الأربعاء، 5 أغسطس 2015

حبا للسلام أم طمعا بسوق ايران؟

حسين عبدالحسين

ديبلوماسية الرئيس باراك أوباما اكسبته جائزة نوبل للسلام في الاشهر الاولى لرئاسته، حتى قبل ان يتوصل لأي من الاتفاقيات الثلاثة مع دول كانت تصنفها واشنطن بمثابة العدوة، وهي ميانميار وكوبا وايران.
ولطالما حاول الرئيس الأميركي نفسه تصوير سعيه لاتفاقيات سلمية مع هذه الدول الثلاث على انها انجازات تاريخية نجح بتحقيقها بسبب كرهه للحرب وتفضيله الوسائل السلمية.

لكن ما ظاهرة سعي الى السلام باطنه سباق بين أميركا، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، والدول الاخرى صاحبة الاقتصادات المنافسة، اي الصين والمانيا وفرنسا وبريطانيا، لفتح ابواب ما تسميه هذه الدول “اسواقا عذراء” امام بضاعاتها وشركاتها.

وتبدو ايران، صاحبة ثاني او ثالث اكبر احتياطي نفطي عالمي وصاحبة الاقتصاد الاكثر انعزالا عن العالم بسبب عقود من العقوبات الدولية المتنوعة، بمثابة الجائزة الكبرى للعواصم المتهافتة على دخول السوق الايرانية.
فرنسا، مثلا، كانت الأكثر تصلبا في وضع شروط على الايرانيين اثناء المفاوضات بين مجموعة دول خمس زائد واحد وايران حول ملف الاخيرة النووي. ثم لم تكد تمضي اسابيع على التوصل لاتفاقية فيينا النووية بين ايران والعالم، حتى كان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس اول الواصلين مطار طهران لاستجداء عقود ايرانية مع الشركات الفرنسية. وارفق فابيوس رحلته الى ايران مع مقالة رأي في كبرى الصحف العالمية لاظهار حسن نية تجاه النظام الايراني.

وقبل فابيوس، لطالما كانت المانيا المحرك الرئيسي لعملية التفاوض، وهو ما ادى الى دخول المانيا — التي لا تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن — المفاوضات النووية بين ايران والدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة.
واثناء ثورة ايران الخضراء في صيف العام 2009، وبينما اعتقد أوباما ان بامكانه اظهار حسن النية تجاه نظام طهران بالتزامه الصمت حول قيام السلطات الايرانية بقمع المتظاهرين الايرانيين بعنف دموي، كانت المانيا سبقت أميركا فقامت شركة سيمنز الالمانية للاتصالات بتزويد اجهزة ايران الامنية بأحدث الاجهزة التي سمحت لهذه الاجهزة باختراق وسائل الاتصال التي لجأ الايرانيون لاستخدامها اثناء ثورتهم. وتبدو المانيا في موقف متقدم على نظرائها الغربيين، فهي لم تحترم العقوبات الدولية يوما، وهو ما يعني ان طهران قد تكافأها على موقفها فتمنحها تفضيلا لدخول سوقها اكثر من الدول الغربية الاخرى.

اما بريطانيا، التي تصدرت حكومتها مناصرة ثوار ايران ضد النظام في العام 2009، ما جعل النظام الايراني يتجاوز كل الاعراف الديبلوماسية ويوعز لمناصريه احتلال مقر السفارة البريطانية في طهران في مشهد اعاد الى الاذهان الايام الثورية الاولى للايرانيين التي شهدت اقتحامهم مبنى السفارة الاميركية واحتجازهم رهائن، فكان رئيس حكومتها دايفيد كاميرون أول المتصلين بالرئيس الايراني حسن روحاني لتهنئته على التوصل لاتفاقية ولاستجداء ايران، على الارجح لفتح الباب امام الشركات البريطانية ومنحها امتيازات في السوق الايرانية التي تستعد للتخلص من العقوبات بموجب اتفاقية فيينا.

بدورها، الصين مثل المانيا، لم تتجاوب كثيرا مع العقوبات الدولية، واتخذت في فيينا مواقف فائقة في الليونة اثناء المفاوضات حتى تفوز بحظوة لدى الايرانيين في مرحلة ما بعد الاتفاقية، وكذلك فعلت روسيا، التي على الرغم من ضعف صناعاتها، تعول على انهاء الحظر على التسليح الايراني الذي من شأنه ان يمنح قطاع صناعة السلاح الروسية عقودا وافرة.

ختاما، تبقى الولايات المتحدة بمثابة الجائزة الديبلوماسية الكبرى للايرانيين. ومع ان النظام في ايران قد يسعى للاظهار لانصاره انه سيعاقب أميركا على الرغم من التقارب الحاصل بين الدولتين، الا ان طهران تدرك ان طريقها الاقرب الى قلب اصحاب القرار الاميركيين يكمن بتوريط شركاتهم بمصالح داخل ايران. وعندما تصبح للشركات الاميركية مصالح في ايران، تصبح عملية اعادة العقوبات على ايران اصعب داخل واشنطن بسبب معارضة الشركات ولوبياتها النافذة لخطوة من هذا النوع، من قبيل عرقلة الشركات العاملة في روسيا للعقوبات ضد موسكو على اثر احتلال الاخيرة لشبه جزيرة القرم الاوكرانية.

في اتفاقية فيينا النووية مع ايران القليل من النووي ومن حسابات التنافس العسكري في منطقة الشرق الاوسط، والكثير من التنافس التجاري ين الدول الكبرى على غزو السوق الايرانية.
أما كل ما يقوله أوباما عن حبه للسلام فكلام في كلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق