الثلاثاء، 9 يونيو 2015

من خلق "داعش": بوش أم أوباما؟

حسين عبدالحسين

وقفت ايفي زيدريتش، وهي طالبة سنة أولى علوم سياسية في جامعة نيفادا، وقالت للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية جب بوش: "أخوك هو من خلق (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) داعش". وتابعت "لماذا تقول لنا ان داعش ظهرت بسبب غيابنا عن الشرق الأوسط، فيما هي حصيلة حرب (العراق) التي لا معنى لها؟".

بسؤالها، لخصت الطالبة الجامعية نقاشاً أميركياً يحتدم منذ فترة ويتمحور حول الاسباب التي أدت الى نشوء "داعش". الديموقراطيون بغالبيتهم يعزون السبب إلى حرب العراق، التي قلبت نظاماً مستقراً، وإن كان استبدادياً، مفسحة المجال أمام التنظيمات المتطرفة على أنواعها بالصعود.

والديموقراطيون، الذين يحاولون تحميل الرئيس السابق جورج بوش وادارته وحربها في العراق مسؤولية صعود داعش كثر، ويتنوعون بين سياسيين جديين ومشاهير كوميديين. في الجانب الجدي، كتب فيليب غوردون، الذي خرج مؤخراً من منصبه كمنسق لشؤون الشرق الاوسط في "مجلس الأمن القومي" التابع للبيت الابيض، أن على الاميركيين ان يتحلوا بالواقعية، وأن لا يعتقدوا أنه يمكن لبلادهم ان تغير الكثير في مجريات الاحداث في الشرق الاوسط. واعتبر غوردون انه من باب المصادفة ان تكون المرة الوحيدة التي ساهمت فيها واشنطن بقلب المقاييس تجلت في حرب العراق، التي قلبت ميزان القوى بين السنة والشيعة وسمحت للقوى الشيعية العراقية وراعيتها ايران بحكم العراق.

بدوره، ردد الكوميدي الشهير جون ستيوارت ما ورد في مقالة غوردون لناحية ان تاريخ أميركا في الشرق الاوسط يشير الى ان تدخلها يؤدي دائماً الى دفع الامور نحو الأسوأ، ما يعني أن الخيار الافضل هو ابتعاد أميركا عن المنطقة بشكل كامل. وشن ستيوارت، المحسوب على اقصى اليسار في الحزب الديموقراطي، هجوماً ضد الاصوات الداعية إلى تدخل أميركي في سوريا، إن كان عسكرياً مباشراً أو عن طريق تسليح المعارضة، وقال إن مشكلة سياسيي أميركا انهم لا يتعلمون من أخطاء الماضي.

لكن لا يبدو أن تردد أوباما في التدخل في سوريا يقنع كل الديموقراطيين، فشبكة "بي بي اس" التلفزيونية شبه الرسمية، المعروفة برصانتها وقربها من وجهة نظر الحزب الديموقراطي، بثت نهاية الاسبوع الماضي وثائقياً حول سوريا حاولت فيه تحديد الاسباب والظروف التي حملت الرئيس باراك أوباما على التراجع، في اللحظة الاخيرة، وعدم شنه ضربة عسكرية ضد قوات الأسد في خريف ٢٠١٣ على اثر المجزرة الكيماوية في غوطة دمشق.

وتساءلت المحطة ان كان القرار البريطاني بعدم المشاركة في الضربة ضد قوات الأسد هو الدافع الذي جعل أوباما يتراجع، لتجيب ان حلفاء أميركا الآخرين، مثل فرنسا، كانوا على جهوزية للمشاركة في الضربة وتالياً تقديم غطاء سياسي ما للرئيس الأميركي. وكشفت المحطة ان القوات الاميركية كانت حددت موعد الضربة ضد الأسد في ٣١ آب/أغسطس 2013، إلا ان أوباما أجهضها، وبحث عن مخرج توصل إليه بالاشتراك مع الروس.

وخلص الوثائقي، الذي أثار نقاشاً واسعاً في العاصمة الاميركية، الى ان انقلاب موقف أوباما أوحى للسوريين ان الاميركيين لن يأتوا لنجدتهم من مجازر الأسد، ما دفع غالبيتهم الى احضان التنظيمات المتطرفة مثل "داعش". ولاحظ الوثائقي أن أوباما تراجع عن الضربة في سبتمبر/أيلول ٢٠١٣، وأن "داعش" استولت على الموصل منتصف ٢٠١٤.

بسبب تردد أوباما، صعدت "داعش"، وأصبح تسليح وتدريب المعارضين المعتدلين، الذي اقترحته وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) وأيدته وزارتا الخارجية والدفاع، أكثر صعوبة وتعقيداً. وفي الوثائقي، يقول السفير الاميركي السابق في دمشق روبرت فورد، إن اقتراح الخارجية كان تدريب خمسة آلاف مقاتل في ٢٠١٢، واليوم تقترح الادارة تدريب خمسة الاف على الرغم من تغير الظروف وهو عدد لم يعد يكفي، ويصل الى نتيجة مفادها ان موعد التدخل الاميركي غير المباشر في سوريا فات، وأن "داعش" باق في شرق سوريا لمدة طويلة.

ومع أصوات الديموقراطيين المتعالية ضد تردد أوباما، أولاً في تسليح الثوار في العام ٢٠١٢، وثانياً في ضرب الأسد في ٢٠١٣، علت أصوات الجمهوريين الخافتة منذ انقلبت حرب العراق الى مستنقع للاميركيين، وصار الجمهوريون يرددون أن مشكلة الشرق الاوسط سببها تردد أوباما لا تدخل بوش.

هكذا، أطل الجمهوري ريك بيري ليعلن ترشيحه بالقول إن "أميركا فازت في حرب العراق" وإن معدلات العنف هناك مع حلول العام ٢٠١٠ انخفضت الى مستويات ما قبل ٢٠٠٣، وان سبب عودة الامور الى الانفلات ليس "حرب العراق" التي شنها بوش، بل ارتباك أوباما في ادارة المرحلة التي تلت الانسحاب الاميركي.

من المسؤول عن صعود داعش؟ بوش أم أوباما؟.. في وقت يلقي كل حزب المسؤولية على منافسه، يبدو ان الرأي العام الاميركي عاد للاقتراب من الموقف الجمهوري وتحميل أوباما الديموقراطي مسؤولية سيل الدماء في الشرق الاوسط، أو هكذا على الأقل يشي آخر استطلاع للرأي، أظهر أن بوش يتقدم على خلفه في الشعبية بواقع ٥٣ مقابل ٤٧ نقطة مئوية، وهو تقدم كان بمثابة المستحيل قبل أشهر قليلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق