الخميس، 30 يوليو 2015

“لا طائفية” شيعية

حسين عبدالحسين


يصرّ المسؤولون الحكوميون العراقيون، ومعهم قادة الميليشيات التابعة لهم، ان لا طابع طائفي يطغى على حكومة العراق ولا على ميليشيا “الحشد الشعبي”، وان الحكومة والميليشيا تعملان لأهداف وطنية بحتة وبشعارات لا طائفية، وان هدفهما هو محاربة “الارهاب” فحسب في مناطق شمال غرب وغرب العراق. طبعا مطالعة سريعة للتقارير الاخبارية العراقية تظهر قصة مغايرة.

في تقرير اخباري في “وكالة انباء المدى” ورد ان “كتيبة الاشتر الصاروخية”، التابعة لوزارة الداخلية العراقية، قامت باستهداف مواقع لداعش ودمرت 17 مقرا لهم. طبعا يبدو غريبا ان تكون لدى وزارة الداخلية العراقية، او أي وزارة داخلية في العالم، كتيبة صاروخية، فهذه القدرات العسكرية هي في العادة من اختصاص الجيوش لا قوات الشرطة.

والأغرب في الأمر ان تطلق “الشرطة الاتحادية” في العراق اسم “الاشتر” على الكتيبة نسبة الى الاشتر النخعي، وهو يفترض انه ممن قاتلوا الى جانب علي بن ابي طالب في معركة صفين ضد الأمويين. والتسمية تشبه تسميات اخرى كثيرة تطلقها الحكومة العراقية على وحدات قتالية عسكرية، وغالبا ما تحمل هذه التسميات اسماء قادة من الزمن السحيق ممن يكرمهم الشيعة.

وكما حكومة العراق، كذلك “ميليشيا الحشد الشعبي”، التي يتلقى مقاتلوها مرتباتهم من وزارة الداخلية، حيث يصر المسؤولون عن هذه الميليشيا انها “غير طائفية”. هكذا، عندما زار الناطق باسمها النائب في البرلمان احمد الأسدي الولايات المتحدة وتحدث امام حشد من العراقيين الاميركيين، دعاهم جميعا الى الانضمام الى الميلشيا، بغض النظر عن مذاهبهم، لان الميليشيا المذكورة وطنية وغير طائفية، على حد زعمه.

لكن اسماء المجموعات المقاتلة التي تتألف منها الميليشيا كلها اسماء مستوحاة من شخصيات تاريخية شيعية. لنأخذ مثلا “كتيبة الخراساني”، التي يطل مسؤولوها عبر أحد البرامج التلفزيونية العراقية ليقولوا انهم اقسموا الولاء لمرشد الثورة الاسلامية في إيران علي خامنئي. ويضيف مسؤولو هذا الفصيل العراقي المسلح ان اسم مجموعتهم هو تيمنا بـ “والي خرسان”، وهذا في التاريخ اللقب الذي يطلقه الايرانيون على الامام الشيعي الثامن علي الرضا، المدفون في مدينة مشهد في شمال إيران الشرقي.

وللأمانة، يمكن القول ان المظاهر الطائفية تراجعت بعد ان تولى حيدر العبادي رئاسة الحكومة خلفا لنوري المالكي، فالأخير كان يحاول انشاء زعامة عراقية منافسة لإيران، لذا كان يجد نفسه في حاجة لإثبات غيرته على الشيعة، فكان يدفع المظاهر الشيعية الى الواجهة الحكومية بشكل فاقع.

وفي زمن المالكي، كان موقع تلفزيون العراق الرسمي “العراقية” يعج بالشعارات الشيعية والمواد الدعائية، ففي عاشوراء كانت تسيطر على الموقع شعارات من قبيل “يا ثار الحسين”، وفي “عيد الغدير” كانت تتصدر اقوال نبوية من خطبة غدير خم. وفي زمن المالكي، كانت تتصدر مواقع الجيش العراقي اسماء الألوية التي تكون في الغالب لواء “ابي الفضل العباس” او “الحسين”. اما موقع وزارة الداخلية، فكان كذلك متخما بالشعارات والادبيات الشيعية.

على ان العبادي، الأقرب الى إيران من المالكي والذي لا يبدو انه يحاول انشاء زعامة عراقية مستقلة على غرار سلفه، لا يبدو انه يشعر في حاجة لإثبات شيعيته لمنافسة الايرانيين. لكن تراجع العبادي في الشعارات الشيعية العلنية قابله منحه للميليشيات الموالية لإيران حرية مطلقة في ادارة مقدرات الدولة الى درجة دفعت النائب عمّار الحكيم، وهو من أقرب المقربين الى إيران، الى مطالبة الحكومة العراقية بتدريب مقاتلي الحشد الشعبي على التحليق بمقاتلات اف -16، التي تتوقع بغداد استلامها من واشنطن في موعد قريب.

اما ميلشيا “الحشد الشعبي”، فمن المستحيل عدم رؤية طابعها المذهبي الفاقع، فإلى الاسماء الشيعية والايرانية التي تحملها الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد، شكلت قيادة الحشد “مديرية التوجيه العقائدي”، وهو توجيه ليس من الصعب على المرء ان يحزر في اي اتجاه مذهبي يصب.
هكذا، تراجعت الدعاية الشيعية في مواقع الدولة العراقية ووسائلها الاعلامية، ولكن على ارض الواقع ازدادت سطوة الميليشيات الشيعية بطريقة جعلت من الاصعب على العراقيين من غير الشيعة المشاركة في الدولة واجهزتها وقواتها الامنية، الا إذا تعالى هؤلاء العراقيين عن الحساسية التي تثيرها تسميات مثل “الاشتر” كالتي يتم اطلاقها على كتائب وزارة الداخلية.

اما الأنكى فهو اصرار مسؤولي الحكومية العراقية ونواب البرلمان، مثل الأسدي، على “وطنية” القوات التي يتزعمونها وعلى “لا طائفيتها”، ويكررون الدعوة الى العراقيين من غير الشيعية بالانضمام الى هذه القوات الطائفية البحتة في دعوة تظهر اصحابها اما انهم لا يدرون ما يفعلون، او انهم يفعلون ما يفعلون ويستخفون بذكاء العراقيين عموما والعراقيين من غير الشيعة خصوصا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق