الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

أميركا تتمسك بإيران في سوريا

حسين عبدالحسين

بعدما سعت الإدارتان الأميركيتان المتعاقبتان للرئيسين جورج بوش، وباراك أوباما، لتطبيق سياسة "الانخراط مع الأسد" بين الأعوام 2007 و2011، وهي سياسة كانت مبنية على "فصل" الرئيس السوري بشار الأسد عن حليفته إيران، تسعى أميركا اليوم الى "الانخراط مع إيران" والتقريب بينها وبين الأسد، وفصل الأخير عن روسيا.

أساس التفكير الأميركي الحالي مبني على رؤية أوباما لإيران كقوة تتحلى بمنطق ويبرع حكامها "بحسابات الربح والخسارة"، حسب تعبير الرئيس الأميركي. كما يعتقد أوباما ان للإيرانيين حضارة تمتد آلاف السنوات، وان اعادة إيران كحليف أميركا الرئيسي في الشرق الأوسط، كما قبل العام 1979، هو مصلحة أميركية بحتة.


وتظهر سلسلة مواقف أوباما، منذ دخوله البيت الأبيض مطلع العام 2009، انه لم يألو جهدا للتقرب من إيران وحكامها، ففي "الثورة الخضراء"، وقفت أميركا متفرجة ولم تدِن قمع النظام الإيراني الدموي للمنتفضين.

وفي الأعوام 2010 و2011، فتح أوباما باب العراق على مصراعيه امام النفوذ الإيراني الذي أخلّ بالموازين الطائفية الدقيقة وأعاد العراق الى حربه الاهلية التي اندلعت بين الأعوام 2006 و2008.

ومنذ العام 2009، رمى أوباما ثقله خلف المفاوضات النووية التي أفضت لاتفاقية مع الإيرانيين. وعلى مرّ السنوات السبع الماضية، دأب الرئيس الأميركي على ارسال الرسائل الخطية الى مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي في محاولة لرأب الصدع بين البلدين. ولم يطق أوباما الانتظار كثيراً بعد الإعلان عن التوصل لاتفاقية نووية مع طهران، فسارع، لا الى التباهي بإنجازه الديبلوماسي فحسب، بل الى تكرار ان من شأن "الإيجابية المتولدة" عن الاتفاقية الى المساهمة في حلول للملفات الشرق أوسطية الأخرى، وفي طليعتها سوريا.

ومقابل كل تصريح إيجابي لأوباما تجاه طهران، كان خامنئي يطّل بتصريحات معادية لواشنطن، على وقع هتافات "الموت لأمريكا". وبينما كان خامنئي يؤكد استحالة قيام أي حوار إيراني – أميركي بعد انتهاء المفاوضات النووية، كان زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله، يتوعد الاميركيين ويشتمهم.

لكن كما اثناء المفاوضات النووية التي كانت تسير في منحى إيجابي فيما خامنئي يعلن تعثرها، وكانت إيران تتراجع عن التخصيب، فيما خامنئي يتوعد بتخصيب المزيد من اليورانيوم، كذلك في الديبلوماسية الأميركية – الإيرانية اليوم، إذ فيما يصرّ مرشد الثورة أن لا حوار مع أميركا غير الاتفاقية النووية، مازالت القناة الأميركية – الإيرانية مفتوحة، منذ صيف 2013، لمواكبة السعي الأميركي الحثيث لإشراك طهران في مؤتمرات الحلول المقترحة حول سوريا.

هكذا، بينما يسعى وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الى عقد لقاء رباعي روسي – أميركي – سعودي – تركي في فيينا لإقناع أنقرة والرياض بدخول المنظومة الإقليمية التي تبنيها موسكو وتزعم أن هدفها القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية"، كمقدمة للتوصل لتسوية في سوريا، أصر وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري على توسيع لقاء فيينا ليضم إيران.

والإصرار الأميركي على مشاركة إيران في الحل السوري ليست مستجدة، بل هي تعود الى مؤتمر "جنيف 2" الذي انعقد مطلع العام 2014. وقتذاك، سعت أميركا من خلال الأمم المتحدة الى اشراك إيران في المؤتمر، لكن جهود المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين نسفوا المشاركة الإيرانية بسبب تورط طهران في الحرب السورية. هذه المرة، تقول واشنطن ان "الكل متورط" في الحرب السورية، وان الكل يجب ان يشترك في عملية الحوار للتوصل الى حل.

والرؤية الأميركية لإنهاء الحرب في سوريا تشبه تصورها لإنهاء الحرب في لبنان مطلع التسعينات. فأميركا سلّمت لبنان للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على اعتقاد ان الأخير كان انخرط في منظومة "الشرق أوسط الجديد" المبني على مؤتمرات السلام العربية – الإسرائيلية والاتفاقيات التي تمخضت عنها. وقتذاك الأسد ابتلع لبنان وبقي خارج المنظومة الأميركية، وأغلب الظن ان إيران ستفعل الشيء نفسه، فتبتلع سوريا وتستمر في اثارة المتاعب إقليمياً.

على ان دخول روسيا الحرب السورية، منذ أكثر من شهر، عزز رؤية أوباما لكيفية انهاء الحرب السورية، اذ أصبح لتسليم سوريا للإيرانيين بعدٌ استراتيجيٌ يتمثل بإلحاق الهزيمة بروسيا، التي تحاول إعادة تثبيت نفسها كمنافسة عالمية للقوة الأميركية، ما يجعل إدارة أوباما تعتقد انه بتسليم سوريا لإيران، تنجح أميركا في خطب ود طهران وإنهاء العداء الأميركي – الإيراني، من ناحية، وفي إخراج روسيا من سوريا، من ناحية ثانية.

إذاً، تمسك أميركا بدور إيراني في انهاء الحرب السورية هو، حسب رأي أوباما وادارته، إصابة عصفورين بحجر: تعزيز الصداقة مع طهران والتغلب على موسكو. أما النتائج المتوقعة لأي حوار موسع حول سوريا في فيينا، يوم الجمعة المقبل، قد تشارك فيه إيران، فالأغلب ستأتي مثل كل نتائج سياسة أوباما الخارجية عموما: فشل يتلو فشلاً ويسبق فشلاً آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق