الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

باطنية أوباما حول سوريا


حسين عبدالحسين

في الوثائق السرية التي كشف عنها ادوارد سنودن، انه بسبب القانون الأميركي الذي يمنع وكالات الاستخبارات من التجسس على المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة، راحت الاستخبارات الأميركية تطلب من نظيرتها البريطانية التنصت ومراقبة المواصلات الالكترونية للأميركيين.

طبعا لم تخرق واشنطن القوانين الأميركية تقنيا ولكنها خرقتها فعليا، وبمساعدة لندن.

هذه هي حال الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الأزمة السورية. فبسبب التزامه بمواقف حلفائه في الرياض وانقرة والدوحة، يلتزم أوباما علنا موقفا مؤيدا للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، ولكن موقف أوباما فعليا هو نفسه موقف روسيا، القاضي بإبقاء الأسد في الحكم، ولو على أشلاء الشعب السوري بكامله.

الأسبوع الماضي، ترأس أوباما، للمرة العشرين في السنوات الاربع الاخيرة، اجتماعا لفريق الأمن القومي العامل لديه. كان هدف الاجتماع التوصل لخطة جديدة حول سوريا، بعدما تحولت نظريات الرئيس الأميركي الماضية حول الأزمة السورية الى مادة تندّر بين الاميركيين وحول العالم.

على ان اللافت في الأمر هو ان الرئيس الأميركي لا يرى سوريا على انها مأساة مقتل ربع مليون وتهجير ثمانية ملايين، بل يراها حصرا سعيا أميركيا للقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، بعدما تعثرت كل محاولاته السابقة.

ولا يعني أوباما أيضا ان قتلى داعش لا يتجاوزون نصف في المائة من عدد من قتلهم نظام الأسد. كل ما يهم الرئيس الأميركي هو الظهور وكأنه يعمل ما بوسعه للقضاء على الإرهاب، الذي لم يعد أوباما يسميه إرهابا أصلا واستبدل التسمية بتسمية “العنف المتطرف”. لهذا السبب، عقد أوباما قمة على هامش الاعمال السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، قبل أيام من جلسة العمل التي خصصها للخروج بخطة جديدة حول سوريا.

الجديد في الخطة الأميركية، التي تتمحور كسابقاتها حول الحرب ضد داعش حصرا، تراجع الرئيس الأميركي عن معارضته تسليح أي من فصائل الثوار السوريين. هذه المرة، وافق أوباما على تسليح 14 فصيلا، اختارتهم الاستخبارات التركية، يبلغ عدد مقاتليهم مجتمعين 5 الاف. يضاف الى هؤلاء 25 الفا من البيشمركة الكردية. اما هدف هذه القوة مجتمعة فهو الهجوم على داعش لقطع طريقي امدادها من الشمالين الغربي والشرقي.

وكما في السابق، يبدو ان أوباما ما زال متحفظا على تسليح الثوار على نطاق واسع، فعدد 5 الاف مقاتل هو نفسه الذي فشلت إدارة أوباما في تجنيده – بعد محاولات حثيثة – على مدى السنة الماضية. ولأن القوة الكردية تقاتل دفاعيا، من غير المفهوم كيف يمكن لقوة صغيرة مثل التي قررت واشنطن تسليحها ان تتغلب على داعش على مشارف مدينة الرقة في شمال سوريا الغربي.

الخطوة الثانية للخطة الأميركية الجديدة هي التنسيق مع الروس، وهو تنسيق جار على قدم وساق بين اللجان العسكرية للدولتين ووزارتي الخارجية، تأمل واشنطن في ان يؤدي الى التوصل الى حل سياسي.

اذا، خطة أوباما الجديدة، كما القديمة، تتحدث عن تسليح قوة صغير غير فعالة، يرافق ذلك تسوية مع الأسد، وهذا استعادة للكلام الذي تقوله واشنطن منذ العام 2011.

خطة أوباما هذه هي نفس الكلام القديم البالي، وهي من باب رفع العتب امام الحلفاء والمطالبين بتدخل أميركي انساني لوقف المجازر بحق السوريين. اما الموقف الفعلي لأوباما، فهو ليس في خطته، بل في موافقته السريعة على التنسيق مع بوتين وعسكره بعد دخول الأخير سوريا.

موقف أوباما العلني هو رحيل الأسد، اما موقفه الفعلي فهو بقاؤه بالتعاون مع بوتين، وهذه باطنية لا تعاني فقط من قصر النظر الاستراتيجي، بل تعاني من فشل أخلاقي كبير هو نفسه الذي تسبب للولايات المتحدة بعداء بعض الشعوب لها في الماضي، وهو عداء كان أوباما أقسم انه سيعمل ما بوسعه على تذليله واستبداله بصداقة لا يبدو انها قادمة في المستقبل القريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق