الاثنين، 6 أبريل 2015

أوباما: التهديد الأكبر لحلفائنا العرب داخلي... وليس إيرانياً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

رأى الرئيس باراك أوباما ان التهديد الأكبر «لحلفائنا السنة العرب يأتي من داخل دولهم أكثر مما يأتي من إيران»، مشيرا الى «السخط داخل بلادهم بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم».

وافتتح أوباما حملته لإقناع الاميركيين، والإيرانيين، بما سبق ان وصفه «التفاهم التاريخي» بين مجموعة دول خمس زائد واحد وإيران حول ملف الأخيرة النووي مستعيناً بأقرب الصحافيين اليه، الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، الذي دأب في الفترة الأخيرة على تسويق الاتفاقية مع طهران والقول إن مشكلة الدول العربية تأتي من داخلها، وان مصلحة الولايات المتحدة تقضي بالانفتاح والتعاون مع إيران، والابتعاد عن العرب.

ومع ان فريدمان يهودي أميركي، الا انه يبتعد عن أصدقاء إسرائيل منذ فترة طويلة، وهو شن على رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو هجمات متكررة، كانت أخراها اثناء زيارة المسؤول الإسرائيلي واشنطن الشهر الماضي وإلقائه كلمة امام الكونغرس الأميركي طالب فيها أوباما بتفادي توقيع ما وصفه «الاتفاقية السيئة» مع إيران.

وقدم فريدمان لمقابلته مع أوباما بالحديث عن زيارة قام بها الكاتب الأميركي الى طهران في العام 1996، ووصف المجتمع الإيراني بأنه ديناميكي يسعى الى التغيير، وان التوصل لاتفاقية مع الايرانيين امر ضروري لثبات واستقرار المنطقة.

اما الأفكار الرئيسية التي ادلى بها الرئيس الأميركي، في المقابلة مع فريدمان التي نشرها موقع «نيويورك تايمز» متلفزة ومكتوبة، فتمحورت حول ثلاثة نقاط. الأولى مفادها ان إيران دولة ذات مقدرات كبيرة تمكنها من التحول لقوة إقليمية إذا ما تخلت عن اجندتها الحالية الداعمة لمجموعات تصنفها واشنطن بالإرهابية. الثانية تقضي بأن مشكلة الدول العربية، والسعودية خصوصا، هي مشكلة داخلية تدفع الشباب العربي نحو المجموعات المتطرفة مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). اما الفكرة الثالثة فتتمحور حول استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة، على كل دول الجوار. وبسبب تفوقها العسكري، على إسرائيل الا تخشى إيران، وان تعطي موافقتها للاتفاقية.

وفي ما يتعلق بحلفاء أميركا من العرب السنة، أكد أوباما أنه في حين أنه مستعد للمساعدة على زيادة قدراتهم العسكرية، فإنه يتعين عليهم أيضا زيادة استعدادهم لاستخدام قواتهم البرية في المشاكل الإقليمية.

وقال الرئيس: «إن المحادثات التي أريد أن أجريها مع دول الخليج هي: أولا وقبل كل شيء، كيف يبنون قدرات دفاعية أكثر فاعلية».

وأضاف: «أعتقد عندما ننظر إلى ما يحدث في سورية، على سبيل المثال، فإنه كانت هناك رغبة كبيرة في أن تذهب الولايات المتحدة إلى هناك وتفعل شيئاً ما. ولكن السؤال هو: لماذا لا يمكن أن يكون لدينا عرب يقاتلون ضد الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت في سورية ضد حقوق الإنسان، أو يقاتلون ضد ما قام به الأسد؟ وأعتقد أيضاً أنني أستطيع أن أوجه رسالة اليهم بشأن التزامات الولايات المتحدة للعمل معهم والتأكد من أنهم لا يتم غزوهم من الخارج، وربما سيخفف هذا بعض مخاوفهم وسيسمح لهم بإجراء حوار مثمر أكثر مع الإيرانيين. لكن ما لا أستطيع أن أفعله هو أن ألتزم بالتعامل مع بعض هذه القضايا الداخلية التي لديهم، بدون أن يقوموا بإجراء بعض التغييرات نحو التجاوب أكثر مع شعوبهم».

وتابع: «عندما يتعلق الأمر بعدوان خارجي، أعتقد أننا سنكون هناك من أجل أصدقائنا (العرب) - وأريد أن أرى كيف يمكننا إضفاء الطابع الرسمي على ذلك أكثر قليلاً مما هو الحال حالياً، وأن نساعد أيضاً في بناء قدراتهم بحيث يشعرون بمزيد من الثقة إزاء قدرتهم على حماية أنفسهم من أي عدوان خارجي. ولكن أكبر التهديدات التي يواجهونها الآن قد لا تكون آتية من غزو إيراني. بل من الشعور بالسخط داخل بلادهم بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم. واعتقد أن فصل ذلك الأمر عن النشاط الإرهابي الحقيقي داخل بلادهم، وكيف نفرز الأمور، وكيف يمكننا الانخراط في التعاون في مكافحة الإرهاب وهو التعاون الذي كان في غاية الأهمية لأمننا - دون إضفاء الشرعية أو المصادقة تلقائياً على أي تكتيكات قمعية قد يستخدمونها، هي أمور تشكل حواراً صعباً معهم، ولكنه حوار يتعين علينا أن نخوضه».

وقال: «لذلك ومع تقديم دعم عسكري ينبغي على الولايات المتحدة أن تتساءل: كيف يمكننا تعزيز الحياة السياسية في هذه البلاد حتى يشعر الشبان السنة أن لديهم شيئا آخر يختارونه غير تنظيم الدولة الإسلامية».

على ان الأفكار التي ادلى بها أوباما حول الاتفاقية مع إيران، وهي الأكثر صراحة وتفصيلا حتى اليوم، يشوبها الكثير من المشاكل وانعدام الرؤية. فطهران مازالت بعيدة عن الاتفاقية، والزخم الذي يحاول أوباما حشده هو دعم لما اسماه الرئيس الأميركي «تفاهما تاريخيا»، أي ان الأطراف المجتمعة في لوزان توصلت الى رؤية مشتركة، لكن هذه الأطراف لم توقع على أي وثيقة ولم تصافح على أي اتفاق مبدئي كمقدمة لاتفاق نهائي، حسبما أراد أوباما.

ويبدو ان العقبات التي أدت الى تأخير اعلان «التفاهم» أياما مازالت ماثلة حتى اليوم، وهي تتمحور حول توقيت رفع العقوبات، اذ تتوقع إيران حصول ذلك بمجرد توقيعها الاتفاقية، فيما تعتقد واشنطن والحلفاء ان رفع العقوبات يأتي بعد تقديم «وكالة الطاقة الدولية الذرية» افادة تؤكد فيها التجاوب الإيراني.

اما في أفكار أوباما نفسها، فمشاكل متعددة تكمن في رؤيته تجاه إيران على انها دولة ديموقراطية، وهو وصف دأب الرئيس الأميركي ومساعدوه على اسباغه عليها في الأسابيع الماضية. فإيران ما زالت ثيوقراطية والكلمة الأخيرة فيها بيد مرشد الثورة علي خامنئي، الذي دأب على القول أخيرا ان المفاوضات مع اميركا هي حول الملف النووي من دون غيره، وان رؤية إيران وأميركا حول شؤون المنطقة مازالت متناقضة في الملفات كافة.

وعندما لفت أوباما الى المشاكل الداخلية لدى الدول العربية، فهو تجاهل المشاكل المشابهة التي تعاني منها إيران، التي قامت بقمع ثورة سلمية في العام 2009، والتي تحظر مواقع التواصل الاجتماعي جميعها، والتي تراقب السلوك الاجتماعي والسياسي لمواطنيها عن كثب، والتي تطلق ايدي كبار عسكرييها في السيطرة على المقدرات الاقتصادية للبلاد واحتكارها، في حال تعاني غالبية الإيرانيين من العوز. كل هذه المشاكل الإيرانية، التي لم يتحدث عنها الرئيس الأميركي في مقابلته مع فريدمان، تغيب عن الكثير من الدول العربية، خصوصا في الخليج، حيث مواقع التواصل الاجتماعي متاحة وحيث الوضع الاقتصادي للمواطنين هو من الأفضل في العالم.

كذلك، تجاهل أوباما ان إطلاق يد إيران إقليميا، او تحولها الى قوة إقليمية في حال تخليها عن دعم الإرهاب حسب قول الرئيس الأميركي، يقلق حلفاء اميركا مثل إسرائيل، التي لا تعاني من إمكانية تحول إيران نووية فحسب، بل تعاني من سيطرة إيران على مناطق استراتيجية، مثل باب المندب، ترسل عبرها شحنات من الأسلحة لفصائل متعددة يمكنها إلحاق الأذى بالإسرائيليين.

أفكار أوباما، التي أطلقها عبر صديقه فريدمان، تبدو منحازة بشدة لطهران، والحال كذلك، يبدو صعبا، رؤية كيف يمكن لهذا الانحياز، الذي سيؤدي الى تمييل الدفة لمصلحة احد الأطراف في المنطقة، ان يساهم في التوصل الى سلام واستقرار، فتقدم ايران على خصومها سيفرض على الخصوم المزيد من ردة الفعل والقتال خوفا من هيمنة طهران، في ما يبدو ان المخرج الوحيد لأزمات المنطقة يكمن في تعديل ميزان القوى على شكل لا غالب ولا مغلوب، كمقدمة لجمع الأطراف المتخاصمة حول طاولة واحدة للتوصل الى سلسلة من الحلول على مستويات متعددة، وفي المناطق الساخنة المختلفة مثل اليمن وسورية وغيرهما.

وبما أن الرئيس أوباما أجرى تعاملات مباشرة وغير مباشرة مع القيادة الايرانية - بما في ذلك تبادل لرسائل عديدة مع الزعيم الايراني الاعلى آية الله علي خامنئي - أكثر من أي من أسلافه منذ الثورة الايرانية التي اندلعت في العام 1979، فقد سأله فريدمان عما اكتشفه من هذه التعاملات، فقال الرئيس: «إيران بلد معقد تماما مثلما أننا بلد معقد. ليس هناك شك في أنه، بالنظر إلى التاريخ الذي بين بلدينا، فإن هناك قدرا عميقا من عدم الثقة وهو الأمر الذي لن يتلاشى على الفور. والأنشطة التي ينخرطون فيها، ولهجتهم سواء المعادية للولايات المتحدة أو المعادية للسامية ولإسرائيل، هي أمر مقلق للغاية. وهناك اتجاهات عميقة في الدولة تتصادم ليس فقط مع مصالح ورؤى مصالح أمننا القومي، بل أيضا مصالح حلفائنا وأصدقائنا في المنطقة، وهذه الانقسامات حقيقية».

وأضاف: «لكنه ما رأيناه هو أن هناك خطا عمليا للنظام الإيراني. أعتقد أنهم قلقون بشأن الحفاظ على الذات. وأعتقد أنهم يستجيبون، إلى حد ما، لجماهيرهم. أعتقد أن انتخاب روحاني أشار إلى أن هناك شهية لدى الشعب الإيراني للانضمام مجددا إلى المجتمع الدولي، والتركيز على الاقتصاد والرغبة في إقامة روابط مع الاقتصاد العالمي. وهكذا فإن ما رأيناه على مدى السنوات القليلة الماضية، كما أعتقد، هو الفرصة المناسبة لتلك القوى داخل إيران، التي ترغب في الخروج من الإطار الجامد الذي ظلت في داخله لفترة طويلة، كي تتحرك في اتجاه مختلف. انه ليس خروجا أو تحولا جذريا، ولكنه تحول أعتقد أنه يتيح لنا الفرصة لنوع مختلف من العلاقات، وهذا الاتفاق النووي، كما أعتقد، هو التعبير المحتمل عن ذلك».

وماذا عن المرشد الأعلى لإيران، والذي سيكون صاحب القرار النهائي بشأن ما إذا كانت إيران ستمضي أو لن تمضي قدما (في ذلك الاتفاق)؟ أجاب أوباما: «إنه كتاب تصعب قراءته، ولم يسبق أن تحدثت اليه مباشرة. وفي الرسائل التي يبعث بها، فإنها عادة تذكر بما يعتبرها مظالم ارتكبت في الماضي ضد إيران. ولكنني أعتقد أن الأمر الأكثر دلالة هو أنه أعطى الفسحة لمفاوضيه في هذا الاتفاق، أي أنه أعطاهم القدرة على تقديم تنازلات مهمة، وهي التنازلات التي كان من شأنها أن تسمح لهذه الاتفاقية الإطارية أن تؤتي ثمارها. لذا فإنني أستنتج من ذلك الأمر أنه (خامنئي) - وعلى الرغم من انه يرتاب بشدة في الغرب كما أنه انعزالي جدا في الطريقة التي يفكر بها في القضايا الدولية، وكذلك القضايا الداخلية، ومحافظ بعمق - فإنه يدرك أن نظام العقوبات الذي وضعناه معا، كان يضعف إيران على المدى الطويل، وأنه إذا كان في الواقع يريد أن يرى عودة ايران الى مجتمع الأمم، فإنه لابد أن تكون هناك تغييرات».

وأكد أوباما ان أي إضعاف لاسرائيل خلال عهده او بسببه سيشكل «فشلا جذريا لرئاسته»، مجددا تضامن الولايات المتحدة مع اسرائيل على الرغم من الخلافات بين الحليفين حول الاتفاق المرحلي بشأن البرنامج النووي الايراني.

وأضاف ان هذا «لن يشكل فشلا استراتيجيا فحسب، بل اعتقد انه سيكون فشلا اخلاقيا».

واكد اوباما انه لا يمكن لاي خلاف بين الولايات المتحدة واسرائيل ان يؤدي الى كسر الرابط الذي يجمعهما.

وقال: «حتى خلال الخلافات التي حصلت بيني وبين رئيس الوزراء نتنياهو حول ايران وحول المسألة الفلسطينية في آن معا، فانا كنت دوما ثابتا في التأكيد على ان دفاعنا عن اسرائيل لا يتزعزع».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق