الثلاثاء، 24 فبراير 2015

واشنطن ترى مؤشراً على «جدّية» طهران بمشاركة صالحي وشقيق روحاني في مفاوضات جنيف

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران صارت تبدو كالبازار. في اليوم الواحد جلسة مغلقة أو أكثر يعقدها المسؤولون الاميركيون للصحافيين في العاصمة الأميركية، وتتناقض المعلومات التي يقدمونها بين الجلسة والأخرى. كذلك يتغير بين الجلسات مزاج المسؤولين الذي يتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم.

حصيلة اليوم الطويل من المفاوضات التي انعقدت في جنيف، أول من أمس، تفاؤل أميركي بجدية طهران عززه مشاركة مدير «وكالة الطاقة النووية» الإيرانية ووزير الخارجية السابق علي أكبر صالحي. كذلك شارك في الوفد الإيراني، الذي ترأسه وزير الخارجية جواد ظريف، حسين فريدون، شقيق الرئيس الإيراني حسن روحاني. ونظرا للجدية الإيرانية الظاهرة، أرسل الاميركيون وزير الطاقة ارنست مونيز ليشارك في وفدهم، الذي ترأسه وزير الخارجية جون كيري.

وتربط صالحي ومونيز صداقة قديمة، اذ كان الوزير الأميركي رئيسا لقسم الفيزياء في جامعة «أم آي تي» المرموقة اثناء دراسة صالحي فيها وتخرجه منها بشهادة هندسة نووية في العام 1977. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان صالحي يتمتع بعلاقة مع مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، وان حضوره مؤشر على رغبة إيرانية في «انهاء الموضوع».

بدوره، يتمتع فريدون، الذي عاش في نيويورك لسنوات اثناء عمله في البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة، بمعرفة بكيفية عمل المؤسسات الدولية، وهو على دراية بشؤون الولايات المتحدة واعتباراتها وسياساتها.

هكذا، من حيث الشكل ومن حيث عضوية الوفدين الإيراني والأميركي، بدت المفاوضات النووية بين الطرفين وكأنها تسير في منحى إيجابي، وكأن توصلها الى اتفاقية قبل نهاية الشهر المقبل صار امرا محسوما. الا ان المسؤولين الاميركيين كرروا مرارا ان كل هذه الإيجابية لا تعني بالضرورة حتمية التوصل لاتفاقية حول ملف إيران النووي، وانه رغم تجاوز مسائل كثيرة عالقة، مازال العمل جاريا على تذليل العقبات الأخيرة.

ومما رشح اوليا مما دار في مفاوضات جنيف، التي تم رفعها وتقرر استئنافها الأسبوع المقبل، ان إيران وافقت على الإبقاء على تجميد تخصيب اليورانيوم الذي نصت عليه اتفاقية جنيف المؤقتة في 24 نوفمبر 2013، والذي يسمح لطهران تخصيب على مستوى محدود لأغراض بحثية على ان لا تتجاوز نسبة التخصيب 3,5 في المئة وان لا تتجاوز كمية اليورانيوم المخصب لدى الإيرانيين الخمسين كيلوغراما، مع موافقة طهران على شحن المخزون الفائض لديها الى موسكو لتخزينه هناك. ويحق لإيران تشغيل خمسة الاف او أكثر قليلا من الطرود المركزية من الجيل الأول.

تستمر مفاعيل هذه الاتفاقية 15 سنة، السنوات العشر الأولى منها تلتزم إيران إبقاء مستويات التخصيب والتخزين على شكلها الذي يتم الاتفاق عليه. بعد انقضاء السنوات العشر، يمكن لطهران زيادة مستويات التخصيب بمراحل لم يتم تحديدها لمدة خمس سنوات.

الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في المفاوضات، حسب المسؤولين الاميركيين، هو وضع برنامج «قوي» بإشراف «وكالة الطاقة الذرية الدولية» يضمن ان إيران تحتاج عاما على الأقل لتخصيب اليورانيوم الى مستويات يمكن استخدامها لصناعة سلاح نووي. اما هدف الإيرانيين فهو الرفع الفوري الكامل للعقوبات الدولية المفروضة على طهران.

الى أي مدى اقترب الوفدان من تحقيق اهدافيهما وتاليا توقيع الاتفاقية قبل نهاية الشهر المقبل؟ يرفض المسؤولون الاميركيون التكهن، لكن مصادر في الكونغرس قالت لـ «الراي» ان الإدارة طلبت من المشرعين إبقاء الاسبوع الممتد بين 2 و6 ابريل من دون ارتباطات رئيسية خارج العاصمة حتى يتسنى للإدارة اطلاعهم على أحدث تفاصيل المفاوضات في الطريق الى توقيع الاتفاقية النهائية في 30 يونيو، حسبما هو مقرر.

خطوة الإدارة هذه تشي بأن البيت الأبيض لا يعتقد انه سيكون هناك اعلان عن اتفاقية الإطار التي سبق ان تحدث عنها كيري، وان اتفاقية الإطار هذه ستكون اتفاقية سرية بعيدة عن الأنظار يحملها كل وفد الى عاصمته لنيل الموافقة عليها وتاليا إضافة كل التفاصيل التقنية المطلوبة قبل التوقيع النهائي والاعلان العام عنها في يونيو.

اما السؤال داخل واشنطن فيرتبط بمقدرة أوباما، سياسيا، على رفع كامل وفوري للعقوبات على إيران، نظرا لأن الرئيس الأميركي يتمتع بهذه الصلاحية دستوريا ومن دون العودة الى الكونغرس. سؤال أميركي آخر هو ان كانت الجلسات المغلقة، التي تنوي الإدارة عقدها في الأسبوع الأول من ابريل المقبل مع المشرعين، يمكنها امتصاص نقمة هؤلاء ضد الاتفاقية ومحاولتهم نسفها بإقرار مجموعة من القوانين تفرض عقوبات جديدة على إيران، وتحظر على الرئيس الأميركي رفع العقوبات من دون العودة الى الكونغرس.

ويسعى الكونغرس، الذي تسيطر على غرفتيه غالبية من الحزب الجمهوري المعارض، الى إقرار قوانين من هذا النوع بغالبية مطلقة تحرم أوباما من ممارسة حق النقض الفيتو بحقها، وهو ما يتطلب استمالة مشرعين ديموقراطيين، وهو ما يبدو ان اللوبي المؤيد لإسرائيل يعمل بكد لتحقيقه، وهو ما يجعل خطاب رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو امام الكونغرس بغرفتيه في 3 مارس يبدو جزءا من هذا المجهود الهادف لنسف مجهود أوباما للتوصل الى اتفاقية مع الإيرانيين تعتبرها إسرائيل واصدقاؤها في واشنطن بمثابة وثيقة هزيمة في مواجهة الإمبراطورية الإيرانية الصاعدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق