الجمعة، 8 مايو 2015

دروس عربية للثورة السورية

حسين عبدالحسين

أول مرة التقيت فيها رئيس تحرير "السوري الجديد" اياد شربجي، جلس بيننا اعلامي عربي من أصدقاء الثورة السورية ممن يتمتعون اليوم بصفة النجومية. يومذاك، لم يكن بشار الأسد نجح بعد في اغراق الثورة السورية بالطائفية، ورحنا نحن الثلاثة نتحدث بأمل عن مستقبل سوريا بعد الأسد.

ومن تجربتي العراقية، ولأني أيدت الحرب الاميركية وإسقاط صدام حسين ونظامه البعثي على غرار ما طالب سوريون كثيرون اميركا ان تفعله في بلادهم لاحقا، قلت لأياد وصديقنا الاعلامي أنني -و أنا المؤيد للحرب في العراق في وسط البحر العربي الذي كان معارضاً لها- عارضت إعدام صدام حسين، لا لأنني اعارض عقوبة حكم الإعدام فحسب، بل لأنني أعتقد انه لا يمكن بناء "عراق جديد" على ثأر ودماء.

واستطردت بالقول أنني كما في حالة صدام والعراق، كذلك مع الأسد وسوريا، أؤيد اسقاط الحاكم والنظام، ولكني في نفس الوقت اأعتقد أن مصلحة سوريا مستقبلا تكمن في الصفح والعفو وفتح صفحة جديدة. طبعا أنا من مناصري محاكمة الأسد وأركان نظامه في عملية قضائية رصينة، غير ثأرية، وربما فرض عقوبة السجن المؤبد عليه. ولكني لا أؤيد قتل الأسد ثأرا لدماء ضحاياه.

هنا اشتعل النقاش مع صديقنا الاعلامي، الذي قال انه يؤيد، لا إعدام الأسد فحسب، بل معاقبة نجله الولد حافظ، وهو ما عارضته بشدة.

استعيد حديثنا هذا لأكرر موقفي ان مفتاح "سوريا الجديدة" يكمن في فتح صفح جديدة وإصدار عفو عام يشمل أكبر عدد ممكن من المتقاتلين، وحصر العقوبة بنفر من كبار المسؤولين في نظام الأسد، مع وجوب عدم إعدام أحد منهم، والسماح لعائلاتهم بالعيش بسلام في سوريا ما بعد الأسد شرط أن لا يتعاطوا الشأن العام.

وأستعيد حديثنا هذا بعدما طغت روح الثأر على طموح إقامة سوريا جديدة وعادلة لجميع مواطنيها، بغض النظر عن ديانتهم، وهذه الأخيرة هي غير سوريا المبنية على توزانات بين المجموعات الدينية، فيما يعرف بالتعايش، على غرار ما يطالب المجتمع الدولي وفي طليعته الولايات المتحدة.

واستعيد حديثنا الماضي لأنني -وأانا المناصر لإسقاط البعثين العراقي السني والسوري العلوي الشيعي- أجد صعوبة في التحاور مع بعض مؤيدي الثورة السورية من دون أن يقرأ هؤلاء اسمي ويسقطوه على ديانتي وموقفي السياسي. ثم يسمعون تأييدي لثورتهم، فيهللون على قاعدة أنهم يدينون خصومهم بلسان واحد منهم.

ومن نافل القول أن تأييدي للثورة السورية ليس نصرة للسنة في وجه "النظام المجوسي النصيري الفارسي"، بل تأييد لسوريا التي وصفتها أعلاه، التي تحتاج الى ثوار سوريين لا يرون الديانة والمذهب، وتحتاج الى أصدقاء لسوريا مثلي لا يرون الديانة والمذهب كذلك.

وليعلم ثوار سوريا واصدقاؤهم، ممن يرونها ثورة سنية في وجه طغيان شيعي، أن هذه الرؤية هي التي أرادها بشار الأسد منذ اليوم الاول للثورة، منذ ان اقتلع حنجرة القاشوش وداس ورود غياث مطر وقتله، ثم أفلت زهران علوش وصحبه من سجونه. الأسد يريدها حربا سنية - شيعية حتى لا يطالبه أحد بالرحيل بموجب مبادىء الديموقراطية وتداول السلطة، ما يعني ان كل من يقع في فخ الأسد ويتبنى كلامه عن السنة والشيعة يلعب لعبته، ويحول تالياً ثورةً كانت جميلة وسامية الى حرب طائفية دموية وبشعة.

سيقول لي كثيرون انه لو راح لك قريب او حبيب تحت براميل الاسد المتفجرة، لأردت رؤيته جثة، وهذا دافع انتقامي يصعب كبته. ولكن التحلي بالروح الانسانية ليس أمرا سهلا، والعقو عند المقدرة ليس يسيرا.

ختاما، ربما على السوريين، وكذلك العراقيين واللبنانيين، ان يتعلموا من حروب غيرهم الاهلية. في الولايات المتحدة، لم تتم محاكمة قادة الجنوب الخاسر بل تم القضاء على افكارهم، والغاء العبودية، واخراجهم من الحياة العامة. ثم تظاهر الامريكيون بعد ذلك ان الحرب التي أودت بحياة ربع الاميركيين لم تكن الا عبارة عن سوء تفاهم، وشيدوا جسرا للصداقة عبر نهر بوتوماك ليصل بين بيت قائد قوات الجنوب الجنرال روبرتس لي، الخاسر، بالنصب التذكاري للرئيس ابراهام لينكولن، المنتصر.

لم يتخل الاميريكون عن الثأر في ليلة، بل قتل جنوبيٌ لينكولن انتقاما. لكن المنتصرين تحلوا بالوعي، وفتحوا صدورهم للمهزومين، حتى أن ابنة جندي في جيش كونفدرالية الجنوب مازالت تتقاضى راتب ابيها التقاعدي الى يومنا هذا.

في العراق، أدى الثأر الى ابقاء السنة خارج الدولة، وتالياً نسفها، وأبقى على الانقسام والحرب الاهلية. كذلك في لبنان، نسف حب الثأر البلد وأبقاه غارقاً في طائفيته. ومثل العراق ولبنان، خوفي أن تقع سوريا ما بعد الأسد في الخطأ نفسه، فرحيل الأسد انتصار، ولكن الانتصار الأكبر سيرتبط بما سيفعله ثوار سوريا يوم تصبح بلادهم في يدهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق