الجمعة، 26 يونيو 2015

عندما يعاند أوباما

حسين عبدالحسين

بعد ستة أعوام على شغله البيت الأبيض، أدركت غالبية المعنيين بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة ان الرئيس باراك أوباما يمسك شخصيا بكل مفاصل وتفاصيل هذه السياسة، وانه يندر ان يستمع الى نصائح وزرائه او جنرالاته او مستشاريه. ويزيد في الطين بلّة الصلاحيات شبه المطلقة التي يمنحها الدستور الأميركي للرئيس، خارجيا، ما يسمح له بالاستئثار بكل شاردة وواردة، على عكس السياسة الداخلية، التي ما فتئ أوباما يقفز فيها من خيبة الى اخرى، على الأقل منذ استعادة معارضيه الجمهوريين للغالبية في الكونغرس في العام ٢٠١٠، وتعزيزهم سيطرتهم هذه بانتزاعهم مجلس الشيوخ، العام الماضي.

ومن مشاكل أوباما، الذي يأخذ عليه كثيرون نبرته الهادئة أكثر من المطلوب والتي تقارب العجرفة، انه لا يستمع للنصيحة، فيخطىء، وبعد أن يدرك خطأه، ينحو باللائمة على الاطراف الخارجية المعنية بالقول انها "في نهاية المطاف"، مسؤولية العراقيين او السوريين او المصريين القيام بالأمر الذي اخطأ فيه أوباما لأنها بلادهم ومصالحهم. في العراق، أنذر المقربون من أوباما وحلفاؤه الدوليون من "تقليص الانخراط" الاميركي هناك بشكل دراماتيكي. ل

لا ضير في سحب القوات الاميركية من العراق، اعتقد كثيرون، ولكن هؤلاء حذروا الرئيس الاميركي من ترك الأقليتين الكردية، وخصوصا السنية، تتدبران أمورهما مع الحكومة الفيدرالية العراقية، التي تسيطر عليها غالبية شيعية موالية لايران. لكن أوباما لم يستمع، بل راح يكرر ويؤكد ان العراق دولة مستقلة، وان القيمين عليها يدرون ما يفعلونه، وان علاقة واشنطن مع بغداد ستتحول الى علاقة ندية واستراتيجية.

لكن بغداد قبضت على الندية وادارت الاستراتيجية تجاه خصومها المحليين، فطاردت نائب الرئيس طارق الهاشمي، واطاحت بوزير المالية رافع العيساوي، وقتلت شقيق النائب احمد العلواني، وأوقفت مرتبات ميليشيات الصحوات السنية وحلّتها، واستبدلتها بسرايا الخراساني، الموالية لمرشد الثورة الايرانية علي خامنئي، وبميلشيات شيعية مشابهة. وتكررت التحذيرات لأوباما من خطر المراهنة على رئيس حكومة عراقي شيعي من طينة من سبقه، لكن أوباما أصرّ انه يعرف ما لا يعرفه الآخرون، فخسرت بغداد سيطرتها على الرمادي بعد عام على خسارتها الموصل.

واستمر أوباما في سياسته، فزاد عدد مستشاريه العسكريين في العراق الى اكثر من ثلاثة الاف، واستمر برفض نصيحة قائد قيادة "المنطقة الوسطى" الجنرال اوستن لويد، الذي كان طلب ارسال الاميركيين الى الخطوط الامامية ليزودوا مقاتلات التحالف الدولي بأهداف "الدولة الاسلامية".

ومثلما رفض أوباما نصيحة العسكر في العراق، رفض نصيحة مستشاريه الذين قالوا له ان مفتاح الحل العراقي هو في اعادة التوازن الداخلي الشيعي - السني. ومازال أوباما يرفض نصيحة التوازن نفسها على صعيد اقليمي، ويعتقد ان تزويد ايران الحليفة المتوقعة بمئة وخمسين مليار دولار من شأنه ان يؤدي الى قضائها على "الدولة الاسلامية"، بعد أكثر من عام على بدء معركة تقودها ايران نفسها ولا تبدو نتائجها ايجابية حتى الآن.

أوباما الذي لا يعترف بأخطائه في العراق، ولا في سوريا ولا تجاه ايران، يعزز الخطأ بخطأ جديد، فيصرّ اليوم على اهمية الاتفاقية النووية مع ايران، ولا يرى ضيرا من مسيرة التنازلات التي بدأت مع الاعتراف "بحق" ايران في التخصيب، ووصلت الى ما يبدو تخليا اميركيا عن مطالبة طهران بالكشف عن برنامجها النووي العسكري الذي -- وبفضل كومبيوتر لابتوب تم تهريبه الى خارج ايران في العام ٢٠٠٧ -- صار مؤكدا انه برنامج ذو ابعاد عسكرية. 

أوباما لا يهتم. يكرر ويؤكد ان اتفاقيته مع طهران تاريخية، وانها ستحرم الايرانيين النووي، وستحولهم الى حلفاء يقومون بخدمات أمنية لواشنطن في المنطقة، ويقضون على "الدولة الاسلامية"، ويحولون المآسي التي تعانيها واشنطن، منذ الخمسينات بسب سياساتها المضطربة في الشرق الاوسط، الى أفراح.

الوزراء والضباط والمستشارون، باستثناء واحدة، وسائر المعنيين بالسياسة الاميركية الخارجية في واشنطن، من الحزبين، صاروا يجمعون على اضطراب أوباما في السياسة الخارجية وعلى تراكم اخطائه، وصاروا ينصحونه سرا وعلنا بضرورة تبني سياسات بديلة. لكن أوباما، بهدوئه وعجرفته، لا يهتم للنصحية، ويستمر في عناده، او حسب القول الشعبي يستمر في "تبويمه"، اي من البومة وفألها السيء. اما تكاليف تبويم أوباما، فضحايا عراقيين وسوريين ويمنيين وليبيين وعرب متنوعين من هنا ومن هناك. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق