الخميس، 28 مايو 2015

كيف ترى واشنطن "جبهة النصرة"؟

حسين عبدالحسين

في العام 2003 وقفت في حي المنصور في بغداد أمام المنزل الذي كانت تسكن فيه سميرة الشابندر، الزوجة الثانية للرئيس العراقي الراحل صدام حسين. البعثيون وأقرباؤهم كانوا فروا من بيوتهم التي احتلتها إما قوات أميركية أو مسؤولين في العراق الجديد. منزل الشابندر سكنت فيه وحدة من المارينز، وقف أحدهم حارساً أمام بوابة الحديقة، فألقيت عليه التحية ودار بيننا حوار. قال لي انه من ولاية الاباما الجنوبية، وأنها المرة الأولى التي يخرج فيها من اميركا. ثم أخبرني ان مهمته في الحراسة تتضمن "الوقوف وترقب الإرهابيين"، وعندما بادرت الى سؤاله: "كيف تعرف من هم الإرهابيين حتى تتحسب منهم؟" تفاجأ ابن الاثنين والعشرين ربيعاً ولم يجد إجابة، وشعر أن عليه إجابة نفسه أولاً قبل أن يجيبني.

التخبط الأميركي في تعريف "الإرهاب" و"الإرهابيين" قصة قديمة مستمرة حتى اليوم. الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان إرهابياً في يوم، وفي يوم آخر وقف في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض يصافح رئيس حكومة إسرائيل اسحق رابين والرئيس الأميركي بيل كلينتون.


وعندما اندلعت الثورة السورية في العام 2011، احتارت واشنطن في أمر الثوار. صنفت في بادئ الأمر "جبهة النصرة" على انها إرهابية نسبة لاقتران النصرة بـ "تنظيم القاعدة"، عدو أميركا الأول. في وقت لاحق، اعتبرت واشنطن ان تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) هو سليل "قاعدة العراق"، التي وصلت الى اللائحة في العام 2004، فاعتبرته التنظيم الإرهابي الوحيد بين الفصائل المسلحة في سوريا، ورفعت اسم النصرة من لائحة التنظيمات الإرهابية، التي تحدثّها وزارة الخارجية بشكل مستمر. بعد مرور وقت، اعادت واشنطن، في أيار/مايو الماضي، "جبهة النصرة" الى اللائحة الإرهابية، هذه المرة كتنظيم مستقل.


هكذا يستمر التخبط الأميركي في تصنيف المقاتلين المعارضين، فواشنطن اعتقدت لفترة أن عليها وضع كل من يرتبط بالقاعدة، او أي تنظيم يعلن ان غايته انشاء دولة إسلامية، على لائحة الارهاب. هكذا، أبقت "الجبهة الإسلامية" خارج هذه اللائحة.


ويبدو ان اللائحة لا تساعد في تخفيف الارتباك الأميركي، فواشنطن تعارض تسليح المعارضين السوريين، حتى غير المصنفين إرهابياً. والعام الماضي، راحت وزارة الخزانة الأميركية – بتحريض من دولة خليجية – تمارس ضغطاً على دول خليجية أخرى بتهمة السماح لمتمولين من غير الحكومة بتقديم الأموال لتنظيمات سورية إسلامية، على الرغم من ان القانون الأميركي لا يحظر تمويل التنظيمات المسلحة ما لم تكن مصنفة إرهابية.


وفي وسط ارتباكها، ترقبت واشنطن اطلالة زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني عبر فضائية "الجزيرة" القطرية، بعد أيام من قيام مقاتلات أميركية بشن هجمات غير معلنة ضد اهداف تعود لـ "جيش الفتح" بتهمة ان فيه مجموعات "إرهابية" من النصرة.


إطلالة الجولاني لم تساهم بعد في تخفيف الارتباك الأميركي. فعلى الرغم من ان الرجل أعلن صراحة ان تنظيمه لا ينوي استخدام سوريا لشن هجمات ضد اهداف غربية، على الرغم من علاقته بقاعدة أيمن الظواهري، الا ان ردة الفعل الأولية للمسؤولين الاميركيين ظلت مضطربة.


وبينما حاول بعض المسؤولين ان يلفتوا الى نقاط إيجابية، من قبيل أن لهجة الجولاني سورية، ما يعني انه من أبناء البلد ولا تنطبق عليه صفة المقاتلين الأجانب الذين يثيرون قلق الاميركيين، الا ان مسؤولين آخرين اعتبروا ان نظرة الجولاني تجاه الطوائف السورية غير السنية هي نظرة غير مقبولة، وربطوها بمعارضته لحل سياسي يقضي بقيام حكومة وحدة وطنية "جامعة"، على حسب ما تطلب اميركا والأمم المتحدة.


الولايات المتحدة ما زالت متحيرة في موقفها من "جبهة النصرة"، وبشكل أوسع "جيش الفتح"، فتصنيف إرهابي وحده لا يقلق واشنطن كفاية، وغالباً ما أيدت واشنطن في الماضي اجراء حوارات مع منظمات تصنفها إرهابية. في أفغانستان مثلاً، لم تمانع أميركا الحوار مع "طالبان" بهدف "فصل من يمكن الحوار معهم" عن "المتطرفين".


قد تؤدي مقابلة الجولاني على الجزيرة الى تحسين وجهة النظر الأميركية تجاه "جبهة النصرة"، لكن واقع الحال يشي بأن فهم اميركا للتنظيمات المسلحة حول العالم، الإرهابية منها وغير الإرهابية، هو فهم منقوص ومضطرب، وغالباً ما يدفع واشنطن إلى تبني سياسات متضاربة ومتناقضة، تعود عن بعضها أحياناً وتخطىء بتمسكها ببعضها الآخر أحياناً أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق