الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

واشنطن تكره الثورات

حسين عبدالحسين

في مقابلة بثتها شبكة الراديو الاميركية شبه الرسمية "بي بي اس"، قال السفير الاميركي السابق في روسيا روبرت ماكفول انه اثناء حضوره دروة الالعاب الاولمبية في سوتشي الروسية في شباط (فبراير) ٢٠١٤، بلغه ان الرئيس الاوكراني فيكتور يانيكوفيتش فرّ من قصر الرئاسة في العاصمة كييف.

وتابع ماكفول، الذي أيدت بلاده موقف ثوار اوكرانيا ضد يانيكوفيتش، انه شعر بخيبة الأمل بسبب الفرار الرئاسي لأنه كان يعمل على التوصل لاتفاق بين الطرفين يقضي بانتقال سلمي ومنظّم للسلطة من الرئيس الى معارضيه، وانه كان يرغب في بقاء الرئيس الاوكراني في منصبه حتى اتمام العملية الانتقالية بهدف تفادي الفوضى التي توقعتها واشنطن، ووقعت بالفعل على اثر عملية الفرار، حسب الديبلوماسي الاميركي السابق.

تمسك الولايات المتحدة بالرئيس الاوكراني الفار تتطابق وتمسكها بالرئيس السوري بشار الأسد، الذي آثر -- بدلا من الفرار -- الانخراط في حرب دموية مازالت مندلعة منذ اربع سنوات ولا يبدو انها ستتوقف في المستقبل القريب. في الحالتين، يتشابه التمسك الاميركي بمؤسسات الدولة والسعي للحفاظ عليها لتسيير مرحلة ما بعد التغيير والابقاء على الأمن مستتباً.

والفكرة الاميركية للتمسك بمؤسسات الدول التي تشهد تغييرات ولدت بعد ان تكون اجماع اميركي ان قيام سلطات الاحتلال الاميركية بحلّ الجيش العراقي في العام ٢٠٠٣ كانت بمثابة الخطأ الفادح. لكن على الرغم من الاجماع، تبقى السيناريوات الاميركية البديلة لحل الجيش العراقي غائبة. مثلا، أي جزء من الجيش العراقي كان على الاميركيين الابقاء عليه؟ فجيش صدام حسين النظامي عانى ضعفا كبيرا على اثر انتهاء الحرب مع ايران وخوف صدام من ابطال هذا الجيش في مرحلة ما بعد الحرب، فراح يقضي عليهم الواحد تلو الآخر ابتداء من شقيق زوجته وابن خاله عدنان خيرالله، الذي قضى في "حادثة" تحطم مروحيته. وبديلا عن الجيش، استند صدام الى "الحرس الجمهوري"، وحتى هذا الاخير تم تقسيمه الى وحدات ذهبية وغير ذهبية، بقيت متنافرة فيما بينها وتسعى كل منها للحصول على حظوة الرئيس الراحل وعلى تحطيم منافسيها. والى الجيش والحرس برز "فدائيو صدام" و"الجيش الشعبي" التابع لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم.

بعد فرار صدام من بغداد، لم يكن واضحا من هي القوات الامنية الوطنية التي يمكن الاستناد اليها لمنع الفوضى، ولم يكن معلوما من في سلم التراتبية، من غير البعثيين الخمسين الذين طاردتهم أميركا، يمكن ان يصدر اي أوامر لاي قوات أمنية، واذا ما تحرك الجيش، لم يكن مفهوما اذا كان يمكن لصدام -- الفار حتى ذلك الوقت -- استعادة سيطرته عليه، او تحريك قطعات موالية له ضد هذا الجيش والدخول بمواجهة مسلحة.

وكما في الحالة العراقية، كذلك في الحالة السورية، من غير المفهوم اي من المؤسسات يمكن للسوريين الركون اليها لو خرج بشار الأسد وأقرب المقربين منه يوما من الحكم. هل يركن السوريون الى الاستخبارات العسكرية؟ ام الاستخبارات الجوية؟ هل تبقى الفرقة الرابعة متماسكة ومستعدة لضبط الأمن في حال خروج ماهر الأسد من الحكم؟

الدرس الذي فات الاميركيين في العراق ان لا مؤسسات في الجمهوريات الديكتاتورية، وان المؤسسات تنهار برحيل رأس الهرم، وانه كان من شبه المستحيل اخراج صدام والابقاء على جيشه، كما هو من سابع المستحيلات الابقاء على مؤسسات تعمل بانتظام في حال خروج الأسد، فالمؤسسات التي تعتقد واشنطن انه ممكن الحفاظ عليها هي المؤسسات الفاسدة نفسها التي دفعت الشعب للثورة عليها والمطالبة برحيل رئيسها ورحيلها.

قد تكون مصر، حيث المؤسسة العسكرية دولة مستقلة وقائمة بذاتها ومنفصلة عن الشعب ومؤسساته وهمومه، هي البلد الوحيد حيث أمكن التغيير في الرئاسة مع ضمان الجيش لاستمرار الدولة. وواشنطن لم تطلب خروج الرئيس السابق حسني مبارك الا بعد تشاورها مع الجيش المصري، الذي فرض عمر سليمان نائبا ليقرأ الاستقالة، ثم تسلم الحكم بعده، ثم استند بعض الضباط الى الحكومة المنتخبة حديثا للاطاحة بالضباط ممن تلوا مبارك، ثم انقلبوا على الحكومة نفسها التي اقسموا اليمين امامها، فاستولوا على الحكم مجددا، واعادوا مصر الى حيث كانت قبل خروج مبارك من الحكم.

في عطلة نهاية الاسبوع، كان الرئيس باراك أوباما يستمتع بلعب الغولف في جزيرة مارثاز فينيارد حيث يقضي عطلته السنوية. لم تقلقه المجازر التي كانت تقع في دوما. استمرار المؤسسات هو العنوان الوحيد الذي تقبله اميركا لأي عملية تغييرية، من اوكرانيا وسوريا الى مصر. بعد تجربة العراق، صارت أميركا تكره التغيير وتعارض الثورات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق