العام 2017، لا خوف من عقوبات أميركية جديدة عليهم. لكن في الوقت نفسه، يكرر المسؤولون الإيرانيون ان أي عقوبات يقرها الكونغرس من شأنها ان تنهي المفاوضات تماما، وهي تصريحات جعلت البعض في إدارة أوباما يعتقدون ان «طهران تبحث عن سبب، حقيقي ام لا، حتى تخرج من المفاوضات من دون اتفاق، وفي الوقت نفسه توجه أصابع اللوم الى الكونغرس في خروجها».

وربما هذا السبب نفسه الذي يدفع الكونغرس الى تحريك عقوبات ضد إيران، فاذا ما خرجت إيران من المفاوضات، تنعدم مبررات أوباما لعدم تطبيق العقوبات الجديدة، فيجد الرئيس الأميركي نفسه في وسط قوتين، الكونغرس وإيران، تفضل كل منها البقاء في حال عداء من إعادة العلاقات الى ما كانت عليه قبل عقود.

الأربعاء، 14 يناير 2015

واشنطن تؤيد «أي شيء» للوصول إلى حل في سورية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم تعد واشنطن تشعر بالحياء عند اثارة موضوع إمكانية بقاء بشار الأسد رئيسا لسورية، بل صار مسؤولو إدارة الرئيس باراك أوباما يتحدثون عن أهمية التوصل الى حل سلمي، بغض النظر عن الترتيبات المرافقة له.

هكذا، أوكلت الولايات المتحدة الشأن السوري الى روسيا، التي وعدت المعارضة السورية بإقامة مؤتمر نهاية هذا الشهر يضمن حقوق جميع الأطراف السورية. لكن المؤتمر المزمع عقده يجمع تناقضات كثيرة، أولها ان روسيا تعقده تحت شعار «ابعاد التدخلات الخارجية» عن سورية، وكأن موسكو طرفا داخليا في الأزمة المندلعة منذ أربع سنوات بين الأسد ومعارضيه.

ثم أن موسكو وعدت المعارضين السوريين بالاعتراف بتنظيماتهم، ليتبين لاحقا ان في الأمر التفافا، اذ وجهت الدعوات للمؤتمر «بشكل فردي» ومن دون ذكر الأحزاب والتيارات التي يمثلها هؤلاء، وهو ما يعتبر رفضا للاعتراف بشرعية هذه الهيئات، ويمنحها القدرة على تقليص وزن الشخصيات التي ترأس أحزابا ذات نفوذ خارج وداخل سورية، ومساواتها مع الشخصيات التي لا تتمتع بتمثيل شعبي يذكر.

عن مؤتمر موسكو، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية ماري هارف انه «مبادرة روسية تسلط الضوء على المفاوضات بين السوريين، ومن الواضح اننا غير مشاركين في التخطيط».

وفي تصريح بدا أقرب الى الشعر منه الى الواقع، قالت هارف: «نحن نعتقد ان أي نوع جهود يمكنها ان تقربنا من حل سياسي حقيقي يؤدي الى تقدم حيوي في التعامل مع لب المظالم ويقدم حلا مستداما يكون امرا مساعدا».

هنا، سأل أحد الصحافيين المسؤولة الأميركية ان كانت حكومتها تحض المعارضة السورية على حضور المؤتمر. وعلى عكس المرة التي ثارت فيها ثائرة وزارة الخارجية حول تقارير اشارت الى ان مسؤول الملف السوري دانيال روبنستين التقى معارضين سوريين في أوروبا الشهر الماضي لحثهم على الذهاب الى موسكو، لم تنف هارف هذه المرة الدور الأميركي في الضغط على المعارضة السورية للمشاركة، واكتفت بالقول: «يمكنني ان اسأل وأرى، وكما قلت، نحن نعتقد ان أي شيء يجعلنا أقرب الى التقدم الحقيقي هو أمر جيد».

إذا، ولت أيام «بقاء النظام» مع «رحيل الأسد»، وولت أيام السعي لانشاء سلطة سورية موقتة بين المعارضين والنظام، من دون الأسد، للإشراف على الحل النهائي ومكافحة الإرهاب. اليوم، صارت واشنطن، مثل مبعوث الأمم المتحدة الى سورية ستيفان دي ميستورا، تبحث عن «أي شيء» للتوصل الى حل، مع ما يحمل هذا الحل من إمكانية بقاء الأسد.

ويرى تايلر تومسون ان موقف الولايات المتحدة الحالي بدأ يظهر بوضوح منذ الحملة الجوية التي شنتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الصيف الماضي. وتومسون هو عضو في «سورية حرة موحدة»، وهي منظمة غير حكومية تتألف من اميركيين وسوريين وتدعم الثورة السورية. ويقول تومسون في مقابلة مع «الراي» ان «الإدارة تتصرف وكأن نظام الأسد لا يقوم»بقصف متواصل وتعذيب للمدنيين. ويتابع تومسون:«لدينا خيبة أمل من تقليص الولايات المتحدة لدعمها السياسي للمعارضة السورية ومن ادعائها بعدم الالمام بتفاصيل مبادرة موسكو».

ويقول تومسون، بمرارة، ان«هذه الإدارة تبدو مستعدة جدا لتسليم المشكلة السورية لروسيا وإيران، بغض النظر عن العواقب الإنسانية والجيوسياسية».

«الراي»سألت تومسون حول البرنامج الأميركي لتسليح وتدريب المعارضة المسلحة، خصوصا بعدما تبين ان الإدارة، على عكس ما تكرر من انها طلبت 500 مليون دولار من الكونغرس لهذا الغرض، طلبت فعليا 225 مليونا فقط، فأجاب انه يبدو«ان البرنامج لا يمضي قدما، ونحن نأسف ان الكثير من الموارد الإنسانية يتم الاستهتار بها، خصوصا في الجبهة الجنوبية، حيث تحتاج المجموعات المقاتلة الى دعم». وختم الناشط الأميركي بالتعليق على دور السناتور جون ماكين، خصوصا بعد تسلمه رئاسة لجنة الشؤون المسلحة في مجلس الشيوخ، فيقول:«نحن نتوقع ان يبقى السناتور ماكين صوتا لا مواربا في دعمه للمعارضة السورية في مهمتها ضد الأسد والمتطرفين، وسيلعب السناتور دورا رئيسيا في تأكيد ان الإدارة لن تتجاهل مخاوف الشعب السوري، وأنها لن تساهم في دفعهم باتجاه داعش».

الثلاثاء، 13 يناير 2015

ماذا يحصل في سوريا عندما تتفق أميركا وإيران؟

حسين عبدالحسين
المدن

الاتفاقية النووية بين إيران ومجموعة دول خمسة زائد واحد على وشك الإبرام لكنها تنتظر موافقة الولايات المتحدة على رفع سريع للعقوبات الدولية المفروضة على طهران، وهو ما ألمح اليه مرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، في تصريح قبل أيام كشرط بناء ثقة بين البلدين، وهو ما يتوقع المسؤولون الاميركيون سماعه اثناء لقاء وزيري خارجية البلدين الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف في جنيف الأربعاء.

وتقول الأوساط الأميركية ان كل الأطراف المعنية أفرغت ما في جعبتها وقالت ما لديها، وأن الاتفاقية القاضية بتحويل برنامج إيران النووي الى برنامج بحثي بحت، في مقابل رفع العقوبات عنها، صارت جاهزة، وهي اتفاقية تعارضها غالبية المحافظين في إيران، ويؤيدها فريق الرئيس حسن روحاني وظريف، الذي حقق نصراً سياسياً معنوياً، قبل أيام، بفوزه بتصويت تجديد الثقة في البرلمان الإيراني بعد اطلاع ظريف المشرعين على مجرى المفاوضات النووية.

أما صاحب الكلمة الفصل في قبول الاتفاقية فيبقى خامنئي وحده، الذي تعتقد الأوساط الأميركية أنه يحاول انتزاع أكبر كمية من التنازلات الأميركية، في ربع الساعة الأخير، مع بدء العد العكسي لنهاية ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية وخروجه من الحكم مطلع العام 2017.

وعلى الرغم من خسارة حزب أوباما الديموقراطي للغالبية في مجلس الشيوخ، وتالياً انقلاب الكونغرس بغرفتيه الى غالبية جمهورية يمكنها أن تمارس ضغطاً سياسياً هائلاً ضد أي اتفاقية أميركية مع إيران، يجيز الدستور لأوباما أن يرفع بمفرده كل أنواع العقوبات الأميركية المفروضة حالياً على إيران بمرسوم اشتراعي، حتى من دون موافقة الكونغرس.

لكن سريان المرسوم الاشتراعي بعد خروج أوباما من الحكم يرتبط بهوية الرئيس المقبل، الذي قد يجد صعوبة في فرض العقوبات مجدداً على إيران، ما من شأنه ان يؤدي الى إعادة خلق أزمة بين البلدين، وهذه خطوة سياسية لا يمكن لرئيس القيام بها بسهولة، وأوباما يعرف ذلك، لذا فهو يعتقد أن المدة المتبقية لبقائه في الرئاسة كافية لرفع العقوبات وإعادة العلاقات بين البلدين. لكن ذلك يشترط، إلى جانب توقيع أوباما، توقيع خامنئي، وهذا إن حصل، يبرم اتفاقية تاريخية بين الطرفين.

كذلك، يعتقد فريق أوباما أن حتى رفعاً جزئياً أميركيا للعقوبات على إيران كفيل بضعضعة نظام العقوبات القائم حالياً، إذ من المتوقع ان تتسابق الشركات الأميركية والعالمية على السوق الإيرانية العذراء، وهو ما يجعل إمكانية إعادة العقوبات بعد خروج أوباما من الحكم أمراً أكثر صعوبة فعلياً منه نظرياً.

ماذا يحصل إذا ما توصلت واشنطن وطهران لاتفاق نووي يؤدي لتحسين العلاقات بين البلدين؟تعتقد غالبية المتابعين في واشنطن ان الأزمة السورية ستكون البند الأول على جدول اعمال البلدين. هذه المرة، لن تطلب أميركا من إيران، صديقتها الجديدة، الالتزام بشروط معينة – من قبيل ضرورة رحيل بشار الأسد عن الحكم – كشرط إقامة حكومة مؤقتة تشرف على العملية الانتقالية. واشنطن كانت أصلاً حاولت دعوة إيران الى مؤتمر "جنيف 2" لولا ردة فعل المعارضة السورية ضد الحضور. كذلك، كان مقرراً أن تحضر إيران "مؤتمر موسكو" المزمع عقده نهاية الشهر، والذي خسر مصداقيته بعد طعن المعارضة السورية فيه على الرغم من تأييد واشنطن له.

إذاً، لطالما وقفت واشنطن حتى الآن في صف إيران والأسد في الأزمة السورية، على الرغم من تأييدها اللفظي للثورة السورية ولرحيل الأسد عن الحكم. هذا الموقف الأميركي من شأنه أن يتحول، في حال التوصل الى اتفاق مع إيران يعيد العلاقات بين البلدين، الى موقف أميركي ديبلوماسي ضاغط على حلفاء أميركا العرب والمعارضة السورية لقبول السيناريو الإيراني للحل السلمي، الذي لا يفرض رحيل الأسد، أو بالأحرى يهديه الفوز في المواجهة المندلعة منذ أربعة أعوام.

ويقول أحد المتابعين الأميركيين أن العراق قد يكون النموذج الأفضل لفهم ما سيكون عليه التفاهم الأميركي – الإيراني في سوريا: أرجحية مطلقة لإيران ونفوذها ولسطوة حلفائها، مقابل تقهقر خصوم هؤلاء الذين سيجدون أنفسهم عرضة لحملة دولية دبلوماسية وسياسية وحتى أمنية عالمية ضدهم بتهم متعددة، منها مكافحة الإرهاب.

وضع العراق اليوم ليس بالشكل الذي تصوره مصممو الحرب الأميركية هناك، أي أركان الإدارة الجمهورية للرئيس السابق جورج بوش. والوضع في العراق اليوم ليس هو ما تطلعت اليه المؤسسة العسكرية الأميركية، التي أوكل بوش اليها مهمة تثبيت الوضع هناك في العام 2007، وهي نجحت في ذلك بمساعدة عشائر غرب وشمال غرب العراق.

وضع العراق اليوم هو من بنات أفكار أوباما وحده، الذي لطالما طالب بعراق "شبه مستقر" لا يكلف الاميركيين عناء السهر على استقراره، مع إمكانية التنسيق مع طرف واحد قوي – في هذه الحال إيران بعدما كان متوقعاً أن يلعب رئيس الحكومة السابق نوري المالكي هذا الدور – حول تثبيت الوضع فيه والقضاء على أي مجموعات مسلحة لا ترضى بالصيغة القائمة.

سيناريو العراق نفسه، يعتقد غالبية الخبراء الأميركيين، سيتكرر في سوريا في حال عادت العلاقات الأميركية الإيرانية الى سابق عهدها.

أما أكبر الخاسرين، حسب الخبراء أنفسهم، فسيكون حلفاء أميركا العرب. هؤلاء خسروا في الجولة الأولى عندما أهدت أميركا بوش، العراق لإيران، وهم عرضة اليوم لخسارة ثانية عندما تهدي أميركا أوباما سوريا لطهران كذلك.

السبت، 10 يناير 2015

سناتور أميركي: لماذا لا نرسل شيكاً بـ 1.2 مليار دولار إلى الحجي قاسم سليماني؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

مع انتقال الغالبية في الكونغرس الى ايدي الحزب الجمهوري، ومع تسلم أمثال السناتور جون ماكين زعامة لجنة مثل الشؤون المسلحة، انفجرت الأمور بين الجمهوريين والديموقراطيين حول قيام إدارة الرئيس باراك أوباما بتزويد بغداد بالسلاح، اذ يعتقدون ان الدعم الاميركي يصل الى ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية العراقية.

وكان الكونغرس قد أقر، في نوفمبر، تسليح الحكومة العراقية بمبلغ مليار و200 مليون دولار.

ويتهم الجمهوريون الميليشيات الشيعية، التي تعمل بإشراف قائد «فيلق القدس» التابع للـ «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني، بقتل عدد من الجنود الاميركيين اثناء الاحتلال الأميركي للعراق بين 2003 و2011.

وتقول التقارير في العاصمة الأميركية انه في احدى الجلسات المغلقة، برر المسؤولون في إدارة الرئيس أوباما وصول عتاد الى ايدي هذه الميليشيات بالقول ان لا سبيل لديهم لحصر السلاح الأميركي، وأن الحكومة العراقية وحدها يمكنها القيام بذلك، وانه على الرغم من ان رئيس الحكومة حيدر العبادي أكثر تعاوناً مع المطالب الأميركية من سلفه نوري المالكي، مازالت الحكومة العراقية غير قادرة على حصر واحصاء مخازنها للأسلحة.

وتابع المسؤولون الحكوميون، في الجلسة نفسها، انه «من دون مشاركة الميليشيات الشيعية في القتال في وجه تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) داعش، لكانت الأمور أسوأ بكثير ولكنا رأينا الإرهابيين يتمددون في مناطق أوسع ويرتكبون مجازر أفظع».

تصريحات المسؤولين الأميركيين أثارت حنق أحد المشرعين المشاركين في الجلسة، الذي قال ساخراً: «إذا كان الحال كذلك، لماذا لا نكتب شيكا بقيمة مليار و200 مليون دولار ونرسله مباشرة للحجي قاسم (سليماني)؟».

وكان ماكين عاد للتو من جولة شملت العراق وسورية، وتحدث اثرها عن الارتكابات الدموية التي تقوم بها، لا «داعش» فحسب، بل الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران. وقال ماكين في مقابلة مع «بلومبرغ فيوز» انه «من الواضح ان (الميليشيات الشيعية) تطرد السنة من بعض البلدات التي يعيشون فيها منذ الازل، وتقوم الميليشيات باستبدال السنة بشيعة، وهذا حتما تجاوز لحقوق الانسان». وتابع ماكين ان «أحد مفاتيح النجاح ضد داعش يكمن في المصالحة مع السنة، وإذا ما استمرت الميليشيات الشيعية في قتل السنة، فان المصالحة ستكون متعذرة، وكذلك مشاركة السنة في القتال ضد داعش».

ونقل ماكين عن مسؤولين في البلدين، أي العراق وسورية، قولهم ان الحكومة العراقية تعطي السلاح الأميركي لميليشيات شيعية مرتبطة بإيران. وقال ماكين: «الجيش العراقي مازال بعيداً عن إمكانية قيامه بأي عمل ذي تأثير، وفي هذه الاثناء تقوم الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران بملء الفراغ، وقيل لي ان بعض سلاح الميليشيات جاء من أميركا».

وتابع ماكين انه في غياب جيش عراقي قوي، إيران هي التي تقوم بمعظم القتال عبر الميليشيات المرتبطة بها، «وهذا لا يمكن ان يكون في مصلحة الولايات المتحدة».

الأربعاء، 7 يناير 2015

عضو سابق في الكونغرس يدعو إلى تطبيع العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بعد عودته من زيارة الى إيران التقى فيها وزير الخارجية جواد ظريف، ونائبه عضو الوفد النووي المفاوض مجيد رفنجي، ومدير مكتب الرئاسة الإيرانية محمد نهونديان، دعا عضو الكونغرس الأميركي السابق عن الحزب الديموقراطي جيم سلاتري إيران وإسرائيل «الى إقامة علاقات طبيعية تسمح بتعايش سلمي بينهما».

وقال سلاتري في مقابلة أجراها معه موقع «آل مونيتور»، الذي يموّله رجل الاعمال السوري - الأميركي جمال دانيال، ان «اتفاقية نووية بين المجتمع الدولي وطهران يمكنها ان تساعد في إعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، ما يفسح المجال للقيام بجهود لتقليص العداء بين إيران وإسرائيل».

وتابع: «اعتقد ان اذكياء إسرائيليين عليهم ان يدركوا ان العلاقة مع إيران مهمة في شكل حيوي للأمن الإسرائيلي، واعتقد ان الديبلوماسيين الاذكياء يمكنهم ان يصلوا الى نقطة يمكن خلالها إقامة علاقة بين إيران وإسرائيل من شأنها ان تسمح بتعايش سلمي بينهما».

وتوقع سلاتري، الذي يعمل منذ خروجه من الكونغرس منتصف التسعينات في شركة علاقات عامة «لوبي»، ان «ترتفع أصوات داخل الولايات المتحدة ممن لا تريد ان ترى اتفاقا مع إيران، واعتقد اننا بدأنا بالفعل نسمع تصريحات تريد ان تجعلنا نصدق ان (الرئيس باراك) أوباما يبيع إسرائيل، واعتقد ان هذا غير صحيح».

وتأتي تصريحات سلاتري حول الإفادة التي ستجنيها إسرائيل وأمنها من أي اتفاقية أميركية مع إيران في وقت افتتح الكونغرس رقم 114 جلسته الأولى بغالبية للحزب الجمهوري في غرفتيه، النواب والشيوخ.

ويتوقع المراقبون ان يباشر الكونغرس، خصوصا مجلس الشيوخ، في شن هجوم عنيف على إدارة أوباما والمفاوضات مع إيران، اذ يردد غالبية الأعضاء الجمهوريين ان طهران تستخدم المفاوضات لإضاعة الوقت فيما هي تسعى لاستكمال برنامجها النووي، وصناعة قنبلة نووية، وتحويل البرنامج الى أمر واقع يجبر أميركا والعالم على قبوله.

وتؤيد «اللجنة الأميركية - الإسرائيلية للعلاقات العامة» (ايباك)، او اللوبي الإسرائيلي، كل تحركات الكونغرس ضد أوباما ومفاوضاته، وهي دعت مرارا لتشديد العقوبات على الإيرانيين لإجبارهم على وقف برنامجهم النووي وتفكيكه، بالضبط كما ساهمت العقوبات الماضية - حسب رأيهم - في اجبار طهران على الحضور الى طاولة المفاوضات.

وفي الكونغرس الماضي، وعلى رغم نجاح «ايباك» في حمل مجلس النواب في الكونغرس على المصادقة على قانون يلحظ عقوبات جديدة على إيران في حال فشل المفاوضات معها، لم يقو هذا اللوبي المؤيد لإسرائيل على تجاوز عقبة الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، والتي عملت بإيعاز من الرئيس على تعطيل إتمام المصادقة على أي قانون ينص على عقوبات جديدة على إيران.

لكن مع سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، إثر انتخابات نوفمبر الماضي، صارت التوقعات تشير الى ان رئيس لجنة الشؤون الخارجية الجديد الجمهوري بوب كوركر، سيعمل مع سلفه الديموقراطي بوب مينينديز على إعادة طرح قانون لعقوبات جديدة على إيران. كذلك، سيسمح زعيم الغالبية الجمهورية ميتش ماكونيل في التصويت على هكذا قانون، على عكس سلفه الديموقراطي هاري ريد الذي عطل ذلك باستمرار.

وفي حال حاز القانون على غالبية 60 عضوا (يتمتع الجمهوريون بغالبية 54)، من شأن ذلك ان يعطل مقدرة الرئيس على ممارسة حق النقض (الفيتو) بحق القانون، ويتحول تلقائيا الى قانون نافذ، رغم ان لأوباما الكلمة الأخيرة في تطبيق او عدم تطبيق أي من العقوبات الجديدة المتوقعة. هكذا، ولأنه من المتوقع ان تعود «ايباك» الى تحريك عقوبات جديدة على إيران، يبدو ان البيت الأبيض - بالتنسيق مع اللوبي الموالي لإيران والمرتبط مباشرة بظريف اثناء عمله موفدا لبلاده لدى الأمم المتحدة في نيويورك - صار يعمل على استمالة أصدقاء إسرائيل والايحاء لهم بأن أي عودة للعلاقات الأميركية - الإيرانية سيعني حكما عودة العلاقات الإسرائيلية - الإيرانية، والتي لطالما كانت مميزة حتى العام 1979.

كذلك، يتماهى البيت الأبيض مع اللوبي الإيراني في واشنطن لناحية تكرار الاثنين مقولة ان إيران مستعدة لقبول الاتفاقية النووية المعروضة عليها حاليا، والتي تقضي بتحويل برنامجها الى برنامج «متواضع»، حسب تعبير أوباما، في مقابل تحول إيران الى قوة إقليمية.

وحدهم محافظو إيران يقفون حجر عثرة في وجه طهران وطموحاتها الإقليمية، وهو ما قاله أوباما، وهو ما يردده اللوبي الإيراني في واشنطن، وهو ما ألمح اليه الرئيس الإيراني حسن روحاني في تلويحه بإمكانية طرح الاتفاقية النووية امام استفتاء شعبي لتجاوزعرقلة المحافظين للاتفاق. فهل ينجح أوباما واللوبي الإيراني في واشنطن باستمالة نظيره الإسرائيلي واقناعه بالتريث؟ وهل ينجح اللوبي الإيراني بإقناع نظيره الإسرائيلي بأن أي اتفاقية نووية ستكون في مصلحة إسرائيل وأمنها لا العكس؟ وإذا كانت الاتفاقية النووية التي ستحول إيران الى قوة إقليمية هي في مصلحة إسرائيل، فعلى حساب من ستكون من دول الشرق الأوسط؟